أغنية طائر الحَـلَـلَّس


*فضل خلف جبر

مَرّةً واحدةً في السَنةِ

يَهبطُ طائرُ الحَللَّسِ في أرضِ العراقِ
يُرسلُهُ الرَبُّ من الفردوسِ الأعلى
مَعَ جيشٍ من المَلائكةِ المُسَوَّمينِ
فَيَربضُ على سَعفَةِ نَخلةٍ باسِقَةٍ
يحفُّ بهِ رَفيفُ أجنِحَةِ المَلائكةِ
وقَبَسُ الحكمةِ الأزليةِ
مَرّةً واحدةً في السَنةِ
يَخضَرُّ اليابسُ ويحيا المَيتُ
يهدءُ الغاضبُ وتفرحُ الحزينةُ
يُفكُ قيدُ الأسيرِ وتُجابُ دعوةُ المَظلومِ
يُغاثُ الغريقُ ويكرمُ مَثوى الأحياءِ
وتَهربُ الشياطينُ الى ظلماتِ جُحورِها
مَرّةً واحدةً في السَنةِ
يحبُّ الجارُ لجارِهِ ما يُحبُّ لنفسِهِ
والأخ لأخيهِ
والحماةُ لكنَّتِها
والبائِعُ للمشتري
وصاحبُ العملِ للأجيرِ
ولا يُغَشُّ في الميزانِ
ولا يُبخَسُ في المُعامَلةِ
ولا يَجدُ الناسُ مُحتالاً في الطريقِ
ولا قاتلاً في الأحلامِ
ولا مُزيَّفاً في عِمامَةٍ
ولا رباطاً في عُنقِ خنزيرٍ
مَرّةً واحدةً في السَنةِ
تجري الأنهارُ الى المَصَبِّ
وتَخلدُ النفوسُ الى الراحةِ
ويَقولُ الرجلُ لصاحبِهِ: لكم أنا مَدينٌ لكَ للصُحبَةِ المُخلصة!
وتَقولُ المَرأةُ لزوجِها: شكراً لإكرامِ العِشرَةِ الطَويلةِ!
وتَرى الأطفالَ ينثرونَ قهقهاتِهم وشقاواتِهم في الطرقاتِ والحدائقِ العامَّةِ
مَرّةً واحدةً في السَنةِ
تدخلُ أغنيةُ طائرِ الحَللَّسِ قلوبَ الناسِ
تلمسُ تلكَ الأعماقَ الخفيَّةَ
الأعماقَ المُغلَّقَةَ بأقفالِ الريبةِ وحَذَرِ الآخرينَ
يَنزعُ طائرُ الحَللَّسِ أقفالَ القلوبِ
فتَهربُ الخفافيشُ والحوحوشُ الكاسِرةُ
تَهربُ الأحزانُ والأزماتُ
تَهرب الأحقادُ والغضبُ الجارفُ
تَهربُ الكراهيةُ والازدراءِ
يَهربُ كلُّ شيءٍ قبيحٍ
وتنمو بدلاً عنها
رياحينُ الحُبِّ وليلكُ الطُمأنينةِ
وأشجارُ فاكهةِ كما لا عَينٌ رأتْ
تنمو في كُلِّ قَلبٍ جَنَّةٌ
تَجري فيها أنهارُ المودةِ الحَسَنةِ
وتُشرِقُ فيها شموسٌ لا وَصفَ لَها
وأقمارٌ تفوقُ التَسميةَ
وتَرى الناسَ فَرحينَ بفراديسِ قلوبِهم
مَشرعينَ أبوابَها لكلِّ القاصدين
مَرّةً واحدةً في السَنةِ
يُغنّي طائرُ الحَلَلَّسِ أغنيَتَهُ الفائِقَةَ
لِتَصطَفَّ على ايقاعاتِها السَماويَةِ
أرواحُ المُتعَبين
كما لَو أنَّ مَلاكاً أرسَلَهُ الرّبُّ
من فَراديسِ عليائِهِ
كما لَو أنَّ مَلاكاً بكامِلِ مَلائكيَتِهِ
يَهبطُ في أرضِ العراقِ
غارساً في كُلِّ قَلبٍ جَنَّةً
تَجريَ فيها أنهارُ المَودَّةِ الحَسَنَةِ
وَيصطَفِقُ فيها سَعفُ نَخيلٍ باسقٍ
وعلى سَعفَةٍ منها يُغَني طائرُ حَلَلَّسٍ جَميلٌ
تحفُّ بهِ مَلائكةُ البَهجَةِ
وقَبَسُ الحِكمَةِ الأزَليَّة
_______
* شاعر عراقي يقيم في أميركا (العالم)

شاهد أيضاً

كأس وظلال

(ثقافات) كأس وظلال عبد القادر بوطالب تلك الظلال التي طوت تفاصيل أجفاني سارت خلفي ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *