أوس داوود يعقوب *
شارك فيلم “خارج الأبجدية” لمخرجته السورية رُلى الكيّال في مسابقة الأفلام القصيرة، للدورة التاسعة والعشرين من “مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر الأبيض المتوسط”، الذي نظمته الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما في الفترة الممتدة من 9 أكتوبر-تشرين الأول إلى غاية 13 من الشهر ذاته، تحت شعار “يجب أن تستمر الحياة”، في “دار أوبرا الإسكندرية”، بمشاركة واسعة من 15 دولة تمثل السينما الأفريقية والآسيوية والأوروبية.
وبهذه المناسبة التقت العرب بالمخرجة رُلى الكيّال، وحاورتها في عديد المسائل السينمائية في صلتها بالواقع السوري الراهن.
رُلى عدنان الكيّال من مواليد عام 1976 حائزة على ماجستير في علم الجمال، درست الإخراج السينمائي في مصر، وتُحضر الآن رسالة الدكتوراه في علم الجمال، والعلاقة بين الأدب والسينما.
فيلم “خارج الأبجدية” هو عملها السينمائي الأول كتابة، وإخراجا، وهي الآن بصدد تحضير فيلمها القصير الثاني بعنوان “نيجاتيف”. وكان أن صدر لها كتاب بعنوان: “الضوء والظل بين فنّي الشعر والتصوير”، عن الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق 2011.
الضوء والظل
بداية تحدثنا المخرجة رُلى الكيّال عن فيلمها الأول “خارج الأبجدية”، وعن سبب اقتباس موضوعه عن قصة للأديب الراحل يوسف إدريس، فتقول: “يوسف إدريس قيمة أدبية وفنية عالية وللأسف القلة القليلة من السينمائيين من أدركت هذه القيمة والاختلاف على مستوى الموضوع المتعلق بالإنسان الفرد ودواخله وعلى مستوى الصورة التي تقريبا من المستحيل تحويلها إلى صورة سينمائية لصعوبة السرد.
الذي هداني إلى قصة “لغة الآي آي” هو العمل الرائع الذي قدمته فرقة الخريف المسرحية “المنفردة” بطولة نوار بلبل ورامز أسود، حين وجهت إليّ الدعوة لحضور المسرحية كصديقة ووجدت الهارموني بينهما في العمل وتبادل الألم، قلت سأكون مخرجة لا تمت للغة السينما بصلة إن لم استغل هذا الأداء وهذه الحالة المتفردة وأكتب لها سيناريو.
وبالفعل رجعت إلى قصص الأدب وبحثت كثيرا وربما تسألني لماذا قصص الأدب سأخبرك لأن مشروع “خارج الأبجدية” ليس فقط مشروع فيلم روائي قصير وإنما هو جزء تطبيقي لرسالة الدكتوراه التي أعدها في علم الجمال والتي يناقش موضوعها البعد البصري في النص الأدبي من خلال الضوء والظل، وعنوانها “الضوء والظل بين فنّي الأدب والسينما”.
من قصة أدبية كتبت السيناريو وأخرجت الفيلم لا فقط كباحثة وإنما أردت تطبيق هذه النظرية بيدي على أرض الواقع.
وسأعطيكم معلومة حصرية لقراء “العرب”: بسبب الظروف في سوريا والعقوبات الاقتصادية المطبقة عليها منذ بداية الأزمة، كان تمويل الفيلم يرسل من معهد جنيف لحقوق الإنسان ثلاث مرات للبنك ويعود إلى سويسرا بسبب التشديدات والعقوبات، إلى حد فقد فيه الأمل كل من يعمل معي بالفيلم وكان الاقتراح من طرف المعهد أنه بالإمكان أن يرسلوا لي “الفوند” لمصر وأصور الفيلم هناك ويكون فيلما مصريا، حيث إنهم مهتمون بالقصة وعلاقتها بالإنسان أكثر من البلد، رفضت وصممت أن يكون فيلما سوريا فمن يعلم قد يكون أول وآخر عمل سوري لي في بلدي.
وقد تم، وحدثت المعجزة حتى أن الممثلين قالوا لي إيمانك بالفيلم جعلك تحققين ذلك وكان بالنسبة لهم أيضا آخر عمل في سوريا قبل أن تقرع طبول الحرب وتشتعل نيران الأزمة.
ثيمة الألم
عن مشاركة فيلم “خارج الأبجدية” في عدد من المهرجانات السينمائية الدولية، والجوائز التي نالها، وأثر ذلك بالنسبة لها، تتابع رُلى حديثها معنا قائلة: “حين كنت أحضر الفيلم لم يخطر ببالي يوما أنه سيكون ضيفا في كل هذه المهرجانات الدولية المهمة، كل ما كنت أريد فعله سينمائيا هو أن أصنع فيلمي الأول، متمسكة أن يكون سوريا جدا حتى لو كان عن قصة مصرية لأن ثيمة الألم ثيمة إنسانية عامة لا تعرف بلدا ولا لونا معينا.
الفيلم شارك بمهرجانات “مالمو وقرطاج وبغداد وازرو وافران بالمغرب” والآن سيشارك في مهرجان “الإسكندرية”، وتم طلبه لمهرجان “كان السينمائي الدولي” ليعرض على هامش المسابقة لأن مدته “28 دقيقة”، والشرط عندهم أن لا تتجاوز المدة “15 دقيقة” لمسابقة الأفلام القصيرة.
وقد نال الفيلم “جائزة لجنة التحكيم في المغرب”، لكني لم استلمها حتى اليوم وهي لاتزال بحوزة إدارة المهرجان لأني لم استطع السفر للمغرب بسبب صعوبة أخذ “الفيزا” باعتباري سورية مقيمة في مصر، وكذلك الحال بالنسبة إلى مهرجان “مالمو” لم أستطع المشاركة”.
الكيال: أفلامي تصور المعاناة السورية
حرية الرؤية
وعن مشاركة فيلمها في المسابقة الرسمية لمهرجان “الإسكندرية السينمائي”، وما يعنيه لها تكريم هذه الدورة للفنان التشكيلي الكبير يوسف عبدلكي، تجيب رُلى: “بالنسبة إلي مهرجان “الإسكندرية” أهم من مهرجان “القاهرة السينمائي” فهو يشبه البلد بأصالتها ودفئها، السنة الماضية أهدى مهرجان “الإسكندرية” دورته للثورة السورية، لذلك فيلمي لم يشارك لأنه ليس فيلما وثائقيا عن الثورة وإنما هو فيلم روائي، ومع ذلك عرض على هامش المهرجان للوفد السوري الموجود هناك.
وأنا لست مستغربة من أن يكرم مهرجان “الإسكندرية” قيمة فنية عالية كالفنان يوسف عبدلكي. فهذا يعني إعادة تكريم سوريا مرة أخرى بتجل آخر، فيوسف رمز سوري جميل استطاع أن يوصل الإحساس السوري والفن السوري للعالمية. وهذا هو نهج مهرجان “الإسكندرية” دائما في تفرده وأسلوب انتقائه.
وبسؤالها عما منحتها إياه القاهرة وهي تواصل رحلة دراستها الأكاديمية، وتعمل فيها حاليا على مشروعها السينمائي الثاني، تقول: “في البداية كانت ‘قاهرة اسم على مسمى’، أتعبتني وأغضبتني لكني اكتشفت أن مصر تعطيك كل شيء وتقول لك: “ضع كاميرتك بالزاوية التي تناسبك لكي تراني بالطريقة التي تحب”.
يوم اخترت أن أسكن في حي “شبرا” فهمت مصر وفهمت المصريين، وخصوصا أني قادمة من بلد يشبه في تفاصيله هذا الحي. من عام 2008 تاريخ وصولي إلى مصر أكاد أجزم أني فهمتها هذه السنة فقط، بعد محاولات توم وجيري معها. غير أن ما فيها من سحر يجعلك تعشقها كما تعشق سوريا، فسحر العاصمة رغم مشاكلها هو الغالب. وقد اختبرتني هذه البلاد “هل أستحق أن أكون أميرة أم لا..؟!” وحين أحست بهذا عاملتني معاملة ملكية.
زيف الواقع
تحدثنا رُلى عن فيلمها القادم الذي سيحمل عنوان “نيجاتيف”، قائلة: “استوحيت فكرة فيلم “نيجاتيف” من شهدائنا الأطفال لقد أثرت في جدا صورة “مجزرة الحولة”، وتراكم جثث أطفالنا التي رأيت بها “جمالية القبح”!!، لقد استطعت أن أرى الجمال في الموت بشكل أو بآخر. فيلم “نيجاتيف” روائي قصير مقولته باختصار: “من نحن؟ وهل نحتاج إلى وسيط لنرى الحقيقة؟ أم نفضل العيش بالوهم؟ هل نحن موجودون حقا؟ أم غدونا أرقاما فحسب”..!!.
هو فيلم صامت ليس فيه ولا كلمة، لغته الصورة فحسب، ويتحدث عن الزيف والواقع، مركزا على العنف ضد الطفل. مدته “15 دقيقة”. ولقد كان من المفترض أن أبدأ التصوير السنة الماضية لكن حين استلمت جماعة الإخوان الحكم توقفت كل أعمال جمعيات حقوق الإنسان بمصر.
ولا أعرف متى سأحققه بعد. لكنه أصعب فيلم سأقوم بإخراجه في يوم ما، وهو يحتاج إلى ميزانية ومجهود وتفرغ، إذ أريد له أن يكون ذا لغة سينمائية عالمية وعالية.
وتكشف المخرجة السورية رُلى الكيّال لقراء “العرب” عن مشاريعها السينمائية المستقبلية، قائلة: “منذ ثلاثة أعوام كنت قد كتبت فيلما روائيا طويلا قبل “خارج الأبجدية” اسمه: “بوكيه”، كان فيلما باللهجة السورية ثم حولته إلى الدارجة المصرية، لأني – كما ذكرت سابقا- أنا أعمل على الثيمة الإنسانية وثيمة هذا الفيلم: الحب، الحب بكل أشكاله، من يشتري الورد ومن يبيعه ولماذا في يوم عيد الحب؟ هي فكرة “كليشيه” جدا لكن المعالجة مختلفة جدا.
والفيلم يحتاج إلى إنتاج ضخم لذلك أجلته حتى تهدأ الأمور في مصر. وكم أتمنى أن تهدأ في سوريا وأعود وأصوره في طرطوس أو اللاذقية لأن للبحر بطولة كبيرة في الفيلم”.
وتضيف رُلى: “أما فيلمي الحالي الذي أنا بصدد كتابته فهو بميزانية منخفضة جدا تدور أحداثه في “لوكشن واحد/ مطعم” خمس بنات : سورية و4 مصريات. السورية صاحبة المطعم لها حكاية طويلة في المعتقل والهرب.. أما المصريات فيغطين شريحة المجتمع العربي كاملة. فيلم يعري الأنثى ويحكي بموضوعية أن المشكلة ليست في الرجال فحسب وإنما فينا أيضا كنساء واسم الفيلم هو “ماليش راجل”.
* صحفي وكاتب فلسطيني يعيش في سوريا
( العرب )