*سارة شرف الدين
شخصية دبلوماسية عبَّرت عن خيبة أملها في كتاب لكاتبة شابة، ليس لأنه كان أقل من المستوى، بل لأنها لو أعارته لأحد أفراد عائلتها أو صديق أو زميل عمل –قطعاً- كان سيفكر بها أفكاراً سوداء.
جاء حديث الشخصية منصباً في الخطوط الحمراء التي أعلن عنها مارثون سباق حطمت فيه الأرقام القياسية لإصابة القاري بصدمة تجعله يقلب الغلاف ليتأكد من اسم الكاتب مرة أخرى.
إنها عدوى الكتابات النسائية التي تعيش في الراهن حالة من التمرد على الأنماط الكتابية المعروفة التي كانت تتوارى فيها المرأة خلف اسم مستعار لتكتب نصاً به تجاوزات هي أشبه بانتفاضة شملت الأقلام النسائية في العالم العربي على العموم، ولعل مدرسة شمال أفريقيا هي أكثر مدرسة لها تأثير على الأقلام النسائية الشابة في السودان.
فالخليط الذي تكتب به أحلام مستغانمي قريب لسخونة منى وفيق أيضاً، ويصل الذروة لدى السورية سلوى النعيمي في رواية “برهان العسل” التي رفض غلافها لأنه كان أكثر جرأه مما ينبغي.
رائحة القرفة
ولم تكن سمر يزبك ابنة جلدتها بأقل منها جرأة في روايتها رائحة القرفة.. وتعتمد المغربية حنان درقاوي على السرد الواقعي لحياتها وأسرارها مما يشبع الفضول لدى القارئ الذي تجذبه بعبارات ساخنة من حين لآخر.
ولكن النماذج أعلاه تتشارك في أنها جميعاً كتب تصدرت قائمة المبيعات، ومن رواية واحدة حققت الكاتبة شهرة عالية، مما جعل هذه الثقافة تتجه نحو مجتمعات أكثر تعقيداً بل تكون الكاتبة تعيش في الوطن على عكس أصحاب التجربة الفرانكوفونية، فمعظمهم من سكان بلاد العم سام ولهم قسم من التحرر أصلاً.
ولكن عدوى الكتابات المتمردة وصلت إلى الخليج وتحديداً هناك حركة تمرد نسوية كتابية.
ففي السعودية بدأت بكتاب بنات الرياض للطبيبة رجاء الصانع الذي قوبل بهجمة شديدة لم تمنعه أن يكون الأكثر شهرة.
ثم تبعتها أسماء كثيرة مثل أثير النشمي والمتمردة جداً وردة عبدالملك، وكثيرات تجاوزن مرحلة الكتابة على الفضاء الإسفيري باسم مستعار إلى نشر كتاب ملحق بصورة الكاتبة في تمرد على أشياء كثيرة مع تفاصيل ساخنة للمستور والمسكوت عنه في المجتمعات السعودية.
وبالتأكيد حالة التمرد وصلت إلى السودان بقوة، حيث خرجت عناوين عديدة في العام الماضي ناقشت المسكوت عنه بعبارات صنفها البعض صريحة أكثر من اللزوم، تتحدّث عن الانحراف والعلاقات بين الجنس الواحد مع تفاصيل صارخة صنفها البعض أنها صادمة وبعيدة عن الواقع لا تتعدى كونها حالات شاذة جداً ونادرة.
وحتى الروايات التي ناقشت ظلم المجتمع للمرأة توقفت أيضاً عند التفاصيل الساخنة خارجة عن النص الرئيسي نحو مشاهد يحس القارئ أنه تم إقحامها على مبدأ أن الروايات التي توزع ويصير صاحبها نجم شباك هي التي تقحم فيها تفاصيل لها علاقة بالجنس والغرف المغلقة في شرح مفصَّل يفسد بهجة القارئ ويجعله لا يفكر في إعارة الكتاب لشخص يعرف تماماً أنه قرأه قبله.
وعلى الرغم من ذلك يتفق الكثيرون على أنها حرية تعبير ولكل كاتب خطه الخاص وبصمته التي يعرف أنه الكاتب من خلال أول سطرين.
مجتمع منفتح
ولكن هذا لا ينفي أن السودان كمجتمع صحيح انفتح، لكن ليس لدرجة تقبُّل بعض الكتابات الصارخة فتنهال الانتقادات على الكاتبة بلا رحمة باعتبار أن الخط الأحمر طغى على فكرة النص الرئيسة.
ولعل التعقيد يكمن في أن القارئ قد يصدر حكماً على كاتبات كاتب بعينه ويصنفها فلا يخرجه حتى لو كتب بألوان مختلفة.
فمثلاً الكاتب الكبير جداً إحسان عبدالقدوس يصنف ككاتب صريح وواضح في تفاصيل مشاهد خادشة ويبحث المراهقون عن عناوين له في حين أن كتاباته نظيفه إلا من كتاب واحد هو أنف وثلاث عيون.
وهذا الكتاب جعله الكاتب الذي يعرفه الجميع بلون الجرأة المفرطة بل كان الكتاب محظوراً لفترة.
فلذا على الكاتب أن ينتبه للمجتمع الشرقي الذي يخاطب وإن كانت كتابات الشباك لها الأولوية حالياً، فمثلاً كتاب بنات الخرطوم أحدث ضجة وتوزيعاً عالياً وهو ليس برواية حتى، مما يعضد نظرية الإثارة والتوزيع.
التمرد الأُنثوي
وأكثر ما شجع التمرد الأنثوي على الرواية التقليدية هو الكتابات الإيجابية من دائرة معينة من المثقفين تحتفي بالحريات حسب خطهم وترى في الكتابات التي تقف خلف الخط الأحمر أقل قيمة وينقصها بعض البهار الأدبي ليكتمل نصابها.
فتجد كاتبته من العنوان الأول تؤمِّن لنفسها خلطة النجاح المعروفة التي بدونه لن ينقص كتابها شيئاً بلغته العالية والفكرة المتوثبة والسرد الشيق فهل نحتاج مراجعة؟
ويتساءل مثقفون في الأوساط الأدبية بخصوص الكتابات النسوية بهذا الصدد متخوفين من أن تقضي هذه المدرسة على المدارس العميقة التي توظف المشاهد حسب الحاجة وفي حد يتم تحجيمه.
ويتخوف نقاد من أن يتم الخلط بين كتابة الرواية والقصة وبين المشاهد الصارخة التي قد تصل إلى أكثر من 50% من حجم الرواية في تفاصيل لو أسقطت لن تفقد الرواية جمالها.
ولكن لن توزع بالقدر الذي يضمنه وجود تجاوز لخط أحمر فهل يصبح قانون لنجاح الرواية وتختفي روايات مثل التي تكتبها الرائعة زينب بليل؟ أم يظهر خط جديد له مدرسة بذوق مختلف تجبر القارئ على اختيارها رغم خلوها من اللون الأحمر؟!
________
*(الشروق) السودانية