*ياسر حجازي
خاص ( ثقافات )
تَأَخَّرَ حُزْنِي عَليكَ طَوِيلاً،
كَأُمِّي الَّتِي لَمْ تُصدّقْ غيَابَ أَخِي مُنْذُ عَهْدٍ مضى،
لَمْ يَطُفْ حَوْلهُ قَمَرٌ عَابدُ
تَأخَّرَ حُزنِي عليكَ كحُزنِ النخيلِ على أَهْلِهِ،
تأخَّرَ حتَّى تعودَ إلى الشَّمسِ حِكْمَتُهَا؛
أَنَّكَ الميِّتُ الحيُّ، والحيُّ فِي الحيِّ،
والحيُّ فيما تبقّى على الأرضِ من رئةٍ،
يتنفَّسُهَا خالقٌ زاهِدُ
هلِ اسْتَوَتِ امْرأةٌ في الصِّرَاطِ، تدلُّ الخلودَ عليكَ، …..
وضمَّكَ في رفقةٍ سَاعدُ ؟!
أَيُّ رفَاقِكَ كانَ هناكَ علَى درجاتِ الغَيَابَةِ؟
هَلْ شُفْتَ سيِّدَنَا بانْتظَارِكَ؟
لَمْ يَبْكِ إلاَّ عليكَ وأَنْتَ الَّذي مِتَّ بَعْدَهُ،
قَدْ هرّبَ الدَّمْعَ قبلَ الرحيلِ، ولَمْ يَنْتَبِهْ مَلَكٌ سَاجِدُ
**
أينَ يُمْضِي بِكَ السبتُ ساعاتِهِ؟
أينَ تمضي الظهيرةَ..؟
ساحَتُكَ الدائريّةُ في بلدِ البرتقالاتِ
تُلقي المراثي على الوافدينَ حماما
وفي رئتيكَ رحيقُ القياماتِ
يرمي الأغاني على الخالدينَ سلاما
فهل طرقاتُ القيامة تفضي إلى مللٍ أَمْ هُوَ الشوقُ؟
يَمَّمَ قلبَكَ تيهاً ليأوِي شآمَه
يا ابْنَ أَنْتَ،
وجودُكَ مِنْ جُودِكَ اسْتَلَّ مَعْدَنَهُ،
وعلامتُكَ امرأةٌ في سلالِ الوُرُودِ تبيعُ الوُجُودَ بِسِعْرٍ زَهيدٍ،
على خدّها شامةٌ من هوَى اللهِ شاهقةٌ،
أيّ شامةْ!
فأَيُّهُما أَمُّكَ الآنَ: والدةُ الجسدِ الآدميِّ، أَمِ امْرأَةٌ في وجوهِ المعزّيْنَ؟
تُشبهُ كلَّ البناتِ اللواتِي عشقْنَ فلسْطِيْنَ كرمى عيونكَ،
حُبّاً،
وفِضْنَ هُيَامَا
كيفَ تقضي المساءَ هناك؟ ……
وهل في القيامةِ محمودُ مَنْ يفهمُ الشعرَ أو يستطيبُ كلامَهْ؟
فحدِّثْ فؤادِي،
وحدِّثْ إِمَامَهْ
قليلاً من الغيبِ، يا شَاهِدُ
**
أنتَ أُمُّ كلامي إذَا قلتُ قولاً جميلا
وأُمُّ سلامِي إذَا القلبُ سلّمَ سلماً نبيلا
وأُمُّ شآمِي إذا القلبُ يَمَّمَ شطراً جليلا
وأنتَ إذا شئتَ أنتَ …
وأمُّ البلادِ عروساً إذا شاءَهَا الخالدُ
**
أينَ تمضي الصباحَ إذا شئتَ أنْ تقرأَ الصحفَ الدُّنْيَويّةَ،
أَو شئتَ مقهى يضجُّ برائحةِ البُنِّ شارعُهُ؟
أيُعِدُّونَ في الأبدِ الأرجوانيِّ قهوتَنا،
كيفما نحن نصنَعُهَا في البلادِ، نقلّبها جيّداً، فوق نارٍ تكادُ تبينُ..
ويُسمع فيها نبيٌّ يفتّش عن قبسٍ وهُدَى
فسلامٌ عليهِ إذَا أخَذَ القوم عن دَارِنا واهْتَدى
وسلامٌ عفَوْنَا…
فلسنا من الجهلِ حتّى نورّثَ سيفاً إذا طابتِ الأرضُ دورتَهَا تحت أقدامنا
واسْتَوَتْ كلُّ آلهةِ الناسِ راضيةً، تشتهيها المَعَابدُ
سلامٌ عفَوْنَا
لنا موعدٌ في البيادرِ،
ما بالُ أعدائنا لا يُجيدونَ حتّى المواعيدَ،
ما هزَّهُم شَغَفٌ زائدُ
سلامٌ عفَوْنَا
لنا موعدٌ معنا،
نحتفي بالحياةِ ونقرأُ طالعَنا في العشيّاتِ،
نضحكُ حتّى الضُّحَى
فمقيمٌ وشاردُ،
**
غافلَتني عُيُونُكَ حِينَ مَرَرْتُ علَى بَائِعِ الصُّبحِ،
كَان يغنّي: “سَنَرْجِعُ، خَبَّرَنِي العَنْدَلِيْبْ..”
والبلادُ تصدّقُ أنَّكَ مِتَّ..
نعاكَ الغيَابُ، يصُكّ خدودَهُ ندْباً عليكَ
بكَاكَ الترَابُ، يشقُّ ثيَابَهُ حَرّاً إليكَ …
وناحَ: أضمّكَ؛
لا باركَ اللهُ فيّ،
طَوَيْتُ الحبيبْ
والمقَاهِي علَى ضَجّةِ السَّبْتِ مَلَّتْ تُهَدْهِدُ للغُرَبَاءِ، لعلَّ اتِّفَاقاً يُصَاغُ بأنَّكَ سوفَ تُؤَجّلُ موتكَ حتَّى تعودَ المنافي إلى أهلها، ثُمَّ نَدْفُنُ مَنْ ماتَ في المهجرِ القَهرِ تحتَ ترابِ البلادِ الشقيّة؛
ماذَا سَيَخْسَرُ إِنْ عَافَكَ الموتُ حتَّى تَرَى الجدَّ فِي القُدْسِ يستقبلُ الحجَّ، يستغفرُ الفقراءَ وأهلَ البلادِ !!
لعلَّكَ سوفَ ترى ابنَكَ في المهدِ يَهْدِي إِلى شاهدٍ،
يقتفي ضوءَهُ وطنٌ عائدُ
أنتَ إِنْ شئْتَ أنتَ، وأَنتَ لأَنَّكَ أَنْتَ، المهادُ المعادُ السوادُ البلادُ القصائدُ
أنتَ أمُّ كلامي،
وأمُّ سلامي،
وأمُّ شآمي،
تُنَبِّئُ بالشِّعْرِ، ثُمَّ تُنَبِّئُ عنكَ النجومُ الأَوَابِدُ:
أيّها الشاعرُ الأَحَدُ الوَاحِدُ
أيّها الشاعرُ الإبْنُ والأمُّ والوَالدُ
______
*شاعر من السعودية