أسبوع في الغابة


*سعدي عباس العبد

( ثقافات )

مضت سبعة أيام على تعيني في دائرة [ ن ] .. سبعة ايام عرفت خلالها كلّ شيء تقريبا عن الدائرة ومنتسبيها ، .. بالمناسبة انا قبيح المنظر . كما سيء الحظ او الطالع .. لا تبعث على السرور رؤيتي ، .. ومن الصعوبة بمكان ان تتوفر فرصة لواحد يشبهني .. وخاصة 
اذا كان لا يملك مؤهلات سوى هيئته الدميمة .. تلك الهيئة الكريهة التي اطالع بها موظفيّ الدائرة كل اوّل صباح . حيث ما تزال الاحلام السعيدة عالقة حتى في رموش عيون اغلبهم !! مستغرقين في دعك عيونهم باصابع بضة لدنة ، في محاولة لتفتيت آخر خيوط النعاس ..
تم تعيني بصفة [ فراش ] بواسطة او عن طريق احد معارفي .. في اليوم الأوّل من شروعي في العمل ، انهكوني بطلباتهم الكثيرة .. ونداءاتهم المتصلة التي لم تتيح ليّ فرصة استعيد عبرها انفاسي اللاهثة …. كنت طوال ساعات النهار مشغولا .. الّبي طلباتهم العديدة ..لست ادري لماذا كنت اخالهم اقرب ما يكونون إلى اشكال حيوانات ! وخاصة لما اراهم مشغولين ، ابقى ابحلق ذاهلا . فلا ادري كيف تثب الى ذهني في الحال هيئة الثعلب وانا ارى الى وجه مدير الحسابات .. اتملى هزات رأسه المتواترة .. كان كل شيء فيه يشير إلى انه ثعلب متمرس . صوته وسعاله المزمن نظراته سلوكه طريقة محاورته التفاتاته صفاته الاخرى . كلها ثعلبيه تؤكد تمرسه بالمكر والخديعة .. اما المحاسبة الوديعة الناعمة فاخالها اقرب ما تكون إلى غزالة في خطواتها الرشيقة الهادئة ..
اما المدير حالما يقع نظري على كرشه الضخم ورأسه الاصلع ومؤخرته الضخمة التي يحشرها في آخر النهار في المقعد الخلفي لسيارة الدائرة ، تقفز الى ذهني على الفور ملامح الاسد في سطوته . اما حين اسمعه يصرخ او يزئر في وجه الغزالة موظفة الحسابات .. تتراءى ليّ الغابة المتخيلة بسائر مخلوقاتها .. اما بقية المنتسبات او الموظفات اللواتي يخطرن امامي مشغولات ماكاد اعاينهنّ حتى اخالهن دجاجات وديعات يقوقأن في همس فاتر ..
كنت على الدوام انظر الى غزالة موظفة الحسابات ويدها مشغولة دائما بضبة اوراق نقدية يقتفي اثرها الثعلب بنظارته السميكة اللامعه المخبئة عيون ماكرة مريبة . كان الاسد هومن يتابع بدقة متناهية كل ما يتعلق بامور المعاملات … الدجاجات في الغرف ينسجنّ خيوطا من الدسائس للاطاحة بالثعلب .. كانت المنافسات على اشدها بسبب الرشا والاختلاس . منافسات تكاد تبلغ الذروة في التباري لإشاعة النميمة والضغائن .. كنت انظر واسمع الى كل ما يجري واعرف كل شيء واتظاهر بعكس ذلك . و كأنني لا افقه مما يحدث او كأن الامر لا يعنيني لا من قريب ولا من بعيد . بيد اني ما البث ان اشير الى غزالة عندما يصادف مرورها على مقربة مني فاتضرع اليها واكاد ابكي في حضرتها وانا اشكو اليها العوز وحال ابنتي المريضة وزوجتي المصابة بمرض مزمن وحالتي انا القبيح المعوز الذي لا يملك ما يسد به رمقه ، فانذعر حين تهتف صارخة في وجهي بكلام بذيء ، فالمح في عينيها الخضراوين الواسعتين بريق لاذع ..لم اكن احسبها من قبل على هذه الدرجة من الوقاحة . نهرتني بعنف وقسوة .. فجأة لاحت برقت في ذاكرتي هيئة الاسد بعينيه الوامضتين المرعبتين اللتين تشيان بمدى شراهته الى لحم الغزالة / 
· ·
______
*قاص من العراق 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *