أزهار أحمد *
( ثقافات )
قلبي مهجور بقوة اليوم، أهجر نفسي وتهجرني الأشياء وأستند إلى ظل قلمي عله يحميني من حرارة الحمى التي تنهال على أطراف أصابعي. أتصور الصورة ثم أفككها في كلمات ثم أتحسسها في قلبي إن كان لها مكان ونبض أم لا. بعد ذلك اغادر نفسي كما أغادرني الآن وأترك الكلمات تختار مصيرها، إما الخروج أو البقاء.
الصورة اليوم مفككة لذلك لم تكن الكلمات مطواعة ولا قلبي مستعد، كنت كالضحية التي ترمي بنفسها وتعتقد أنها ستعيش بعد أن تقع. لماذا أكتب الآن هذا رغم أن الكلمات عنيدة؟، لأني لا أجيد سوى صف الحروف والركض وراءها حتى وإن غابت وأبت أن تجتمع في يدي. وصياغة شجرة ياسمينة صغيرة هي ما أحب فعله، لأن الياسمين يحب الصيف ولأن رائحته تعلو فوق الجدران ولأني أرجو أن أبرئ نفسي من محنة الحيرة والالتصاق العفوي بأزقة لا أعرف نهايتها. ولأني أريد ان أقول بصوت واهن غير مسموع أني طفلة تركض وراء النحل بحثا عن خلية صغيرة، وتجمع الرطب المتساقط من النخلة على ثنية ثوبها وتقص شعرها دون وعي وترميه في ساقية الفلج الشحيح، ولأني طفلة تفعل كل ذلك ثم تركض لعلبة الحليب الجاف وتنثره في كف يدها الأيسر وتلعقه وراء خزانة المطبخ فاعذروا خطواتها المتأرجحة. الطفلة تستحق عينين نقيتين تقولان لها افعلي ما تشتهيه، فالزمن أوسع من أن تقضيه تحت النخلة أو وراء الخزانة.
لست امرأة مكتملة العناصر لأن قلبي هدهد صغير والحليب الجاف ما زال ملتصقا بإبهامي فلا أستحق الحكم الجائر الذي تستحقه سيدات المنازل والمعلمات وبائعات الحلوى وطبيبات الجراحة العامة ولا حتى ذلك الذي تنتظره القديسات. أريد أن أبقى طفلة تنتظر الدلال وتتحضر لأعياد ميلادها، ولا تفهم أن النحل يلسع مهما ركضت وراءه.
هي الكتابة تأخذنا لنقل من نحن وماذا نريد ومالا نفهم وماذا نحلم. هذه أنا وبرغم هذا الانهيار اليوم لكنني أدركت وتعلمت حكمة صغيرة وهي أن أدل العالم على ألغامي، فمن شاء المخاطرة بقلب طفلة الغامه من ياسمين فعليه ان يقول لي أني طفلة وان القلم مرفوع عني، ومن شاء أن يهجر أرضا لا يعرف مدى وعدد ألغامها فليقل أيتها المرأة لا تفعلي هذا لا تقولي هذا لا تبدئي هذا لا لا لا لا
لكنني انا بالنهاية أرفع القلم وأغرسه في أرضي وأستند عليه بظلي وأغني أغنياتي الصغيرة وأقبع بعيدا بالغامي المتناثرة عند ركبتي..!
* قاصة من سلطنة عمان