شعر المتنبي بلسان موليير


*أوراس زيباوي

لا بد من الإشارة إلى أن دار “أكت سود” تولي اهتماما كبيرا بالثقافة العربية والإسلامية وتتميز عن سواها من دور النشر الفرنسية الكبرى بتخصيصها حيزا هاما لها. وتندرج جميع الكتب والإصدارات المترجمة ضمن سلسلة الكتب المذكورة والتي يديرها الكاتب السوري المقيم منذ سنوات طويلة في باريس فاروق مردم بيك.

بالنسبة إلى ترجمة “ديوان المتنبي” يحمل العمل إطلالة جديدة، فالمترجم باتريك مغربنة لم يأت إلى المتنبي وغيره من كبار الشعراء العرب من باب الشعر والنقد الأدبي، ذلك أنه متخصص في مجال العلوم والهندسة التي درسها في جامعة السوربون ومعهد البوليتكنيك، أعرق المعاهد العلمية في باريس، وقد سبق له أن عمل كخبير لمنظمة الأمم المتحدة في دمشق. لكن ولعه بالشعر العربي دفعه إلى أن يخوض مغامرة ترجمة أجمل المختارات من الشعر العربي القديم، بالتعاون مع زميله الفرنسي من أصل فيتنامي هاو هو فانغ، وهذا الأخير متخصص في الآداب وخريج مدرسة المعلمين العليا.
هكذا بدأت المغامرة منذ أن أصدرا عام 2006 كتابا بعنوان “أنطولجيا الشعر العربي الكلاسيكي” ويتضمّن مختارات من الشعر العربي الذي كتب خلال القرنين السادس والسابع الميلاديين، ثم تلاه “ديوان بغداد” عام 2008 فكتاب “أنشودة الأندلس” عام 2011. كذلك ترجما قصائد مختارة لأبي العلاء المعري عام 2009. وجميع هذه الكتب التي تقدم لمحة شاملة عن الشعر العربي الأموي والعباسي والأندلسي، صدرت باللغتين الفرنسية والعربية عن دار “أكت سود” ضمن سلسلة “سندباد”، وهي تعكس الجهد الكبير المبذول من قبل باتريك مغربنة ورفيقه في إعداد ترجمات فرنسية قريبة من روح النصوص الأصلية مع هاجس الدقة والمحافظة على القيم الجمالية للنصوص العربية.
ومن المعروف أنّ الترجمات الفرنسية للشعر العربي القديم قليلة وأهمها تلك التي أنجزها المستعرب الفرنسي أندريه ميكيل الذي ترجم شعر مجنون ليلى وأبو العتاهية. من هنا أهمية العمل الذي يقوم به كل من باتريك مغربنة وهاو هو فانغ. وهما لا يتوجهان فقط إلى الفرنسيين الذين يجهلون الآداب العربية، بل أيضا إلى أولاد المهاجرين الذين لا يعرفون القراءة باللغة العربية ولكن يعنيهم أن يتعرفوا على تراث بلدانهم الأصلية، وهو تراث يظل مجهولا في فرنسا ومحجوبا عن الكثيرين بسبب الصراع التاريخي بين أوروبا والإسلام، والمرحلة الاستعمارية، وتداعيات حرب الجزائر.
الانتصار للمتنبي
بموازاة الترجمة، صدرت لباتريك مغربنة أيضا، عن دار “أكت سود” دراسة طويلة وقيّمة عن المتنبي بعنوان “المتنبي النبيّ المسلح” وفيها يعرّف الكاتب بسيرة المتنبي الشخصية وكيف أنّ شعره عكس تماما المراحل التي قطعها في حياته وترحاله حتى وفاته مقتولا. كذلك يتطرّق باتريك مغربنة في دراسته لموقف المستشرقين من شعر المتنبي وفشلهم، بحسب رأيه، في إدارك أهميته الإبداعية والفكرية.
لقد كان المتنبي، بالنسبة إلى المستشرقين ومنهم الفرنسي غاستون بلاشير، شاعر الفصاحة والشكل الجميل، وقد أمضى حياته في مدح الأمراء. ويرفض مغربنة هذه الرؤية الاستشراقية السطحية للمتنبي مقدما رؤية جديدة للشاعر ومبيّنا أنه كان صاحب فكر حديث يمكن تسميته بالفكر الوجودي وبالإمكان قراءته اليوم تماما كما نقرأ بعض أبرز الفلاسفة الغربيين المحدثين من أمثال نيتشه ودولوز. باختصار، سعى باتريك مغربنة إلى تقديم قراءة جديدة ومغايرة لديوان المتنبي مؤكّدا على أنه لم يكن مدّاحا بالمعنى الكلاسيكي والشائع للكلمة، لأنّ المديح عنده كان شكلا من أشكال المواجهة والتحدي: تحدي الذات والآخر، من أجل الوصول إلى الكمال والمثل العليا والتطابق معها.
_______
*( العرب)

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *