*
صدر كتاب “قضية الردة في الفكر الإسلامي الحديث” للباحثة التونسية أمال القرامي عن دار الجنوب للنشر في أكثر من طبعة ضمن سلسلة معالم الحداثة.
وتناولت فيه الباحثة قضية الردة وهي قضية هامة شغلت الناس في القديم وعادت لتشغلهم من جديد بعد المد الإسلامي الحديث عقب ثورات الربيع العربي التي خلّصت المجتمعات من الاستبداد السياسي المدني لتلقي بهم في استبداد أكثر قسوة وصرامة هو الاستبداد الديني.
ومن الواضح أن مسألة الردة لا يمكن حسب مؤلفة الكتاب أن تعالج بمعزل عن الحقل السياسي وأنه رغم تزايد الاهتمام بهذه القضية وكثرة الكتابة في الموضوع فإن الطرح لم يستقر في مواقف محددة وواضحة.
فقد تم في السنوات الأخيرة تسليط سيف التكفير على المفكرين والمبدعين العلمانيين المفعمين بروح التجديد بل وتم تعميم الاتهام بالارتداد ليشمل أيضا من يمثلون المؤسسة الدينية الرسمية.
كان المرتد في نظر القدماء من كان تاركا للشرائع الإسلامية وبالتالي هو خارج عن الإسلام أما المحدثون فعرفوه بكونه من ينكر الرسالة المحمدية وينتقل إلى المسيحية أو اليهودية أو يلحد في الدين أو ينسلخ من الجماعة المسلمة.
وقد أوردت المؤلفة آراء رشيد رضا ومحمد عبده وغير ذلك من الآراء في هذه المسألة مع الإشارة إلى دواعي الارتداد في العصر الحديث ومحاولة حصرها مشيرة إلى غياب الدراسات الإحصائية الاجتماعية والنفسية، مؤكدة أن وراء هذه الأزمة العقائدية أزمات اجتماعية واقتصادية وسياسية ونفسية وثقافية ومعرجة على محن المشتغلين بالفكر والفن كنصر حامد أبوزيد ومحمد توفيق صدقي ونوال السعداوي وأسامة ألوم عكاشة وغيرهم ممن اتهموا بالتدبير لشن حملة على الإسلام.
وتقول الناقدة لمياء السويلم “تخلص الكاتبة في دراسته المنضبطة بالمنهج العلمي إلى أن الإنسان الذي بشر القرآن بميلاده تفوق بحقوقه على الإنسان السابق للقرآن، لكن الممارسة التاريخية أثبتت تحالف الساسة مع العلماء ليجمدوا مفهوم الإنسان فلا يصبح كاملا أو شرعيا إلا بامتثاله لمقولاتهم، فأصبح هنالك إنسان ونصف إنسان وتم التنازل عن المسؤولية الفردية لفائدة المجامع الفقهية، وإن المجتمع الذي يوفر للفرد منظومة يقينية سكونية لا يتصور إمكانية انفصاله عنها ويعسر عليه أن يدمج من لا يحمل مميزات الجماعة في المجموعة ويشق عليه أيضا أن يعترف بالمفرد الحر المريد لأنه في نظره عنصر مزعج غير منسجم مع النسق، وإذا ما بالغ هذا الفرد في ممارسة حريته بدحض المصادرات وتقويض الأنماط التقليدية للمعرفة فإن المجموعة تتكفل بسحقه لأنه بنظرها خائن لا عهد له ولا ميثاق كافر زنديق مرتد ملحد، وبالطبع ليس بإمكان خير أمة أخرجت للناس أن تعترف بإنسانية أي فرد إلا إذا خضع لنظامها وآمن بمسلماتها”.
ورأت الباحثة ضرورة إعادة النظر في تفسير العلماء وهم رجال بالدرجة الأولى، مشروع. فما أنجزوه هو قراءة بشريّة تخضع لقاعدة التنسيب بإقرارهم بذلك إذ كان المفسّر يختم قوله بعبارة *والله أعلم*، ويصرّح بأنّ قوله يحتمل الصواب ويمكن أن يتضمّن الخطأ. وعلى هذا الأساس نُزعت القداسة عن القراءات البشريّة وصار النظر فيها من منظور مقاربات ومناهج حديثة ضروريّا .
____________
*(ميدل إيست أونلاين)