عبد الخالق: العرب يشهدون فواجع لا تتسع لها كل دوواين الرثاء


*وداد جرجس سلوم

غسان عبدالخالق ناقد وأكاديمي أردني تثير سيرته الذاتية إعجاب المهتمين، فهو صاحب مؤلفات في النقد والقصة القصيرة وعضو في العديد من الهيئات الثقافية. له الكثير من المحاضرات والندوات في الفكر النقدي والنقد الفكري وفي أداء وسائل الإعلام. “العرب” التقت غسان عبدالخالق وتحادثت معه حول جملة من القضايا الراهنة.

ابتدأ عبدالخالق حديثه بالقول: “تصعب الكتابة عن الأدب والسياسة دون الفكر الفلسفي لأن الفلسفة هي العمق الإستراتيجي لمعالجة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فالنقد الأدبي خرج من أحضان الفلسفة والتيارات الفكرية (البنيوية – الحداثة وما بعد الحداثة) في الواقع جاءت على هامش الجدل الفكري الفلسفي البحت.
ففي الوطن العربي النقد الأدبي يكاد يكون في منأى عن الفكر الفلسفي وقلة قليلة من المثقفين بشكل عام والنقاد بشكل خاص يستندوا في خطاباتهم إلى العمق الفلسفي المطلوب لأن ليس لديهم المعرفة الفلسفية الكافية وقد يكون هذا أحد أبرز إشكاليات الخطاب النقدي العربي (خطاب شكلاني لا يستند إلى مرتكزات فكرية عميقة)، فالثقافة الاستهلاكية السائدة تغري الكثير من المثقفين بما في ذلك النقاد بالانزلاق إلى سطوح الأشياء ليستسهلوا ترديد مقولات مجانا لأنه ببساطة لا يوجد من يحاسبهم”.
وفيما إذا كان كل ما سبق دفع بالدكتور عبدالخالق إلى الدعوة من أجل تشكيل “حلقة ابن خلدون للنقد الحضاري” بمشاركة العديد من الكتاب والمفكرين العرب والتي كانت فكرتها قد برزت منذ سنوات وعُقدت لقاءات وحوارات عديدة انبثقت عنها مسودة الحلقة كما هي الآن، لكن مشاغل الحياة وتكاليف العيش صرفت المجموعة عن الفكرة إلى أن جاء الربيع العربي وما ترتب عليه من تداعيات فأعاد إطلاق الحلقة، يقول الدكتور إنها “محاولة للإسهام في تشخيص الواقع العربي الراهن اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وثقافياً، استناداً إلى مقدمة ابن خلدون، التي يمكن النظر إليها على أنها المساهمة الفكرية العربية الأولى التي انشغلت بأسباب الأفول وكيفيات التقدم من منظور واقعي نقدي، وحلقة ابن خلدون هي حلقة فكرية مغلقة لكن إنتاجها للجميع من خلال “أزمنة” الناشر المعتمد للحلقة والتي ستضطلع بطباعة وتوزيع ما يصدر عن الحلقة من كراسات وكتب”.
وأضاف: “ساهمت في إنشاء الحلقة من قناعتي بضرورة إعادة تأسيس وبناء كثير من الأسئلة والإجابات بالعودة إلى السؤال الأساسي الذي طرحه ابن خلدون وهو كيف ولماذا تتقدم المجتمعات؟ وكيف ولماذا تنهار؟ فمفكرو عصر النهضة العرب بدءاً من الطهطاوي إلى طه حسين استوعبوا هذه المسألة وجاءت كتاباتهم بوصفها استئنافا للخطاب الخلدوني واستكمالاً للأسئلة التي طرحها ولكن بعد منتصف القرن العشرين حدث انقضاض على شرعية الأسئلة الحضارية فبدلا من أن نتابع مساءلة واقعنا العربي (الصحراوي) بمعنى تصحر الوعي الثقافي والسياسي، تم القيام بمجموعة من الاستعارات المتوالية للتيارات الفكرية الغربية وظهرت لديهم بدائل مثل الليبرالية والماركسية والقومية على الرغم من أهمية ومركزية هذه التيارات والخطابات في السياق التاريخي الغربي وضرورة الإفادة منها في سياقنا التاريخي الخاص.
إلا أن إشكالية الدولة العادلة وإشكالية العلاقة بين السلطة والثقافة وإشكالية العلاقة بين الدين والدنيا لا يمكن تناولها في منأى عن المنظور الحضاري الخلدوني، وقلّة قليلة من المثقفين تدرك أن ابن خلدون ومنذ أكثر من ستة قرون قد كان سبّاقاً في اقتراح صيغة واقعية مدنية تنظم العلاقة بين الثقافي والسياسي وبطبيعة الحال توصّف على نحو جريء ماهية وجوهر مفهوم الدولة”.
• النقد والأخلاق
كان الدكتور عبدالخالق قد نال شهادة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها من كلية الدراسات العليا في الجامعة الأردنية سنة 1996 وكانت بعنوان “الأخلاق في النقد العربي من القرن الثاني حتى القرن السادس الهجري” واختياره لحقبة زمنية بعيدة ولمرتكز أساسي وشائك في النقد ألا وهو الأخلاق أتاح لنا سؤاله عن رأيه في النقد العربي في المرحلة الراهنة فإذا به يقول وبصريح العبارة ودون مقدمات: “بشكل عام لا جماعة الحداثة ولا ما بعد الحداثة ولا المحافظين لديهم عمق فكري، وأجزم بأن هناك فوضى عارمة و تداخل أوراق واجتراء كبيرا على تحطيم المعايير الأساسية ما دام الكل راكنا على سطحية المتلقي وعلى غياب المحاسبة” ويستشهد بأمثلة من حياته وتجربته الشخصية لابد لنا من ذكرها للدلالة على وضع النقد العربي الراهن، “قيّض لي، الدكتور غسان عبد الخالق، إدارة ندوة وتقديم ضيف عربي في إحدى المؤسسات الثقافية المرموقة جاء ليتحدث عن الحداثة في الرواية وإذا به يتحدث عن ما بعد الحداثة ومن واجب اللياقة كمدير للجلسة أن أكون مهادناً لكي لا أتّهم بإهانة الضيف وكانت هذه من المرّات القليلة التي تمنيت فيها أن أكون على مقاعد الحضور لأناقش بحرّية كاملة”.
ويضيف قائلا: “في إحدى المرّات كنت أقدّم برنامجا إذاعيا فكريا واستضفت أحد المؤرخين المرموقين وقبل التسجيل أعطيته نسخة من الأسئلة ليأخذ فكرة، فطلب بإلحاح شديد ورجاء بألا أحرجه بالسؤال عن هنتنغتون وكتابه “صراع الحضارات” لجهله به علماً أن الحوار كان يتركز حول مقولة صراع الحضارات وتفاعلاتها وتداعياتها في الواقع العربي”.
• تجار الشنطة
والوقائع السابقة أتاحت لنا الفرصة لمعرفة رأيه في أداء وسائل الإعلام العربية وعلى وجه الخصوص الفضائيات لما لها من أثر عميق في مناحي حياتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبالتحديد رأيه في الأداء في السنوات الماضية القليلة، سنوات المخاض العسير للمجتمعات العربية، فقال: “أعتقد أن ظهور الإعلامي في الفضائيات كان له دور في تحويل كثير من المثقفين إلى تجار شنطة وباعة سندويشات فكرية متجولين لأن مثل هذه المحطات لديها وصفة استهلاكية للطروحات الفكرية المطلوبة فهي تريد خطابا بسيطا سريعا مثيرا يمكن أن يتكفّل باستقطاب أكبر عدد من المشاهدين وليست معنية على الإطلاق بالإسهام في تقديم مفكرين من الوزن الثقيل والانخراط في تشكيل خطابات فكرية مرموقة، وفي ظني أن هذا أحد أهم أسباب انفضاض المفكرين الحقيقيين عن الدخول في هذا المعترك مثل د.فهمي جدعان وحسن حنفي.
وعليه فإننا إذا أخضعنا المدوّنة الإعلامية لمواضعات النقد الثقافي فسوف نخلص إلى حقيقة مؤدّاها أن هذه المدوّنة ليست أكثر من (شو) عرض استهلاكي تجاري بقطع النظر عن المضمون، بمعنى أن ما يمكن أن يقدمه السياسي على هذه الفضائيات متطابق من حيث المواصفات و الشروط مع ما يمكن أن تقدمه راقصة في ملهى من حيث الجاذبية والإثارة والقدرة على إغواء المشاهد وقصره على تكرار حضور العرض. ومن المؤسف أن المشهد الإعلامي بوصفه المعلم الأبرز في السياق الثقافي أصبح هو المتن فيما تحول الخطاب الثقافي الحقيقي إلى هامش مهجور”.
• الربيع العربي
ويعتبر الناقد عبدالخالق أن “الربيع العربي” مصطلح “أميركي – أوروبي” أطلقه الإعلام الغربي وتلقفه الإعلام العربي دون تحفظ ويضيف: “أتحدث عن واقعة الربيع العربي بوصفها مختبراً يمكن إخضاعه للنقد الثقافي فهو من حيث المصطلح بحاجة ماسّة إلى تحرير، بمعنى أن الإعلام العربي والهوامش الفكرية العربية تلقفت هذا المصطلح (الربيع العربي) على عواهنه رغم المفارقة الكامنة فيه، فالربيع العربي جاء في ذروة الشتاء العربي وذروة البرد، مــع أنه يتحدر من التجربة المؤلمـــة التي خاضها أهل براغ وسميّت في ذلك الوقت ربيع براغ و لم تكن في الواقــع ربيعاً لأنها انتهت بمذبحة قــام بهــا الــرّوس تجاه المواطنين مقابل تنصُّل مخجل لأميركـــا والغرب من مسؤوليَّتهما التاريخية تجــاه هؤلاء الناس وهو مــا يحدث الآن في أكثر من قطر عربيّ حيث لم تدخّر أميركا وسعاً في تحريض الجماهير العربية على الانتفاض ضدّ أنظمتها وما إن حدث ذلك حتى تخلّت أميركا وأوروبا عن مسؤولياتهما الأخلاقية والتاريخية تجاه أقطار الربيــع العــربي ووقفتــا شهرواً عديدة بل وسنوات تتفرّجــان على سيــول الدّمــاء في سـوريا وليبيا واليمن.
وهـا هي الآن تتخلّى عـن حلفائها في مصر وتكتفي بدور المشاهد لشلال الدم في مصر ونافل القول بأن تدخّلهـا العسكـري في لبيبا قد جاء بعد قناعتها التامة بتدميـر كامـل البنية التحتيّة حتى تكون الساحـة الليبية المحروقة مفتوحة تماما لمشاريـع إعادة الإعمار وعمليات السيطرة المنظمة على حقول النفط وهو ما لم يكن وارداً في تـونس لعدم امتـلاكهـا ثروات نفطية ولا في مصر لأن مصر يصعـب جـدا إن لــم يكــن مــن المستحيل التفكير بإعادة استعمارها عسكريا كما هو الحال في ليبيا، أما بخصوص سوريا فهي ومعها أوروبا تنتظران بفارغ الصبــر اللحظة التي سيجهز فيها كل الفـــرقاء المتصــارعين في سوريــا على بعضهم البعض لتدخلا بوصفهمــا المنقــذين المنتظرين ولتشرعا كما حدث في ليبيا في تقسيم حصص المقاولـــة على الشركاء روسيا، تركيا، فرنسا وبريطانيا.
________
*(ميدل إيست أونلاين)

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *