*ترجمة: أحمد فاضل
تقليد جميل ذلك الذي دأبت عليه الصحافة الغربية في تقييمها الأفلام السينمائية المنتجة منذ تأسيسها وحتى الآن المستند إلى آراء النقاد وأصحاب الخبرة السينمائية والجمهور ، هذا التقييم يستدعي في نهايته من الشركات السينمائية المنتجة لتلك الأفلام التهيؤ للاحتفال بهذه المناسبة وذلك بعرض أفلام تسجيلية تؤرشف المراحل التي مرعليها تصوير تلك الأفلام وعرض صور أبطالها والبوسترات الخاصة بها مع طرح نسخ عالية الوضوح لها على الجمهور .
صحيفة ” الغارديان ” اللندنية العريقة ومن خلال استبيان كبير لها استغرق عدة أسابيع اختارت مؤخرا 10 من الأفلام الإنكليزية والأمريكية لتكون على رأس أكثر الأفلام الرومانسية في كل العصور ، تقدم هذا الاستبيان الفيلمان ” كازا بلانكا أو الدار البيضاء ” للمخرج مايكل كورتيز الذي عرض على الجمهور عام 1942 وهو من بطولة همفري بوغارت ( 15 ديسمبر 1899 – 14 يناير 1957 ) في شخصية ريك بلين ، وإنغريد بيرغمان ( 29 أغسطس 1915 – 29 أغسطس 1982 ) في شخصية إيلسا كورتيز ، وقد حصل الفيلم على ثلاث جوائز أوسكار هي :
جائزة أفضل فيلم في مهرجان الأوسكار تسلمها المنتج هارولد برنت والس .
جائزة أفضل مخرج تسلمها مايكل كورتيز .
جائزة أفضل سيناريو تسلمها كل من جوليوس أبشتاين ، هوارد كوتش.
القصة تبدأ مع حلول الحرب العالمية الثانية حيث توجهت أعين العديدين في أوروبا بالأمل أو اليأس نحو أمريكا ، أصبحت لشبونة نقطة انتقال كبرى ، ولكن ليس بمقدور الجميع التوجه إليها مباشرة ، وهكذا تحركت قوافل اللاجئين من باريس إلى مارسيليا ، وعبر البحر المتوسط إلى وهران ، ثم بالقطار أو السيارة أو مشيا عبر شمال أفريقيا ، إلى الدار البيضاء في المغرب ، هناك قد يحصل الأثرياء بالسلطة أو المال أو الحظ على تأشيرة للخروج إلى لشبونة ومنها إلى العالم الجديد ، الباقون انتظروا بالدار البيضاء .. ثم انتظروا ..
ريك بلين شاب أمريكي يعيش في منفاه بالدار البيضاء حيث يمتلك حانة مشهورة هناك تعرف باسم مقهى ريك الأمريكي التي تعتبر موطنا لجميع الشخصيات المغمورة ، لكنه يبقى بعيدا عن التدخل في خصوصياتهم ،فنراه لايميل إلى أي طرف من الأطراف المتورطة بالحرب ، لكن الأقدار تجبره على الدخول في معركة من نوع خاص حيث يتعرف على أحد الأشخاص الذي يعطيه خطابين لاجتياز الحدود في مقابل صفقة وتسليمها لزبونين سوف يصلان الدار البيضاء قريبا ، الرجل يقتل في ظروف غامضة مع وصول الحسناء إلسا التي سرعان ما يتعرف عليها ريك الذي كان قد ارتبط معها في باريس بعلاقة غرامية خطط معها للهرب منها بسبب القوات الغازية الألمانية التي بدأت تقترب من باريس لدخولها ، لكنها ترحل وحدها دون أن تشعره بذلك ، ريك ينتهي بفكره إلى أن إلسا وزوجها هما من جاءا لطلب خطابات المغادرة فيمتنع من إعطائهما انتقاما لموقفها السابق فتقدم عليه في ساعة متأخرة من الليل تهدده بمسدس معها ولما رأت أن ذلك لن يجدي معه أخذت توقظ حبها الدفين حيث عرضت البقاء معه إذا وافق على إعطاء زوجها الخطاب ، وافق ريك على ذلك بسبب حبه لها وقام ببيع حانته إلا أنه يبلغ الكابتن لويس بإلقاء القبض على فيكتور زوجها من أجل مغادرته معها الدار البيضاء فتنشب معركة بسبب تدخل الميجور ستراسر الذي يعاون الألمان في حربهم فيطلق ريك النار عليه ليغادر مع لويس المدينة المغربية فرارا من الشرطة وليجد أن إلسا وزوجها يغادران هما الآخران إلى ليسابون بالطائرة .
الفيلم استوحى الأجواء غير السعيدة التي مرت بها أوروبا نتيجة للحرب وما رافقها من تغير في العلاقات الإنسانية والعاطفية نزوعا إلى الأمن الذي راح يبحث عنه الجميع في قصة مشوقة لعب فيها نجما هوليوود الساحران بوغارت وبيرغمان أعظم أدوارهما على الشاشة على الاطلاق .
الغارديان رشحت كذلك الفيلم الإنكليزي ” اللقاء القصير ” الذي عرض في 26 نوفمبر / 1945 ليحتل بدوره مركزا متقدما بين الأفلام الرومانسية الأفضل على مر العصور ، وهو من اخراج ديفيد لين والبطولة قام بهما تريفور هوارد وسيليا جونسون حصل لين بسببه على الأوسكار ، الفيلم يتحدث عن قصة حب حلوة ومريرة بنفس الوقت وفيه الكثير من الصفات التي يتوقعها الجمهور من مخرجه الذي قدم لورنس العرب أو ممر على الهند في ما بعد ، إنه يقدم صورة حميمة للعلاقات العاطفية والإنسانية داخل محيط مألوف على نقيض من الصور الملحمية الأسطورية ، وهو معروف بخاصية تعديل السيناريو واعتماده على الصورة أكثر من اعتماده الحوار لأنها بحسب رأيه تقرب المشاهد منها وتجعل من تفاعله معها كأنه يعيش واقعها الحقيقي .
تلتقي لورا ( سيليا جونسون ) وعلى غير موعد وهي ربة منزل في منتصف العمر في محطة القطار بلندن بصديقها القديم الطبيب أليك ( تريفور هوارد ) فيعلوها الارتباك أول وهلة فيحاول تهدئتها ثم يجلسان ليستعيدا تلك الأيام التي جمعتهما ثم فرقت بينهما ، هنا يلعب الفلاش باك دوره في استعادة تلك اللحظات السعيدة من صداقتهما التي تطورت لتصبح علاقة غير مشروعة انتهت بالتجافي ليبوح الاثنان بذنبهما وسذاجة تلك اللحظات بعد ذلك ، اللقاء حدث بمحض الصدفة حيث يلتقيان في صالة الانتظار حينما تسترعي انتباهه وهي تصارع حصا صغيرة دخلت عينها فيسارع لنجدتها بمد يده واستخراجه لها ثم يفاجأ أنها من كان يحبها وكيف كانا يلتقيان كل خميس تبدو عارضة في البداية ليعترف بعدها الواحد للآخر بخطأ تلك العلاقة بسبب براءتهما مع أنها كانت متزوجة وغير سعيدة بزواجها من رجل لاينتهي من عبثه وشذوذه حيث يتضح لها أنه مثلي الجنس ما دعاها إلى أن تستجيب لأول رجل حقيقي هو أليك بعد وقت قصير من زواجها ، هذا هو كل شيء عن القصة التي تخرج بنتيجة هو كيف نسيطر على عواطفنا وعدم اتباع الأهواء والبقاء في منطقة آمنة تحت أحلك الظروف المحيطة بتلك العواطف ، والشيء الذي يضيف قيمة إلى الفيلم ذلك السيناريو المحكم له خاصة في الحوار الذي يجمع بين أليك وصديقه الطبيب ستيفن عندما يناقشان مسألة العلاقة الخاطئة بين الرجل والمرأة واستعراض حياة لورا حتى من خلال دخان السكائر الذي تنفثه وكأنها تحاول طرد همومها مع أنهما يتفقان على أن هذه العادة لاتليق بالنساء خاصة في الشوارع المكتظة بالناس الذين يمكن أن يفسروا الأشياء بغير مسمياتها الحقيقية ، ومع أن هناك من يعترض على بعض خطوطه لكنها يمكن أن تضيف تفسيرا آخر كما في قول لورا لأليك :
– أعتقد أننا يجب أن نتصرف بشكل مختلف تماما عن الذي عشناه سابقا ، فالمناخ المشمس الدافئ لايمكن أن يستمر طويلا .
فيلم ” اللقاء القصير ” كتب السيناريو له نويل كوارد عن مسرحيته التي جاءت بنفس الاسم كان قد كتبها عام 1936 ، أما الموسيقى التصويرية له فقد احتلت مكانة بارزة فيه مأخوذة من الكونشرتو الثانية لسيرجي رحمانيوف التي عزفتها على البيانو ببراعة إيلين جويس .
في المشهد الأخير من الفيلم يستقل أليك القطار بعد أن يضغط على كتف لورا مودعا فتلوح له بيديها وسط صافرته العالية وانزلاق عجلاته على السكة ثم تعود إلى المنزل لتجد زوجها بالانتظار. وهذا المشهد لايظهر في المسرحية أيام عرضها ، فيأخذها بين ذراعيه لأنه أحس كم عانت منه لورا .
الفيلمان ومع أنهما جاءا في أجواء حرب ضروس هي الحرب العالمية الثانية ، إلا أنهما تمكنا من انتزاع الدمعة والبسمة من على وجوه المشاهدين فاستحقا هذا التقييم ولسوف يبقيان رمزا للسينما الرومانسية التي يعشقها الرومانسيون ، أليس كذلك ؟ هكذا ذهبت الصحيفة بالقول في مبتدأ نقلها ترشيحاتها العشرة لأكثر الأفلام رومانسية في كل العصور
________
________
* عن: الغارديان(المدى)