جواز سفري وبطاقتي مع وقف التنفيذ!


* ثريا الشهري

«هل معك إذن من ولي أمرك بتجديده؟» أول سؤال طرحته عليَّ موظفة الجوازات عند تجديد وثيقة سفري الدولية. لم يكن معي الإذن المطلوب، فأنا لم أعلم بوجوبه، مع أنه مذكور في موقع المديرية العامة للجوازات على الإنترنت كما أُخبرتُ لاحقاً، غير أنني لم أعتقد أن تجديد جواز السفر في حاجة إلى أكثر من صورتين ورسوم التجديد. ولأن تعبيرات الدهشة في ملامحي استفزت الموظفة على ما يبدو وامرأتين معها كانتا على مقربة مني، فقد سئلتُ بسخرية مبطَّنة عن استغرابي غير المبرر من وجهة نظرهن! خصوصاً أنها الأكيد ليست المرة الأولى التي أجدد فيها جواز سفري. معهن بعض الحق وليس كله، فقد جرت العادة أن يتكفل ولي أمري بتجديده، ولم أفكر يوماً في التوجه إلى مبنى الجوازات للقيام بهذه المهمة إلا هذه المرة، على اعتبار أن لكل شيء أول مرة، فإذا بي في مواجهة شروط لا منطق يمنطقها، فإذا كنت الممنوعة من السفر إلا بتصريح ولي أمري، فَلِمَ أمنع من تجديد جواز سفري إلا بإذنه أيضاً؟ وماذا سأفعل بالجواز إن لم يأذن لي بالسفر؟ فإن كان تجديد الجواز هو الخطوة ألِف، والإذن بالسفر هو الخطوة باء، التي لن أعتلي سلم الطائرة في غيابها، فماذا عليكم مني إن قمت بالخطوة ألف بنفسي؟ ولِمَ على وليِّ أمري تحمل عبء كل شيء يخصني وهو يخصني؟ ولمجرد العلم بالشيء، تخبرني صديقتي المقيمة بدبي، أن تجديد رخصة قيادتها استغرق بالتمام دقيقتين ونصف الدقيقة.

حصل أن تعرضْتُ للغش والغبن عند بناء مسكني، فاشتكيت المقاولَ إلى المحكمة، وبسبب تلك القضية اكتسبت خبرتي في التعامل مع الجهات الرسمية، فتعلمت درسي جيداً منذ أول انتقاد سمعته عن وضع صورتي الشخصية التي تحملها البطاقة، وكيف أنني لم أحرص على طمسها بورقة لاصقة. كان بإمكاني أن أجيب ذلك المسؤول المعترض على هويتي الحكومية -وأنا الموشحة كلي بالسواد- عن ثقته المسلّم بها في كوني صاحبة الصورة أصلاً! فجميع من مرّوا بي، من كتاب عدل إلى محكمة عامة إلى هيئة خبراء، لم يهتم أحد منهم بمطابقة وجهي مع صورة البطاقة عن طريق امرأة توظف خصيصاً لهذا الإجراء الأمني المهم والضروري، ناهيك طبعاً عن شرط معرِّفَيْن يشهدان بأنني صاحبة البطاقة التي لم يريا صاحبتها. فمن يُدري الشيخَ أن من يدّعي أنه مَحْرَمي هو محرمي؟ فالمَحْرَم قد يكون ابناً ليست له علاقة باسم عائلتي، وقد يكون خالاً أو أخاً بالرضاعة مثلاً، فهل هذا الذَّكَر الذي يقدّم بطاقته إلى الشيخ هو فعلاً ابن صاحبة البطاقة، أو خالها، أو أخوها بالرضاعة؟ ثم لِمَ شرط المعرِّف والبطاقةُ في يدها؟ ولِمَ استخرجت المرأة السعودية بطاقتها إن لن تفعَّلْ ويُكتفى بها، وبلا استثناء، في الدوائر الرسمية؟ كلٌّ له اجتهاده، فهذا يطمس الصورة وذاك يطالب بالصورة، كمِثْل التي اعتمرت فإذا الشيخ يأمرها في نصف صحن الطواف بتغطية وجهها لأنه فتنة، فما إن خطت بضع خطوات في شوطها حتى خرج عليها آخر ونهرها لأن غطاء الوجه عليه دية، وتحللت المرأة من عمرتها وهي إلى اللحظة لا تدري مصيرها، وهل فعلاً عليها ذنب لأنها كشفت أو دية لأنها غطت، ولما سألت في المسألة كانت الأجوبة مطابقة لما حدث معها في عمرتها: غطي واكشفي، ومن يومها وهي تستفتي قلبها وعلى الله نيتها.
وقد رفعت 14 امرأة من سيدات الأعمال والأكاديميات والمهتمات بالحقوق والشأن العام، خطاباً مطولاً إلى مجلس الشورى في الأمور التي تعاني منها المرأة السعودية في معيشتها اليومية، فلم يعد مقبولاً السكوت عن ظلم المرأة وقهرها بسبب أنظمة وقوانين المفروض أنها وُجدت لتحميها وتمنحها حقوقها، فإذا بها تعوِّقها وتشل حركتها وتنتقص من أهليتها كفرد له حقوقه الكاملة على مجتمعه، وهي لا تعني مساواتها بالرجل، فهذا غير وارد أساساً، ولكنها العدالة، أو الفريضة الغائبة التي تسعى سعوديتنا إلى إقرارها. فهل يُعقل -على سبيل المثال- أن المرأة التي حملت وأنجبت لا تستطيع تسجيل شهادة ميلاد طفلها إلا بولي أمر؟ أو الإبلاغ عن وفاة ذويها إلا بذكر؟ فإن كان الراحل هو الولي، فهل تطلب ورقة من ميت على أنه مات؟ تنص المادة (53) من نظام الأحوال المدنية -كما وضحه الخطاب- على أنه لا يحق للمرأة تسجيل وفاة زوجها أو أحد أقاربها، وإذا لم يوجد رجل في العائلة يتولى الأمرَ الحدثُ البالغ 17 عاماً، أو عمدة الحي أو شيخ القبيلة أو المحافظ، باختصار: أي ذَكَر إلا المرأة. ولأن من الإجحاف اختصار الخطاب الذي صيغ بعناية واهتمام بالغين، في فقرة أو اثنتين، فلا بد لنا من وقفة أخرى معه، فإلى مقالة قادمة…
_____
* الحياة

شاهد أيضاً

ليست مرثيّة لإميل حبيبي

(ثقافات) ليست مرثيّة لإميل حبيبي: الإنسان في جوهره مرزوق الحلبي عندما اتخذ الحزب الشيوعي قرارًا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *