قرصنة الكتب.. مبيعات تذهب أدراج الرياح


*رشيد أركيلة

تباينت مواقف الكُتّاب من ظاهرة قرصنة الكتب باستخدام التكنولوجيا في ظلّ انعدام قوانين صارمة تحمي كتبهم وتضرب على أيدي قراصنتها، ففي الوقت الذي صارت فيه القرصنة لدى بعض الكتّاب مبعثا على القلق، وأمرا يهدّد وظائف دور النشر، فإن البعض الآخر وجد فيها سبيلا إلى انتشار كتاباته بين القرّاء.

وبين رفض هذه الظاهرة وقبولها، لا نعدم وجود مواقف لكتّاب معروفين يطالبون قرّاءهم بضرورة قرصنة كتبهم على غرار ما كتب باولو كويلو على أحد مواقع قرصنة الكتب، إذ نقرأ له قوله: “أرّحب بكم لتحميل كتبي مجّاناً، وإن أعجبتكم الكتب يمكنكم شراء النسخة الورقيّة منها، هكذا سنخبر دور النشر أنّ الجشع لن ينفعها”. وفي هذا المقال، سنتابع حكاية الكاتب توماس غانزيغ مع قرصنة لأحد كتبه.
كمدخل لكتاب “دليل النجاة و البقاء، بالنسبة لغير الأقوياء” كتب المؤلف توماس غانزيغ: “في البداية، لم يكن هناك شيء. لا فضاء، لا نور، لا زمن يمر. ليس هناك أمس، ليس هناك غد، و لا هذا اليوم. أفظع من يوم إضراب. أفظع من نفاذ مخزون. لا شيء غير العدم، لكن طيب، العدم، كان على الأرجح، أمرا لا بأس به. العدم، هذا يترك خيارات على الأقل”.
تطرح الرواية، في فضاء اشتغال أعوان الحراسة السريين بإحدى المتاجر الكبرى، تهيئات أحد المستخدمين، جون- جون، يعمل كحارس أمن. هذا الأخير، بهاجس الامتثال لأوامر مرؤوسيه والاستجابة لشروط الفعالية وتحسين المردودية، سيعمل كل ما بوسعه ليتسبب في طرد أشخاص يعملون بالصندوق.
المشكلة أن الشبكة ستتحرك، وأن المحصلة مارتين، لها خليل،جاك شيراك أوسومو، يعمل أيضا بنفس المتجر برواق الخضر والفواكه.
وبما أن مارتين أم لأربعة مراهقين سينزحون إلى المتجر من أجل السطو، ستنشط الحلقة الجهنمية، وعلى رأس جون- جون ستنزل صواعق الانتقام. كل هذا بأسلوب يعتبر تقليديا لدى توماس غانزيغ: في انفصال تام عن الواقع، في شكل استباقي تغديه الأحماض… الكل في نوع من الهزل المتوحش والمثير للجنون.
يهتز قلب
لكن المؤلف، شأنه شأن أي كاتب، يريد اكتشاف ماذا قيل عن مؤلفه على الإنترنت، سيفاجأ باكتشاف شلال 411 (411 Torrent)، القرصان الفرنسي. آه، بالطبع هناك مؤلفات أخرى، وليس فقط الوصلات الإعلامية، على الموقع، والتي لا تعرض روابط شلالات تُمكن بالتالي تحميل ملف EPUB.
مع العلم أن المؤلف يوجد في نسخة رقمية بـ 4,99 أورو، و أن الروائي لم يخف على موقع فيسبوك، أنه بدل التغريدة امتلكته تنهيدة. طيب، سأحافظ على هدوئي وأقول في نفسي أنه إذا كان 198 شخصا قد قاموا بتحميل النسخة المقرصنة لـ “دليل النجاة والبقاء، بالنسبة لغير الأقوياء”، فهذا مؤشر جيد في نهاية المطاف (من جهة أخرى، الآن تمتلكني الرغبة في تكسير ساق أحدهم، إنه مكر…).
والحالة هذه، حين هاتفته مجلة أكتوياليتي، أفصح أن الوضع يقلقه بالتأكيد، لكن ذلك التواجد على موقع القرصان ليس أسْوَد ولا أبيض. “لم يصل بي الأمر إلى قضاء الليل مفكرا في الموضوع، حين اكتشفت الرابط الجارف، فكرت على التو؛ ها هي مبيعات تذهب أدراج الرياح. لم يتطلب الأمر أكثر من أربع دقائق من الترَوي حتى خلُصت أن تسعة أشخاص من أصل عشرة، ما كانوا ليشترونه حتما – لأنهم لا يعرفونني، ولأنهم لم يسمعوا شيئا عن الكتاب… لجملة من الأسباب.
بالمقابل، تطلب مني الأمر احتساء كوب من الشاي الأخضر دون سكر، لتهدئة بالي”، يقول مازحا أو نِصف مازح: “في النهاية، هذه المغامرة المضنية كانت إيجابية جدا بالنسبة إلي، لأنها شكلت شيئا من الترويج لدى القراء ومكنتهم من اكتشاف ماذا أفعل. ولكن أيضا، بما أنني أستطيع الولوج إلى عدد من التحميلات المباشرة: أعرف عدد الأشخاص الذين حصلوا على الكتاب، وهذا شيء في غاية الأهمية”.

أوصوا بكتابي خيرا
لقد قام توماس بالمناسبة، بمداخلة مباشرة بالمنتدى كتب فيها: “أصدقائي الأعزاء، أنا فخور جدا لكون كتابي تم تحميله 333 مرة في بضع ساعات. أتمنى أن يروقكم وحبذا، لو كان الأمر كذلك، لو توصون به من حولكم أو، على الأرجح، أن تقدموه في نسخته الورقية كهدية لشخص عزيز عليكم. صدقوني، بلفافة الهدية، سيبدو أنيق الشكل… توماس غانزيغ. وهو ما أثار بشكل سريع سلسلة من الردود، منها:manimal61
أبدأ دائما كتابا بتحميله، إذا أعجبني أذهب إلى مكتبتي المفضلة لاقتنائه، بهذا الشكل أتفادى مفاجئات غير سارة. ومن تلك الردود كانت هناك وعود تحمل الأمل على غرار التالي: armandpetit84
شكرا توماس من أجل الكتاب! لقد قمت بتحميله لأنه لم يكن بوسعي الانتظار، لكنني أعدك أنني سأشتريه. أنا معجب جدا بكتاباتك، أتمنى ألا تثير هذه المفاجأة غير السارة امتعاضك بشكل كبير!”.
يبقى أن وجود الكتاب على شبكة للقرصنة شيء غير مرغوب فيه، وفي هذا الشأن يكتب توماس: “أحبذ فكرة streaming، بعض العروض مثل Spotify أو Netflix، لأنها توفر عائدات للمبدعين. وذلك شريطة أن تكون لدينا القدرة للحصول على الأرقام لمعرفة كيف يستعمل رواد الإنترنيت تلك المؤلفات”.
أمر واقع
حاليا، لا تشغَله المتابعة القضائية. “المواجهة الغبية والمباغتة باللجوء إلى القضاء، غير مجدية. التحميل من خلال مواقع، أعرف جيدا كيف يتم ذلك. نحن نعيش في زمـن يتوجـب القبـول بـه، هـذا أمر واقع، إذن يجب أن نقبل به ونتأقلم معه. لن يجدي نفعا دعاؤنا للعـودة إلى طواحين الريح. ربما يجب أن نحاول أن نقنــع الناس بأن هذا الكتاب، هو ثمرة ثلاث سنوات مـن العمل، ثــلاث سنـوات من عمـري، وأن هذا يكتسي شيئا مـن الأهميـة”. من الطرائف التي ربما كانت ستجد أيضا حيزا لها بكتابه الأخير، يقول مفسرا:”إنه العالم كما هو اليوم، خاصة ونحن لا نزال في زمن ما قبل التاريخ”.
لنفترض أنه من الصعب معرفة كم تمثل التحميلات بالمقارنة مع المبيعات، فلقد كان توماس غانزيغ يحبذ وجود Netflix للكتاب أو Spotify، من أجل العائدات التي توفرها، ولكن على الأرجح، لأنه هو نفسه من كبار المستعملين، “هذا يمكنني من اكتشاف العديد من الأشياء في الموسيقى. يتم التعرف على فنانين، ونتنقل إلى حفلات من أجل مشاهدتهم. بطبيعة الحال، الحفلات بالنسبة للمؤلفين، شيء آخر علينا أن نبتكره”.
على كل حال، لو علِم النجاح الذي حققه باولو كويلهو، لكانت حسرة توماس غانزيغ أقل عند اكتشاف كتابه موضوعا للتقاسم. “بضربة قوية من ذلك القبيل، حين نكون قد بعنا عشرات الملايين من الكتب، يمكن القبول بتوفير نسخة رقمية لرواد الإنترنيت. سأكون سعيدا لو تسنى لي العيش فقط من حقوق التأليف. لن يطرح لي أي مشكل حينذاك أن يتم نشر الكتاب عل النت”.
خلاصة القول إنه للحصول على “دليل النجاة والبقاء، بالنسبة لغير الأقوياء” للكاتب توماس غانزيغ، هناك ثلاث طرائق: الأولى، وهي الطريقة التقليدية، بأن تقتنوه من المكتبة، وهذا سيكلفكم 18 أورو، سيعيش منها صاحب المكتبة. والثانية، اقتناؤه في نسخته الإلكترونية على الموقع أمازون، وهذا سيكلفكم 4،99 أورو، سيعيش منها أمازون. أما الطريقة الثالثة فقد علمتموها، ولكم واسع النظر. وللإشارة، فإنه يُشترط التسجيل لولوج موقع Torrent 411، وهذا قد يشكل إدانة للمستعمل.
______
*(العرب)

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *