معرض “الفن والفحم” يحكي تاريخ المناجم




*أمين بنضريف/ زابينه أولتسه

يعتبرمهرجان مانيفيستا إلى جانب دوكومنتا وبينالي البندقية من أهم المعارض العالمية التي تقام في أوروبا في مجال الفن المعاصر. ملتقى فني جذاب يرحل كل سنتين من مكان إلى آخر. مدينة غينك البلجيكية حظيت هذه المرة بشرف الاحتضان.

مصممة الأزياء الألمانية إيفا غرونباخس تجري آخر التعديلات على الأزياء،التي ستعرض فوق منصة الموضة في فعاليات مهرجان مانيفيستا الدولي في دورته التاسعة. الأزياء هي عبارة عن مزيج من ملابس معاصرة وأخرى قديمة، كتلك التي كان يلبسها عمال المناجم في منطقة الرور من ألمانيا خلال عملهم الشاق لاستخراج الفحم الحجري وغيرها من المواد الأولية. وأطلقت إيفا على مجموعة الأزياء التي صممتها خصيصا لهذا المعرض اسم” الجينز الألماني.” .
هذه المجموعة من التصميمات المبتكرة تحمل رسالة ضمنية عن تاريخ التطور والتحول الصناعي الذي عرفته أوروبا عبر العصور، أي تحول من العمل الجسدي إلى العمل الفكري، ومن الإنتاج الضخم إلى الإنتاج حسب الطلب، وتحول من مجتمع أبوي إلى مجتمع مادي فردي.
موضة تعكس التطور الفكري والإنساني
إثارة هذه المواضيع في تصميمات إيفا يصب في صلب الموضوع العام لفعاليات مهرجان مانيفيستا في دورته التاسعة. ويقام المهرجان على أرضية مصنع قديم لتكرير الفحم الحجري واستخلاص المعادن، فوق مساحة شاسعة تبلغ حوالي 25 كيلومتر مربع، يحاول فيها إعطاء نظرة فنية حول انعكاسات الثورة الصناعية على أسلوب عيش الناس منذ العصور القديمة إلى يومنا هذا.
مدينة غينك الصغيرة التي يبلغ عدد سكانها حوالي 65 ألف نسمة هي المكان الأنسب لاحتضان هذا المهرجان الفني. فقد عايشت هذه المدينة الصغيرة على غرار مدن الرور الألمانية كل المراحل المختلفة للتطور الصناعي في أوروبا، حيث تم في سنة 1900 اكتشاف الفحم في هذه المدينة لتبدأ قصة طويلة وسنوات من التطور الصناعي والازدهار الاقتصادي في المنطقة بفضل العمل الشاق والمتواصل لعمال المناجم. مدينة غينك كانت قبلة للمستثمرين والشركات الأجنبية من أماكن مختلفة، ولكن في سنة 1987 توقفت المناجم عن الإنتاج لتنتهي معها حقبة تاريخية مهمة في تاريخ هذه المنطقة والتطور الصناعي بشكل عام.
الفن عوض الفحم
المحور الرئيسي لفعاليات مانيفيستا كان ومنذ 15 سنة يكمن أساسًا في تتبع التطورات والتحولات الاجتماعية لتاريخ أوروبا المعاصر، سواء في روتردام، ليوليانا، أو مدينة مورسية الإسبانية التي احتضنت الدورة الماضية في إحدى السجون القديمة. وكلها محطات تم اختيارها من منظور تاريخي أوروبي، ليتم التعبير عنه بشكل فني.
معرض مانيفيستا التاسع اتخذ من الصناعة الثقيلة بما فيها مناجم الفحم موضوعا له، فالكثير من الصور المعروضة والأعمال الفنية التي تنتشر في كل مكان من المعرض تعبر عن فترة قاسية عاشها عمال المناجم وأطفالهم. المعروضات الفنية تتبع وتواكب أيضا التطورات الصناعية ومساهمتها في التخفيف على عمال المناجم وتحسين أسلوب عيشهم. ومن جهة أخرى يحاول عارضون وفنانون آخرون إبراز الوجه الإيجابي لاكتشاف الفحم وانعكاس ذلك على التطور الصناعي والازدهار الاقتصادي في أوروبا بما في ذلك العصر الحالي.
منظمو المعرض يعتبرون أن المعرض يجسد عالما مصغرا للثورة الصناعية الأوروبية، التي لعب فيها الفحم كمصدر أساسي للطاقة دورا مهما في التطور الصناعي،إضافة إلى تأثير ذلك على التطورات في ميادين المال و الأعمال.
تطور أساليب الإنتاج والعمل في أوروبا
ومن أجل توثيق التطور في طرق الإنتاج والتحولات الاقتصادية ووسائل العمل تم تخصيص طابقين لعرض أعمال فنية تلقي نظرة مقربة على هذا التطور. الفنانون العارضون قدموا من كل أنحاء العالم لعرض أعمالهم، من بينها مثلا الأعمال المعروضة في قسم خاص بتوثيق التطور التاريخي لإنتاج واستهلاك الفحم الحجري منذ سنة 1800 إلى غاية القرن 21.
أما في مجال الهندسة المعمارية فيعرض بيرند وهيلا سلسلة من الصور لمناجم مهجورة في بلجيكا تبرز من خلالها التطور العمراني لهذه المناجم. ويذكر أن جميع المعروضات المقدمة في فعاليات المهرجان يجب أن تكون لها علاقة تاريخية بمكان العرض، الشيء الذي ينطبق على الدورات السابقة من مانيفيستا أيضا.
صورة حقيقية لظروف الإنتاج
عروض بينالي مانيفيستا 9 في مدينة غينك تختلف عن أجواء المهرجانات الفنية الأخرى، حيث أن المعرض ليس مجرد مكان لجمع التحف والأعمال الفنية التي تمثل هذا التطور الصناعي فحسب، بل يحاول المعرض أيضا رسم الأجواء الحقيقية لهذه الحقبة وعرضها بشكل واقعي يجعل الزائر يعايش هذه التطورات بكل أحاسيسه. وهذا ما يجعله يلقى إقبالا كبيرا وإشادة من جانب النقاد الفنيين.
الجدير بالذكر هو أن مهرجان مانيفيستا اتخذ في دورته السابقة أوروبا في القرن الحادي والعشرين كموضوع وركز بالأساس على حدود القارة وتعزيز صفتها الدولية بين القارات. وكان هدف مانيفيستا في الدورة الماضية هو الخوض في حدود أوروبا الحالية وتفاعلها مع منطقة المغرب.
__________
*d.w

شاهد أيضاً

غرناطة ..آخر الأيام: مسلسل الكاتب وليد سيف الجديد

(ثقافات) غرناطة ..آخر الأيام: مسلسل الكاتب وليد سيف الجديد زياد أحمد سلامة    “غرناطة…آخر الأيام …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *