الروائية الصينية آمي تان تبحث عن هوية في رواياتها


*ترجمة: أحمد فاضل

وسط سوهو بنيويورك وفي شقة أنيقة التقيت الكاتبة الأمريكية المتحدرة من أصول صينية ( آمي تان ) التي راحت تشرح لي صعوبة ما كتبته عن الجنس في أول مبتدأ حديثي معها الذي دار حول أعمالها وروايتها الأخيرة ” وادي الذهول ” حيث قالت :

– كنت قلقة بالفعل من القراء الذين ربما يظنون أنني على درجة كبيرة من الابتذال بحيث أروي لهم ما يمكن أن يكون انعكاسا لحياتي الجنسية الخاصة .

ومع ابتسامة خجولة ارتسمت على محياها تعترف آمي تان قائلة :
– روايتي ” وادي الذهول ” كان مقدراً لها أن تظهر قبل ” خمسون ظلا للرمادي ” لإي . إل جيمس بوقت طويل ، لكنني تريثت بإصدارها لإضافة فصل آخر لها ، أما عن فكرتها فلا يمكن مقارنتها بأي رواية أخرى تتحدث عن الجنس .
والرواية التي قد يجهل أحداثها القارئ لصدورها حديثا تتحدث عن مومس تسكن في شنغهاي في وقت مبكر من القرن العشرين المنصرم وتمارس الدعارة في أحد أماكنها ،وبالتالي فإنها تنطوي على هرج ومرج الرجال الذين قدموا لممارسة الجنس مع العشرات من أمثالها ، آمي تان قالت إنها ناقشت في الرواية ليس فقط الظروف التي أحاطت بعمل المرأة المومس بل باللغة المستخدمة بجرأة في وصف مشاهد الرذيلة على حقيقتها :
– كنت مصممة على أن أضع تلك الكلمات كما ينبغي للبغايا التفوه بها مع علمي أنها ستثير اشمئزاز بعض القراء ، لكنها بالتأكيد أقل مما نسمعه أو نشاهده في السينما، ولا يمكن أن أناقض نفسي في شتى الأحوال وأنا أمارس هذا الخيال في الرواية . 
كانت مجموعتها القصصية الأولى ” نادي الحظ السعيد ” الصادرة عام 1989 قد احتوت على ست عشرة قصة قصيرة متشابكة تحكي عن أربع أمهات نشأن وتربين في الصين ثم هاجرن إلى سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة ومعهن بناتهن الأربع اللاتي ولدن وتربين على الطريقة الأمريكية بكل ثقافتها ما جعل بينهن وبين هاتين الحضارتين بون شاسع في التفكير ووجهات النظر انعكس على الحالة الحياتية والاجتماعية لهن ، المجموعة القصصية هذه حصلت على أكثر الكتب مبيعا وفق ما أوردته صحيفة نيويورك تايمز في قائمتها التي تعدها في كل عام ، كما رشحت قصصها تلك لتكون فيلما تولت إحدى شركات هوليوود السينمائية إنتاجه عام 1993 وفق رؤية مؤلفتها ، أصدرت تان بعدها خمس روايات منها : ” زوجة رب المطبخ ” و ” زوجة مجبر العظام ” وقد ترجمتا إلى 35 لغة ، ولها كذلك مجموعة من كتب الأطفال اتسم معظمها بالخيال والتشويق .

ولدت تان في أوكلاند في كاليفورنيا عام 1952 من أبوين صينيين مهاجرين وقد تميزت أعمالها بالغوص في التفاصيل اليومية للمهاجرين ومعاناتهم وهذا ما نجده في أحدث أعمالها التي تبحث بحثا جديا في منازل المومسات عن نساء يمارسن الرذيلة ولهن أسبابهن الغريبة في ذلك في تلك الحقبة من السنين ، تان علقت على ذلك قائلة :
– قرأت كتب الإباحية فترة من الوقت ثم حاولت التعرف على مواقعها الإلكترونية ومجلاتها المتخصصة وحتى المنشطات الداخلة في علاج الفتور الجنسي أو الشبقية ، ورحت أتقصى الدور والعيادات الصحية التي تعطي المشورة للرجال في الكيفية التي يتصرفون بها في بيوت المومسات ما جعلني أتعرف أكثر على هذا الجانب الذي أعطاني الحرية في تشكيل لوحتي الروائية التي حاولت من خلالها النظر في تأثيث بيت المومس بحسب ما وقفت عليه من مفروشات ومنسوجات علقت على الجدران العالية، وأرائك صفراء أحاطت بجهاز البيانو الكبير داخل الصالة ، وغرف النوم المضاءة باللون الأحمر التي احتوت على ملاجئ صغيرة للبراز فيها .

ثماني سنوات من العمل هو عمر روايتها ” وادي الذهول ” حتى رأت النور مؤخرا ، حيث بلغ عدد صفحاتها 589 . وقد صدرت عن هاربر كولينز للنشر ، تان قالت في مبتدئها : ” عندما كنت في السابعة من عمري كنت أعرف بالضبط ما يدور حولي، وقد تنقلت بأحداثها بين سان فرانسيسكو وشانغهاي وقرى صينية نائية ، كان زوجها المحامي لويس دي ماتي كثيرا ما يشاركها مناقشة هذا العمل حتى في أدق التفاصيل التي شملت ما كانت تلبسه المومسات وقتها ، لكن الذي أثار دهشتها حقا أن جدتها كانت تملك نفس تلك الملابس التي شاهدتها ترتديها في بعض صورها التذكارية فراحت تستفسر عن ذلك فوجدت تفاصيل مثيرة من حياتها حيث علمت بتعرضها للاغتصاب من قبل أحد التجار الذي أصبح زوجها في ما بعد ، لكنه انتحر بعد سنوات قليلة عن طريق تناوله جرعة زائدة من الأفيون ، في هذا الوقت كانت ديزي والدة تان تبلغ من العمر تسع سنوات وعندما كبرت وتزوجت وأنجبتها نفت بشدة أن جدتها كانت مومسا في يوم من الأيام .

أمضت تان طفولتها في 10 مدن مختلفة في منطقة خليج سان فرانسيسكو حيث قالت عن تلك الصفحة من حياتها التي لا تختلف عن بقية صفحات نساء كثيرات واجهن فيها محنة التغرب والفشل العائلي بسبب تغير السلوكيات العامة لأفرادها :
– من الطبيعي أن تلك الأيام ساهمت في خلق شعور عميق بالاغتراب حيث فقدت من خلالها الكثير من الأصدقاء وقضيت العديد من الشهور قبل العثور على أصدقاء جدد ، حيث وجدت اختلافا كبيرا من مدينة إلى أخرى بتقبل الآخر وعدم التمييز بينهم ، لكن الشيء الأكثر حزنا فيها هي تلك العلاقة المضطربة مع والدتي في بداية مراهقتي حيث كانت شديدة السلبية في معاملتها لي والتي لم أفهم أسبابها في البداية ، حيث تبين لي بعدئذ أنها قصدت أن لا أستسلم بسهولة للرجال وأن أكون قوية مع من سأعيش معه بسبب ما لاقته في زواجها من تعسف ، كما أنها كانت تقول لي دائما لا إنجاب في الزواج ، الأطفال وحدهم من سيتحمل مساوئ ذلك فقد واجهت والدتي ثلاث عمليات للإجهاض في الصين قبل أن تتزوج من أب.

تان لم تكن تتصور أنها ستكتب يوما عن عائلتها إلا بعد أن وجدت جبلا من المآسي يحيط بها فبدأت وهي في الثلاثين من عمرها تجربة الكتابة بسرد ما مر بها وسط تلك العائلة من أحزان حيث تقول :
– حاولت أن أجعل من تلك الصور من حياتي مادة أستطيع من خلالها التقرب من القارئ لإطلاعه عليها بدءا من نشأتي في أوكلاند حيث كنت أشاهد والدي مع مجموعة من أصدقائه وهم يمارسون لعبة ماه جونغ ويأكلون الطعام الصيني بتلذذ فكنت أنأى بنفسي عنهم بالقراءة وعندما بدأت بممارسة الكتابة كانت عائلتي حاضرة في ذهني فبدأت بها فقد كنت قادرة على تناول ماضيها لأضعها في قصصي دون أن ألجأ إلى تفاصيلها بسبب أنني كنت متشوقة للغاية من نشرها لأنها تستحق ذلك .
كانت الرغبة في سماع الكثير مما مر بأسرتها من والدتها حافزا في كتابة روايتيها ” نادي الحظ السعيد ” و ” زوجة رب المطبخ ” حيث قالت تعليقا على ذلك :
– عندما بدأت بكتابتهما كنت أريد أن أسمع كل شيء منها فكانت استجابتها سريعة حيث قالت لي ماذا كانت تأكل ، وكيف كان ذهابها إلى السوق ، وكيف هي غرفة نومها ، علاقتها مع جيرانها ، كيف كانت تبدو ؟ سجلت كل ذلك على شريط فيديو حيث أبدت إعجابها بهذا العمل قائلة لي إنها شعرت أخيرا بأنني قد فهمتها ، تان لم تقطع حديثها عنها حيث قالت إنها كانت تريد قول المزيد كما تعتقد ، تريد ان أذهب معها إلى ماضيها وكانت تمسك بيدي وتهزها كلما أرادت أن تتذكر أكثر .

توفيت ديزي عام 1999 وهي مصابة بمرض الزهايمر حيث باتت لا تتذكر شيئا من ماضيها وحاضرها ، لكن تان كانت تشعر بسعادة كبيرة نتيجة حصولها على الكثير من ذكريات والدتها التي قالت عنها :
– الآن وبعد أن ذهبت إلى الأبد ، أتمنى لو كانت على قيد الحياة لسألتها المزيد قبل أن يداهمها المرض .
من الصعوبة بمكان نسيان الأحداث الملحمية التي مرت بأسرة تان ، ففي الرابعة من عمرها توفي أخوها الأكبر نتيجة ورم في المخ ، ثم توفي والدها بعده بعام نتيجة تعاطيه الأفيون ، لكن التقارير الطبية أشارت أيضا إلى إصابته بنفس حالة أخي كما تقول تان التي أصيبت قبل أربعة عشر عاما بمرض لايم الذي يسبب أضرارا كبيرة في الجهاز العصبي وقد تم تشخيصه لديها بعد أربع سنوات ونصف لأنه لا يظهر بسهولة ما جعلها تداوم على تناول الدواء للتخلص منه قبل أن يداهمها الصرع كما قالت :
– كنت قد صممت على قهر هذا المرض دون خوف منه ، هذا الدرس أخذته من والدتي حيث كثيرا ما كانت تقول لي كوني مستعدة دائما للأمراض التي قد تصيبك ، ثم لتكن لديك الشجاعة على قهرها وعدم الخوف منها أبدا ، كلامها هذا منحها الهمة لإنجاز روايتين إحداهما طويلة وأخرى خلت من الخيال ، أما مرضها فأعطاها شعورا قويا بحب الحياة وقهر الموت 
__________
* الديلي تلغراف

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *