*موفق ملكاوي
رحل عاطف الفراية!
أو هكذا قيل؛ فنحن لم نعد ندرك المسافة الفاصلة بين الواقع وحدود الفانتازيا التي باتت تهيمن على تفاصيل حياتنا.
في الغربة، حيث اختار الإقامة منذ أكثر من خمسة عشرعاما، لفظ صديقنا أنفاسه الأخيرة. مات عاطف بعيدا عن الكرك التي احتضنت خطواته وشقاوته صغيرا وشابا؛ وبعيدا عن شوارع عمان وأرصفتها، حيث اعتاد التشبث بالحياة، وتعلّم فيها أولى أبجديات العشق. رحل بعيدا عن العاصمة التي امتلك فيها عائلة كبيرة من الأصدقاء، ونما فيها مبدعا يمتلك أدواته الكاملة، ورؤيته الخاصة، وحرفه المميز.
لكن الموت سرق هذا المسالم الجميل، الذي كان يلوّن الحياة بحروفه الشفّافة، وكأنما يختص باقتناص المسالمين الجميلين الذين تتزين بهم الحياة، ويترك الأشواك!
في حياته غير الطويلة، شقّ عاطف طريقه في الصخر حين أتى إلى العاصمة قرويا يحمل غبار الرحلة في روحه قبل بدنه.
لم تكن الطريق مفروشة بالورود، في ساحة لا تؤمن بالمبدع المحلي، بينما تكفلت بكثير من المبدعين “الطيارين”، وصرفت على إقاماتهم في الفنادق، وعلى سهراتهم في الملاهي الليلية، وهم الذين شتموا البلد الذي آواهم منذ اللحظة الأولى التي تحصلوا فيها على تأشيرة سفر لبلد آخر.
عاطف الذي عرف الخذلان في بلده، ظل مختلفا على الدوام، حتى إنه لم يتذمر من الطريقة التي عاملته بها مؤسساتنا الثقافية. غير أنه قرر أن يجرب حظه في بلد آخر، علّه يجد فيه ما يبحث عنه؛ التقبل. لذلك، حمل أوراقه وتوجه إلى الإمارات العربية.
منذ ذلك الحين، وإلى قبل أسابيع قليلة، تفنّن عاطف في قطف الجوائز، على المستويين؛ العربي والعالمي.
في الأسبوع الأول من الشهر الحالي، تم الإعلان عن فوزه بالمركز الأول في المسابقة الدولية لنصوص الدراما، عن نصه المسرحي “البحث عن عزيزة سليمان”. كان سعيدا بتلك الخطوة الجديدة التي يثبّتها في بنيان مسيرته الإبداعية التي بدأها العام 1993 بكتابه الشعري “حنجرة غير مستعارة”.
حينها، لا بد أنه وضع في حسبانه مشاريع عديدة لمغامرات إبداعية جديدة، يكشف لنا من خلالها جوانب لم نعرفها بعد عن شخصيته المبدعة.
لا بدّ أنه نظر في المرآة، ورأى شعره الذي أصبح خفيفا ورماديا، فابتسم، وقال: “آن أوان الراحة”. ربما كان يخطط للتريث قليلا بعد أن أصبح في آخر مراحل سن الشباب.
لكن، ما كان يجهله، ونجهله مثله تماما، هو أن الموت يجلس حيث خطوته التالية.
مات عاطف بجلطة قلبية.. ونعيش نحن بغصة الفجيعة المرّة.
__________
*(الغد)