عائشة سلطان *
ليس أكثر إغراء للقارئ من الكتب، ولا أظن قارئاً من أي مكان في الدنيا لا ينتابه ذلك الإحساس الذي غالباً ما يسيطر عليّ حينما أجد نفسي أمام صفوف أو أكوام من كتب شتى تقع تحت طائلة ذائقتي القرائية، ينتابني إحساس جامح بالاستحواذ على كل الكتب التي أمامي، رغبة عجيبة بالحصول على هذا الكتب والفرار بها – أظنها تدخل في نطاق الحالات النفسية، التي تحتاج اختصاصياً نفسياً – ليس من حرمان ولا من قلة قدرة على القراءة، ولكنه الشغف الذي وصل مع الكتاب إلى منتهاه، ولابد هنا من تسجيل اتهام علني أن الرغبة في الحصول على الكتب لا يوازيها تفرغ حقيقي لقراءتها فتتراكم غالباً حتى تتحول إلى عقدة أخرى وهلم جرا!
ذلك من قبيل الدعابة، ولكنها الدعابة الحقيقية، التي ولدت لدى البعض ظاهرة الاستلاب إزاء الكتاب في حد ذاته فصار الحصول عليه هدفاً وغاية كبرى، ولدى البعض ما صار يعرف بسرقات الكتب، فحين يقع المرء في الحب لا يصير أمامه سوى هدف الحصول على المحبوب والاستحواذ عليه كي لا تقع عليه عين أخرى أو يد طولى أطول من يده وأكثر فتكاً ونفوذاً، وعاشق الكتب يصير حاله كحال هذا العاشق ينظر إلى رفوف الكتب وعناوينها المتراصة في المكتبات الكبرى والصغرى وأجنحة معارض الكتب، بينما خياله يرسم صوراً أخرى يتراءى وهجها في مكان ما في نظرة ما أو في ظل ابتسامة خبيثة!
قرأت كتاباً منذ سنوات عن القراءة وتاريخها، وقد تضمن فصلاً عن سرقات الكتب واشهر السراق عبر التاريخ من كبار المثقفين والأدباء والشخصيات، الذين لم يكونوا ينظرون إلى سرقاتهم بهذا الشكل الفج من الوصف بقدر ما يعتبرون أنفسهم حفاظاً وجامعين للكتب وأن غايتهم نبيلة، وبأنهم لا يستطيعون إعادة الكتاب الذي استعاروه من المكتبة او من صديق ما، فيعتبرونه ملكاً خاصاً لهم بمجرد وقوعه بين أيديهم، تلك قضية ناقشها الكتاب بشكل طريف جداً!
بعيدا عن كل ذلك، فإن القراءة متعة حقيقية، وهي بهجة للقلب وللروح وللجسد كذلك، فالمعرفة امتلاء والامتلاء ثقة والثقة جمال وتجلٍ ونفوذ، ولولا ما للقراءة من مباهج باعتبارها نعمة ومدخلاً حقيقياً للمعرفة والعرفان ما جعلها الله أول أمره لنبيه في مفتتح الإسلام (اقرأ) وما جعل البدء للكلمة في المسيحية (وفي البدء كانت الكلمة) التي هي عيسى، نبي سلام وكلمة محباه ألقاها إلى مريم وروح منه، ولولا الكلمة والقراءة ما كان التاريخ وما كان التدوين وما كان السرد والشعر والأدب، وما وصل العشق بالبعض إلى سرقة الكتاب حباً لا بخلاً ولا منقصة في الأخلاق.. ألم يقل الشاعر قديماً (وللناس فيما يعشقون مذاهب)؟
في القراءة لكي تكون قارئاً جيداً ليس مطلوباً منك أن تراكم أكواماً من الكتب وتتباهى بالحصول على أكوام أخرى، المطلوب هو أن تقرأ، لا أن تقتني كتباً، فالكتاب هو الشيء الوحيد غير الصالح للفرجة، إنه وجد لغرض آخر تماماً الفرجة تجمده وتفرغه، بينما القراءة تضاعفه فتزداد به عوالم وحيوات يضيفها لك ويغنيك، حرب أن تقرأ ما لديك قبل أن تخنق غرفتك بالمزيد.
* أديبة وإعلامية من الإمارات
( الاتحاد )