” ليرننغ إنغلش” للروائي اللبناني رشيد الضعيف


نبيل درغوث *

( ثقافات )

يمثل رشيد الضعيف واحدا من أهم أصوات الرواية الحداثيّة العربية. فقد استطاع التخلص من نمط الكتابة التقليدية المحشوة بالبلاغة التي أثقلت الكتابة العربية لتصبح طلاسم وكلام مبهم على المتلقي المعاصر. ليكتب بلغة عادية. روايته “ليرننغ إنغلش”التي افتتحها بخبر وفاة أب الراوي:” لم يكن ينقصني إلا هذا أن يبلغني خبرمقتل والدي بالصدفة بعد يومين من وقوع الحادثة،أي غداة جنازته ودفنه! “. و تذكرنا هذه البداية ببداية رواية ألبار كامو “الغريب” التي افتتحت بخبر وفاة أمّ الراوي .
فقد تمكن الروائي في زمن السرد الممتد من الظهر إلى التاسعة ليلا في 169 صفحة سبر أغوار الحياة الخاصة للشخصية من طفولتها إلى زمن وصول خبر الوفاة. وجاء السرد في كامل الرواية بالضمير المتكلم “الأنا”وهذا الضمير يحيل على الذات المتكلمة التي يتطابق فيها الراوي والشخصية )الراوي=الشخصية( فوقع خبر موت الأب كان له أثرا تراجيديا على الشخصية التي تصدّعت مولدة نزيف مياهها الجوفية لتنعكس صور ماضي الشخصية على الماء الطافح على السطح . فعن طريق تداعي الذكريات شكّل رشيد الضعيف البنية الفنية للرواية التي اتخذت من الحياة الباطنية والذات الفردية بديلا لمعنى الرواية الكلاسكية القائمة على الأحداث والقضايا الكبرى. فضمير المتكلم هو أنسب ضمير للمونولوج الباطني بما هو ضمير بوحي واعترافي يتوغل إلى أعماق النفس ليعرى على صور كانت مندثرة ومدفونة في ركام الماضي ويطفو بها إلى السطح من جديد فقد صارت الرواية أشبه بعملية حفر وتنقيب على تلك الصور الضائعة في اللاشعور.
فأصالة ( Originalité ) الكتابة الروائية هنا تتمثل في قدرتها على توليد تلكالصور الدرامية بخيال عال.
وما يلفت الانتباه أيضا في هذه الرواية عنوانها المهجن “ليرننغإنغلش” والعنوان هو أول عتبة كما هومعلوم نلج منها إلى النص باعتبارها عملية إعلان وإخبار عن موضوع الرواية فعنوان الرواية جاء مركبا من لفظتين مهجنتين من اللغة الإنجليزية ” ليرننغإنغلش”
(LearningEnglish) وتعني في اللغة العربية “تعلم الإنجليزية”.” إذا كانت العناوين كما نعلم تشكل بصفة عامة مفاتيح ترشد إلى الأبواب التي يمكن الدخول منها إلى العالم الذي تعنون” حسب الناقدة يمنى العيد فالقارئ على كامل صفحات الرواية يبحث عن مشروعية هذا العنوان ليجد أن ذكر تعلم الإنجليزية أو ما يحيل عليها جاء عرضيا وعلى هامش القصة الأساسية في كلمات معدودة ومبثوثة في نص الرواية فانقلب العنوان في هذه الرواية عتبة مضلّلة ينتظر منها القارئ كتابا في تعلم الإنجليزية أو رواية تنشغل بهذه المسألة. ويقول رشيد الضعيف في ما يخص عنونة روايته في حوار معه: “إنني أسعى لأن يكون العنوان اسما يميز الرواية عن غيرها لا دعوة للقارئ إلى قراءتها بشكل محدد فالعنوان غالبا ما يكون مضافا إلى الرواية لا جزءا منها العنوان عندي اسم والاسم ليس صفة بل للتمييز.”
*كاتب وناقد تونسي
**رشيد الضعيف “ليرننغ انغلش”-دار الساقي-بيروت 2012

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *