إلياس فركوح وخليل قنديل مثلاً!


* إبراهيم جابر إبراهيم

لماذا لا نسمع من الإذاعات أو التلفزيونات الأردنية وصف “الكاتب الأردني الكبير” لشخص ما يزال على قيد الحياة! 

لماذا لا يخرج فريق من التلفزيون غداً، على سبيل المثال، ويذهب الى منزل الكاتب خليل قنديل ويجري حواراً معه؛ ثم يستكمل الحلقة بلقاءات مع عدد من النقاد حول تجربته؟ 
خليل قنديل من الآباء المهمّين والأوائل للقصة القصيرة في الأردن، وتجربته العميقة تستحق أن يثار حولها الجدل وأن يتردد اسمه في سياقات طويلة وثرية حول الكتابة، وهذا ما سيظهر ويتم اكتشافه والاحتفال به بعد رحيله (لا قدَّر الله)، فما الذي سيخسره الإعلام لو أنه حاول التغيير في هذا التقليد الذي صار مبتذلاً حقيقةً؛ وهو الإفراط في الرثاء والمديح بعد الوفاة.
لماذا لا نكتب مقالات في مديح الأحياء، والاعتراف بتجاربهم الثرية (في حال كانت كذلك طبعاً)، وليس المطلوب تمجيد “العلاقات العامة” و”الأقارب” على حساب قيم الإبداع والمنجز العريض؛ بل المطلوب عرض التجارب المهمة فعلاً، والتي قدمت إضافات حقيقية، ومناقشتها من قبل مختصين ومذيعين مطلعين ومثقفين، وليس مجرد مديحٍ فارغ للتخلص من واجب العزاء، بحيث يصير المغمور كاتباً عالمياً فقط لمجرد أنه توفي وعلى البلد الظهور بمظهر الوفية لأبنائها! 
المسألة ليست مجاملات، وليس مطلوباً التهليل للتجربة الركيكة لمجرد أن صاحبها توفي، فـ “حسن العزاء” بالميت لا يعني التجرؤ على النقد، والمشاعر العائلية أو حتى الوطنية لا تغير من حقيقة القصة أو الرواية التي ورثناها للتوّ عن كاتب متواضع لتنقلها الى درجة القصة العظيمة!! 
يمكن إكرام الكاتب الراحل بطرق كثيرة (في الحقيقة لا أعرف كيف!)، ولكن لا يجب أن يكون من بين هذه الطرق تسلل أشخاص غير معنيين بالأدب والنقد الى بيت العزاء لتحويله الى ورشة نقدية، وتقليد المتوفّى أوسمة لا يستحقها! لماذا لا يكتب الصحفيون والنقاد عن تجارب زملائهم الأحياء؛ وأقصد الكتابة المتخصصة التي تحفر عميقاً في التجربة ولا تربت على كتفي صاحبها لأسباب غير ثقافية بالمرّة. وأتساءل لماذا لا يكتب أصدقاء الراحل عن محبتهم له في حياته؟ 
لماذا ننتظر دائماً رحيل من نحب لنشيعه بعبارات الغزل والحنين! لماذا يخجل الناس من إعلان محبتهم لبعضهم، بينما لا يخجلون من إعلان الكراهية! 
لماذا لا نقول الآن وعلى الملأ ان الياس فركوح كاتب ملء السمع والبصر، وأنه من أكثر الكُتّاب الذين ظلموا في الأردن إعلامياً، ونقدياً، ويستحق أن يدرَّس في المدارس والجامعات الأردنية والعربية، ولماذا لا تتسابق البرامج التلفزيونية إلى بيته والحديث عنه كما ستفعل لو لا قدَّر الله أصابه سوء! 
ولماذا لا نطلق اسمه على مركز ثقافي أو شارع من تلك الشوارع التي تحمل الآن اسماء محاربين شرسين عاشوا في زمن السهم والرمح قبل ألفي سنة!!
_______
* (الغد)

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *