عبد الخالق الربيعي *
يذهب الفنان المبدع الاستاذ ابراهيم ابو طوق في خطوطه الجديدة المبتكرة مذهب البعد الثالث للحرف العربي، ولأن الخطوط العربية الكلاسيكية كالثلث والنسخ والديواني والرقعة.. الخ والتي لا تحتمل غير بعد واحد يخضع لقـَيدَي (الشكل الحرفي والميزان النقطي ) فالخطوط الكلاسيكية المذكوره يُمسَخ جمالها أو تنضغط اشكالها تبعا لزاوية النظر اليها فلم تظهر بشكلها المألوف الاّ بزاويه نظر مباشره على العمل من قبل عين المتلقي .
لذلك لايمكن تليينها او تطويعها الى أبعاد أخرى كالبعد الثاني او الثالث، لأن ذلك يفقدها جزءً من هويتها، وما ذهب اليه الاستاذ المبدع ابو طوق هو ابتكار او اختراع خط جديد , يقترب في شكله الى حد ما من الكوفي المصحفي الذي شاع في القرن الثاني الهجري، وهو حاد الزوايا احيانا ويمكن فيه التجدد والابتكار، وما ابتدعه الاستاذ ابو طوق أراه تجديدا غير مخل بالحرف العربي، لأنه لم يأتِ على الخطوط المعروفه (المذكوره آنفا) ويغير في اشكالها وموازينها بل انه ابتكر خطا جديدا او خطين جديدين يتشابهان الى حد ما، وأجرى عليها رؤيتة في استبعاث بعد ثالث للحرف، وهذا يتطلب ثقافة تشكيليه وحسا مرهفا ونظرا لمـّــاحا كي يقترب بالحرف من اظهار بعده الثالث .
لكن المشكله التي تحول بين المتلقي ورؤية الفنان هي كيفية استلهام هذا البعد بيسر لأنه استخدم لوناً واحدا هو المداد (الحبر ) وحاول بمقدرته الفريده ان يعطي انتقالات بصريه بين العتمة والشفافية علـّها تقرّب المتلقي في استنباط هذا البعد . الذي يتوسل به الفنان لبيان تجديده على الملاْ.
اللوحة الفنيه تخضع لأمرين رئيسيين : الأول رؤية الفنان ومذهبه، والثاني المتلقي ومقدرته على الاستنباط والانفعال.
ففي خط الاستاذ ابي طوق ثمة حلقة قد تبدو مفقوده بين ما يريده الفنان وبين الملتقي البسيط، وليس هذا عيبا في نتاج الفنان الابداعي، ولكنها كراهية أُكره عليها هذا الفنان لأن المفترض ان يتعرف الناس على هوية الحروف مفردة ومتصلة ابتداءً، قبل الكلمات المكونه من مجموعة حروف متصلة ومنفصلة مثلما يعرفون (التاء والياء والنون وووو ,, الخ) سلفا بشكلها المعتاد كي تكون العلاقة بين الحرف ومتلقيه قديمة نسبيا او مألوفة.
وليست جديده بكرا، وعُذر الفنان أبوطوق في ذلك من اذاعة هذه الحروف، هو السطو الغوغولي ( نسبة الى غوغل، ولصوص غوغل , فآثر الفنان الاحتفاظ بأسراره، ولكن هذا الاحتفاظ جعل خطه المبتكر، محدودا وحصورا فقط فيما يذيع به من أعمال قد تقترب لمذهب (الطغراء او السنبلي ) لانهما خطوط شكليه لا سطريه .
مما يجعل هوه قد لا تردم بيسر بين المتلقي وخط أبي طوق .
وهذا ينسحب بالنهاية على صعوبة قراءة النص بيسر من قبل المتلقي , مما يخلق هذه الهوه التي لا تـُردَم الا بذيوع (الف باء ) هذا الخط ، فنحن نلتمس له العذر كل العذر في ذلك، ولو اخذت اية دار نشر او اكاديميه علمية نشر (خطوط الطوق ) – هكذا اسميتها- لتثبيت ملكيته لكان ابو طوق في فسحة من نشر ابداعه على رؤوس الاشهاد وعبر الانترنت.
ومهما يكن من قول , فالاستاذ المبدع ابو طوق , يمتلك نفسا عميقا في الابحار الحروفي والابتكار الشكلي والتجديد التحديثي لجديد الحرف، وليس التجديد عليه . فكما ذكرت سلفا أنه لم يغير في شكل الخطوط الكلاسيكية المعتادة، لأن هذا خطير جدا كمن يجر على التلاعب بالبحر الطويل او البسيط او الوافر في الشعر العربي ويجدد عليها، ولا أظنه الاّ ماسخا سيلقى الملامه من المختصين، ولكنه ابتكر خطا جديدا وراح يبحث من خلاله على منظور جديد وبعد ثالث .
ولا احسبه الا موفقا مبدعا غاية الابداع , وسيكون له متذوقوه ومريدوه متى ما شاعت ابجديته وعرف المتذوقون حروفه المفردة والمتصلة.اما على هذه الشاكله فأرى الصعوبة في القراءه من البعض هي ما ينعش عندهم عدم التفاعل التام والقبول الحسن والاكتفاء بالشكل المظهري للعمل .
وربما سينجح الاستاذ ابو طوق نجاحا باهرا لو سخّر تكوينات حروفيه (غير ذات قصد) في اعمال تشكيليه ليفتح لحروفه بابا يلجه متذوقو الفن التشكيلي، ومن ثم يكتب به كلمات لها دلالات صوتية واضحة، لتكون الخطوة التاليه ومن ثم كتابة النصوص المختلفة، لتستمرءها العين بمعرفة اصواتها قبل ان تجد صعوبة قراءتها حجة في العزوف عنها.
لكن استطاع بما يمتلكه من موهبه في تطويع (حروف الطوق ) ومزاوجتها -نصيا- مع خطوط كلاسيكيه اخرى كالديواني والديواني الجلي , لمرونتهما وقابليتهما على التطويع فقدم الينا لوحات غاية في الجمال الشكلي والابداعي ، ومن نافل القول فإني أتوقع لابداع ابي طوق محبوه لو نشرته دار نشر وتبنته من الالف الى الياء، ولاستخدمه الفنانون التشكيليون في اعمالهم , لأنه يقترب من الهندسة المعماريه كثيرا التي ترتكز على الابعاد الثلاثه.