زينب حفني: أنا أول سعودية تحطم تابو الجسد


في الوقت الذي كان حديث المرأة عن ذاتها يقودها نحو المتاعب تصدرت الصفوف الأولى لمواجهة القمع الثقافي والتشدد الفكري، لتتخطى الخطوط الحمراء، فلم تسلم من نظرة الناس القاسية وانتقاداتهم اللاذعة، ومع ذلك فضلت الروائية السعودية زينب حفني الكتابة بكامل حريتها خارج وطنها على أن يجف مداد قلمها مقهورًا بين من لا يعترفون بحرية الرأي ولاسيما حرية المرأة. حول تجربتها مع الكتابة الأدبية والصحفية، وروايتها الأخيرة “وسادة لحبك” كان لـ”العرب” معها الحوار التالي.


زينب حفني، التي عُرفت بكتاباتها الجريئة، مثلت قلما نسويا استثنائيا، في عالم الصحافة الذي أثّر مباشرة على أسلوبها في الكتابة الأدبية، لاسيما رواياتها، عن المجال الصحفي، وارتباطها بأعمالها الأدبية، تقول حفني : “الصحافة عالم كبير حين تتعمقين فيه تكتشفين أن له درجات متفاوتة من التأثير على الإبداع، مثل فصول السنة الأربعة، أحيانًا تكون شديدة البرودة، وأحيانا تُصبح مرتفعة الحرارة، وأحيانًا ما يكون للصحافة تأثير كبير على كتاباتي الأدبية وكأنها نسمة ربيعيّة، وأخيرًا هي لإبداعي، مثل ليلة قمريّة دافئة على شاطئ رملي. وبلا شك كان للصحافة تأثير إيجابيّ على قلمي، إذ استطعتُ في روايتي “لم أعد أبكي” تصوير ما يجري في عالم الصحفيات، من خلال بطلة الرواية “غادة”.
عن دور المرأة المثقفة، في توعية المجتمعات العربية، في ظل الظروف التي تمرّ بها، بعد التحوّلات التي شهدتها، عقب الثورات، من حيث توعية الشعوب بطبيعة الأفكار والتيارات السياسية المختلفة، ترى الكاتبة السعودية أن المرأة المثقفة لا تختلف عن الرجل المثقف حين يتعلّق الأمر بقضايا عروبتها ووطنها، تقول حفني:” أنا لا أميل إلى أن يكون للمرأة دور في توجيه رجل الشارع نحو تيارات أو أحزاب معينة! وأفضّل أن يكون المثقف مستقلاً في آرائه، لا يتبع حزبًا أو جهة بعينها، وألا يستغل قلمه للتأثير على الجمهور لتأييد فصيل بعينه. والمرأة المثقفة أولاً وأخيرًا مواطنة واعية، ودورها الحقيقي ينبع من رؤيتها الخاصة التي تصب في مصلحة مجتمعها”.
المساواة لكن بشروط
وفي مجال المطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة في جميع الحقوق والواجبات، سبق وأن عبرت حفني عن اندهاشها من مطالبة بعض النساء بالمساواة مع الرجل، وهذا ما جعل البعض يعتقد أنّ حفني ضد المساواة أم ضد الندية وأي نوع من المساواة تراه جائزا، تقول: “أنا لستُ ضد مساواة المرأة مع الرجل في حدود الحقوق والواجبات، فلكل منهما دوره الواضح في الحياة يوجب على الطرفين احترامه.
لكنني في نفس الوقت أرفض أن تضع المرأة نفسها في نديّة مع الرجل، لكون الحياة بين الرجل والمرأة تقوم على شراكة جميلة، لا على التصادم! فالرجل يُشكّل واحة الأمان والاستقرار بالنسبة إلى مرأة، بينما المرأة بالنسبة إلى الرجل هي الصدر الحنون الذي يرمي فيه حمولته من ضغوطات الحياة”.
لعل صعود بعض النساء إلى المناصب التي اعتدناها للرجال كمنصب القاضية والمأذونة، في مجتمعاتنا العربية، شكلت ثورة حقيقية على السائد، وهذا ما جعل نساء كثيرات يتقلّدن مراكز كانت إلى وقت قريب حكرا على الرجال، في هذا السياق، ترفض زينب حفني بعض الأدوار التي تقوم بها المرأة مثل اقتحامها عالم الملاكمة والمصارعة، تقول حفني: “إضافة إلى ما ذكرتُ فهناك من الحرف التي تحتاج إلى قوة بدنية وضعها الله في الرجال. أما المناصب التي أشرتِ إليها فليست دخيلة على النساء، وقد أجازتها بعض المذاهب الفقهية، ولا أجد فيها حرجًا أو خروجًا عن المألوف.

كشف المستور

رصدت زينب حفني في كتاباتها مشاكل المرأة في المجتمع السعودي تحديدًا مع الرجل الذي يكبت حريتها، ويجثم على صدرها، وكشفت عن مشاكل المرأة السعودية المعيلة، والمطلقة، والأرملة، والمسنة، وفي هذا السياق تقول حفني:” في كافة قصصي ورواياتي غمزتُ على هذه الجوانب لكن بأسلوب أدبي ممزوج بالخيال. وعلينا ألا ننسى أن نظرة الأديب إلى قضايا مجتمعه تختلف في طرحها عن نظرة الباحث الاجتماعي، الذي يسعى بتجرّد إلى رصد المشكلة، وتحليل الأسباب ووضع الحلول”.
هذه الجرأة والكشف عن المستور جعلا من حفني محلّ اتهام من بعض النقاد بكسر تابوه “الجسد” خصوصا في مجموعتها القصصية “نساء عند خط الاستواء”، لكن حفني تؤكد أن اختيارها لهذا التوجه، إنما جاء نتيجة إيمانها بأن الأدب رسالة ولابد من إيصالها إلى القراء، تقول حفني عن هذه المجموعة القصصية: “لقد صدرت هذه المجموعة عام 1996، ولم يكن في ذلك الوقت إنترنت ولا فضائيات، وكان المجتمع السعودي ضيق الأفق مقارنة باليوم، وقد أصبحت شريحة الشباب لديها قدرة هائلة على التعامل مع الإنترنت، والدخول إلى عوالمه الخفيّة. لك أن تتخيّلي كيف كانت صدمة المجتمع في ذلك الوقت عند الاطلاع على قصص تتحدّث بجرأة كبيرة عن حيوات النساء، ومشاكلهن العاطفية.
ومع هذا أنا فخورة بأنني أول من اخترق هذا “التابو” وفتح الباب على مصراعيه كي يتعرّف المجتمع الغارق في ذكوريته على معاناة المرأة، ويقف عند مشاكلها التي تتعرّض لها يوميّا، باسم الدين والعرف!!”
كتاباتها تظل دائما محلّ جدل كبير، وهذا قد يدخلها في دوامة القلق من اختراق تلك العوالم المحرمة والمحظورة خاصة وأنها إبنة المجتمع السعودي المعروف عنه الانغلاق والتشدد، لكنها تؤكد أنها قد اختارت هذا الطريق لإيمانها بأن الجوّ المنفتح الذي تربت فيه ونشأت، جعل آراءها جريئة، تقول حفني:” لقد سبقت عصري بتفكيري وجرأتي، نتيجة نشأتي في محيط أسرة منفتحة ثقافيّا، فمنذ صغري وأنا أحب ولوج المناطق المحظورة، من خلال تعرّفي على عالم المرأة، في قصص إحسان عبد القدوس، ونجيب محفوظ.. وغيرهما من الأدباء المصريين. إلى جانب اطلاعي على ما أفرزه الأدباء العالميين من أمثال ألبرتو مورافيا، وهنري ميلر، وديستويوفسكي، وتشيكوف.. وغيرهم، وهو ما دفعني إلى السير على خطاهم.
ناضلت زينب حفني كثيرًا وتحدت المجتمع والأعراف في سبيل الحرية.. ولكن ما هي قيمة الحرية في نظر زينب حفني؟، تجيب حفني قائلة: “نعم ناضلتُ كثيرًا من أجل الحرية. والحرية كلمة جميلة قد تدفعين ثمنها من أعصابك، ووقتك، ونظرة الناس القاسية إليك، وأحكامهم المسبقة!! ولكن ألا تستحق الحرية، هذا الكنز الثمين أن نناضل من أجلها؟! في كل الدنيا هناك مفكرون ومبدعون قدّموا حياتهم فداء لعيون أوطانهم، لذا لا يهمني أن أكون واحدة من الضحايا طالما في نهاية الأمر ستقطف ثمارها الأجيال القادمة.
اخترقت تابوهًا آخر هو “الدين” في روايتك الأخيرة من خلال قصة حب جمعت بين سيدة من المذهب السني، وشاب شيعي.. حدثينا عن تلك الرواية ووقعها لدى القارئ السعودي والعربي؟”
الصحافة تجاهلتني
تُعتبر روايتها “وسادة لحبّك” أول رواية سعودية تتحدّث عن علاقة الرجل بالمرأة من مذهبين مختلفين. عن هذه الرواية تقول: “هذه الرواية أقرب رواياتي إلى قلبي ويُحزنني أن الصحافة السعودية قد تجاهلتها لحساسية موضوعها، فرفضت جميع الصحف المحلية التطرّق إليها، أو نشر أي نقد سلبي كان أو إيجابي عنها!! ولكن هذا لم يمنع انتشارها، فكانت من أكثر الكتب مبيعًا في معارض الكتب العربية، باستثناء معرض الكتاب في الرياض، ومعرض الكتاب في الكويت، حيث تم منعها من الدخول السنة الماضية”.
وعن مستقبل السعوديين، تقول حفني: “بالتأكيد أنا متفائلة بالمستقبل، لأن الشباب المبتعث إلى الخارج، والثورة المعلوماتية المتمثلة في الإنترنت، والقنوات الفضائية الخاصة، وأجهزة “الآي فون” و”الآي باد” كلها مصادر صقلت شخصية الشاب السعودي، وجعلته ينظر إلى مجتمعه نظرة فيها الكثير من العمق الثقافي والوعي الفكري. وسيكون قادرًا في المستقبل على تغيير بنية مجتمعه الاجتماعية والفكرية والاقتصادية بفضل اتساع أفقه الحضاري. كما أن المجتمع السعودي لن يستطيع الانفصال عن الظروف السياسية، التي تجري من حوله، كوننا صرنا كشعوب نعيش داخل قرية كونيّة واحدة”.
لا ألطم الخدود
عن حضور التاريخ والوطن في وجدانها، تقول حفني: “لستُ من اللواتي يلطمن الخدود على تاريخنا الذي مضى! فالتاريخ بالنسبة إلي يُشكّل فقط رافدًا معرفيًا لتاريخ أجدادي. وما يُهمني هو الحاضر، ويشغلني المستقبل.
أفكر أحيانًا في الغد بنظرة تشاؤميّة، وأحيانًا أخرى بنظرة متفائلة، وأراهن على الشباب لما لديهم من حماسة ووعي فكري واجتماعي لم يكن موجودًا أيامنا. أما الوطن فهو عشق أبدي، غير عشق الأهل والأصحاب. عشق لا يُصيبه الملل. عشق يُولد معنا منذ لحظة خروجنا من بطون أمهاتنا ويظل في وجداننا حتّى لحظة مغادرتنا الدنيا. فلا بديل عن الأوطان.
يقال إن الفنون التعبيرية وخاصة الأدب، تأتي بعد مخاض طويل ومعاناة وتجارب قاسية وحالة نفسية، فما هو تعليق حفني على ذلك، تجيب الروائية السعودية: “نعم كافة الفنون تجيء بعد مخاض من المعاناة والتجارب القاسية. لكن ليس شرطًا أن تكون المعاناة شخصية، فمعاناة الإنسان في وطنه في رأيي أشد ألما!! ولو أطلعتِ على الآداب والفنون العالمية الخالدة ستجدين أنها خرجت في ظروف سياسية شديد القسوة، وفي مناخ اجتماعي صارم. لذا كلما كانت المجتمعات أكثر استقرارًا كان هذا مدعاة لتُصبح الفنون أناملها أكثر نعومة، وأقلامها أقل حدّة في تناولها لقضايا مجتمعها”.
مازال قلمها يعيش مغتربًا، ولا تكتب في صحف سعودية منذ سنوات. في هذا السياق تؤكد حفني، أن قلمها ما زال مغتربًا لأنها تكره القيود، تقول: “قلمي ثائر على الدوام، من الصعب كسر سنّه! لذا آثرت أن أبتعد وأكتب همومي في أرض بعيدة.
لكن مع تواجد “الفيسبوك”، و”تويتر”، والمواقع الصحفية والأدبية الإلكترونية، لم يعد هناك شعور بالغربة، أو العوائق، وإنما أشعر بالسعادة لأن قلمي يقفز بيسر فوق الحواجز دون أن يستوقفه شرطي مرور، أو رقيب جاهل!”
________
*(العرب اللندنية)

شاهد أيضاً

سوسن دهنيم وأحمد زايد يوقعان كتابيهما في أبوظبي للكتاب

(ثقافات) سوسن دهنيم وأحمد زايد يوقعان كتابيهما في جناح مؤسسة العويس بمعرض أبوظبي للكتاب   …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *