الشجرة الميتة تثمر في أيلول


*عبدالزهـرة زكـــي

* كان لغطٌ ما يحدث

لم يكن يعرف ما الذي يحدث بالضبط
في ذلك النهار
في ذلك المكان،
لكنه جاء..
بقيت عيناه فاغرتين
وبقيت أذناه تسمعان لغطاً لم يعد واضحاً
ثم جاء في أعقابه اثنان
وجاء خمسةٌ
وعشرةٌ جاؤوا
وجاء حشدٌ كبير يتزاحم،
ينظرون بعيونٍ فاغرةٍ
وأفواهٍ مفتوحةٍ
وآذانٍ تسمعُ لغطاً غريباً.
وحين انفضّ عن الحشدِ الغامض،
كانت يداه متشابكتين إلى الخف
وكانت عيناه تلتفتان إلى الوراء فاغرتين،
انفضَّ في إثرِه اثنان
ثم انفضّ سبعةٌ
وانفضَّ الجميعُ..
أيديهم حائرةٌ
وعيونُهم، فاغرة، تحدّق إلى الوراء
وتتسمّعُ آذانُهم إلى لغطٍ لم يعد موجوداً
في ذلك النهار
في ذلك المكان الذي
لم يكونوا يعرفون ما الذي حدث فيه بالضبط.
* اسطورة الفلاح الذي أراد قلع شجرة
الفلاح الذي بقي طويلاً يحفر حوالي شجرة ميتة
أوغل كثيراً ولم يبلغ الجذر بعد
وحتى إذا ما بلغ الجذر
كانت الحفرة قد صارت عميقةً
كانت عميقة جداً
بحيث بقي الفلاح فاغراً فاه وجاحظاً عينيه
وهو يحدّق فيها.
الفلاح،
وقد فُغِر فوه
وجحظتْ عيناه،
وقعَ في الحفرة العميقة،
وقع فيها
فابتلعته الشجرةُ الميتةُ،
فلم تعد ميتةً..
وها هي خلف الحديقة
كلَّ عام
تثمر في أيلول
فلاحين بافواهٍ فاغرة وعيونٍ جاحظة.
* إحـراق الكتــاب
كتابُه الذي لم يحرقْه بعد
ما زال ينظرُ إليه،
وما زال الكتابُ يراقبه،
ويراقبُ زيتاً قربه
وعلبةُ كبريتٍ سقطتْ على الأرض..
كتابُه الصامت مثل هواءٍ لا يمر..
كتابُه الذي يراقبُه
ينظرُ إلى النافذةِ وهي مطبَقةٌ،
وأُسدلت الستائرُ صفراءَ عليها،
وينظر إلى أغصان شجرةِ لا تتحرك خلف النافذة
وإلى طائرٍ نافق تحت الشجرة
ويسمع بندقيةً لا ينقطع صوتُ رصاصِها
على تلّةٍ خلفَ النهر..
كتابُه الذي لم تقلّبه أصابعُ مذ وضعه أمس
ومذ تركه منذ قرون
كتابٌ أبيضُ
وهو صامتٌ ينظر إليه
وإلى ورقة وردٍ يابسة تخرج من الكتاب
لتركدَ أسفل النافذة
بينما الأحرفُ والكلمات والسطور تتسلل منه،
من الكتاب
لتنأى في الهواءِ الذي ما عاد يمرّ
وتنمحي في جثةِ طائرٍ نافقٍ
تحت شجرةٍ لا تتحرك
وهي تتحسّس على جسدِها الميّت
صوتَ رصاصٍ لا ينقطع.
_________
* شاعر من العراق (العالم)

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *