هل اختفى فنّ الرسائل؟


*


الرسائل، إن كتبت من قبل أشهر الشعراء أو الكاتبات أو كاتب أغان معروف، فهي دائماً وسيلة فريدة لمعرفة المشاعر الإنسانية. وعندما قرأ ج.ك.رولينغ في عام 2006 كتاب “ديكّا”: الرسائل جيسيكا ميتغورد، امتدح شجاعتها، قائلاً إن تلك الرسائل قدمت صورة أكثـر اكتمالاً عن حياتها من الكتاب الذي نشرته عن سيرة حياتها.
والأوساط الأدبية في أرجاء العالم تفتقد الرسائل الخاصة، والرسائل المتبادلة بين الأشخاص، أو بشكل موت الرسالة بشكل عام.
وهذا الأمر قد حدث قبل اختراع الهاتف، والفاكس والـ إي ميل: فهو بالنسبة للكثيرين قد بدأ عام 1840، مع الطابع البريدي ومع دفع قطعة النقود الصغيرة، إذ أحس الصفوة أن هذا الأمر سيؤدي إلى رخص فن لا يقترب منه إلا المتمرسون فيه، ومنذ ذلك الوقت بدأ موت فن كتابة الرسائل، وفي كانون الثاني 1919، نشرت “ييل” ان فن كتابة الرسائل قد ضاع واختفى وأضاف سبباً آخر للأحزان.
واستطردت ييل قائلة، “البعض يلقي باللوم على جهاز الهاتف أو آلة الطابعة أو البرقيات أو على سكة الحديد، التي تقول لكاتب الرسالة، إن رسالته بدلاً من أن تأخذ طريقها نحو حقيبة ساعي البريد، فإنها ستنقل بعيداً عبر آلاف الأميال، ويقول البعض الآخر، إن ذلك الفن قد اندثر مع اندثار الكتابة بريشة الإوز، بينما يعزى الأمر أيضاً إلى أن الناس أصبحوا مشغولين مع بداية القرن الحادي والعشرين بالعمل والسفر ومتطلبات الحياة العصرية، التي تمنعهم من التفكير وكتابة رسالة ما.
وفي هذه الأيام، هناك أمر آخر، إنه ازدهار الرسائل، بل ربما انه العصر الذهبي لها، ففي الأشهر الماضية صدر العديد من الكتب التي تتضمن رسائل كيرت فونيغوت، بول سيزان، أيرنست همنغواي وإيراسومز دارون، وبول اوستر و.ج.م.كوتزي، وهي تتحدث عن الصداقة والهوايات والرياضة.
في حين نجد رسائل جارلس مورتمير موجهة لابنه وابنته، كما ان الإنترنت يحوي نماذج جيدة للرسائل، كما ان جون ماكريغور قد افتتح موقعاً على الإنترنت بعنوان “صفحة الرسائل” ويتابع الكتاب المساهمون على الكتابة فيها، والتي ترسل عبر الرسائل الإلكترونية إلى المشتركين بالموقع.
ولكننا نتساءل عن سر هذه الفورة المتأخرة؟ فهل أننا قد أحسسنا الشيء الذي خسرناه باقتصارنا على الـ”إي ميل”، وكيف نسجل حياتنا وتأريخنا بدون الاستعانة بالرسائل، التي هي من أفضل الأمور بالنسبة لكتاب الأرشيف في كافة المؤسسات الثقافية الأكاديمية. وهناك كتب عن المراسلات بين الأدباء ومنها مثلاً عن مشاعر الحب بين ابيلارد وهيلوز في القرن الثاني عشر، ورسائل ليونارد وولف عن وفاة زوجته، ورسائل إميلي ديكينسون، ثم رسائل هيمنغواي، ورسائل نابليون إلى جوزفين.
وهناك أيضاً رسالة ألفيس بريسلي إلى الرئيس نيكسون عام 1970 عندما طلب منه منحه شارة وكالة المخدرات الفيدرالية، وكان لدى بريسلي العديد من الشارات الخاصة بالشرطة الأمريكية، ولكن ظن ان الأخيرة ستجعله في مأمن ان حمل العديد من الأسلحة والمخدرات، وقد كتب الرسالة، بيده، في خلال رحلة طيران من لوس أنجلس إلى واشنطن العاصمة، وكتب في رسالته لينكسون: “أعتقد أنك يا سيدي من أفضل عشرة رجال بارزين في أميركا”. وقد أثمرت الرسالة ومنح بريسلي تلك الشارة، وواصل رحلته مع المخدرات.
وهناك أيضاً الشعراء، والكثير منهم، لامعون في كتابة الرسالة، فهناك كيتس وهو يكتب رسائل الوداع في إيطاليا، ولاركن ورسائله الطويلة، ولكن الأفضل في العصر الحديث هو “تيد هيوز”، وهو لم يستخدم الكومبيوتر قط، مع ان احدى الشركات أهدته جهازاً، لكنه اصر على استخدام القلم وآلة الطباعة، مقتنعاً بقيمة إرغام القلم ضد الكتابة على الورقة، التي تبدي أحياناً المقاومة.
ويقول مسؤول الشعر في دارتشر “فيبروفيبر” إن تيد هيوز كان يكتب العديد من قصائده عن رسائله، وآخر مجموعاته الشعرية كانت بعنوان “رسائل عيد ميلاد” وهو بذلك اتخذ طريقاً مباشراً لشرح علاقته بسلفيا بلاث.
إن كتابة الرسائل تفتح مجالاً واسعاً للمشاعر الإنسانية، لا نجده في أية وسيلة أخرى للاتصالات، ماعدا الرواية، والإنترنت هي على العكس من ذلك، فهل استلم احد ما إيميلاً يتضمن مشاعر الحب مؤخراً؟ أو أي شيء يعادل انطباع غوته عن رسالة بقوله: “إنها الحاجة الماسة إلى استنشاق هواء الحياة، ضرورية لنا”.
___________
عن الغارديان( المدى)

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *