*نبيل درغوث
( ثقافات )
الشارع هو محيط حضري و تجمع إنساني. يجمع عديد المجموعات من الناس بينهم اتصال و ارتباط منظم بأعراف خاصة بهم. و باعتبار الشارع فضاء وسيط بين المنزل و العالم الواسع. لعب الشارع دورا فاعلا في استقطاب الفرد الذي بحاجة إلى محيط جماعي يساعده على تجاوز مشاكله العائلية و النفسية و يشعره بالأمان. هكذا أصبح الشارع مجال جديد للقاءات أفراد يعيشون انفصال عن الوسط العائلي. يبحثون عن هوية جماعية و عن بنية اجتماعية يواجهون بها الإقصاء و التهميش الذي يتهددهم. هذا المكوّن الاجتماعي(الشارع) أفرز ثقافة خاصة تميّز أفراد و جماعات عن أخرى من خلال كيفية لباسهم و أسلوب كلامهم و حركاتهم. و “الهيب هوب” هو أبرز ثقافة التف حولها الشباب و كان الشارع حاضنها و مسرح إبداعها.
“الهيب هوب” هو منظومة ثقافية شبابية ذات بعد كوني و ان كان ظهور هذه الثقافة بالولايات المتحدة فهي لم تعد خاصية المجتمعات الغربية بل أضحت ثقافة كونية/عالمية Universel لأنها تحمل قدرة كبيرة على مخاطبة جلّ الشباب في أنحاء العالم فالتهميش و التفريق الاجتماعي و الإقصاء الطائفي و الاثني كلّها معاناة تعيشها الإنسانية جمعاء و ليس مختصرة على الغرب فقط.
أوّل ما ظهرت هذه الحركة الثقافية “هيب هوب” في السبعينيات في الأحياء الشعبية بالولايات المتحدة كمنظومة دفاعية تقاوم العنف عبر التحدي الفني و ان كانت الريادة للسود في هذه الحركة التي نشأت كرد فعل لما تعرضوا له من العنصرية. يقول “باترسون” : “ثقافة الهيب هوب هي رد فعل على الظلم و العنصرية الذي تعرض له السود من البيض”. فالتفاف السود الأمريكيين حول هذه الحركة من أجل إظهار ثقافة حضرية Urbaine مستقلة بهم لها ميزاتها من أساليب التصرف و اللغة و اللباس و التفكير… و كنوع من التعبير الفني عن أنفسهم و عن مشاكلهم من الفقر و البطالة و العنصرية و الظلم. فهي تحولت إلى حركة تمس عديد المجتمعات متجاوزة الاثنيات تعني كلّ الفئات الشعبية التي تعيش سوء الإدماج الاجتماعي و الاقتصادي. وقد اتخذ الهيب هوب الشارع مسرحا للظهور و التجلّي و هذا ما جعل منه ثقافة تحتية Underground.
الهيب هوب هو عبارة عن أشكال و أنماط تعبيرية فنية تنقسم إلى ثلاثة أجناس فنية كبرى و هي التعبيرات الجسدية و التعبيرات الموسيقية-الغنائية و التعبيرات التشكيلية-التصويرية.
التعبيرات الجسدية : تتمثل هذه التعبيرات في الرقص القائم على التحدّي الجسدي للمضي به إلى الحدود القصوى من أجل إبداع حركات معقدة تتطلب كفاءة جسدية عالية. فالراقص دائم البحث عن الأداء المبهر من خلال حركات طريفة سريعة و صعبة في الفضاء و على الأرض متحديا بها قوانين الجاذبية و حدود الجسد.
التعبيرات التشكيلية-التصويرية التي تعرف “بالڤرافيتي” Graffiti هي عبارة عن رسوم على الجدران تحمل تعبيرات بصرية لثقافة الهيب هوب. و تعتمد هذه الرسوم على تقنيات جمالية و أسلوب في تشكيل الألوان و الخطوط و الأشكال الهندسية بتناسق و توازن بصري.
“الڤرافيتي” هو ممارسة تشكيلية تحمل خطاب احتجاجي فيه رفض سياسي و اجتماعي لما يتعرض له الشباب من تهميش و إقصاء و تغييبه كفاعل اجتماعي داخل المجتمع. و يكون مسرح هذه الرسوم جدران الشوارع.
التعبيرات الموسيقية-الغنائية : من بين أنواع هذه التعبيرات “الدي جي” DJing و هي عبارة عن فنيات تقدّم بها أغاني و ألحان مسجلة مسبقا في أقراص موسيقية. يقوم بتقديمها شخص يسمى Disc Jockey الذي يعتمد أجهزة خاصة تساعده على معالجة الموسيقى المختارة بإعادة “مكسجتها” من خلال تغيير الإيقاع و الرتم و تكرار مقطع موسيقي كلازمة تخوّل له الانتقال من لحن إلى آخر بطريقة مريحة لأذن المستمع. هناك أيضا نوعية أخرى من هذه التعبيرات الموسيقية Human Beatbox و هي عبارة عن نغمات موسيقية يقوم بإصدارها الإنسان معتمدا على صوته و أنفه و حنجرته مقلدا فيها لبعض الآلات الموسيقية الالكترونية بمزجها بإيقاعات مع رتم لينتهي إلى خلطة موسيقية كأنها نابعة من جهاز Boite à Rythmes .
أمّا “الراب” RAP هو أبرز التعبيرات الموسيقية-الغنائية لثقافة الهيب هوب. و يتمثل في موسيقى غنائية سريعة الإيقاع والتلفّظ بالكلمات. صوت المغني فيها ليس هو الأساس إنما إيقاع الموسيقى وكلمات الأغنية…
_________
* كاتب و صحفي ثقافي من تونس