نبيٌّ يشتري منفى


*أحمد بشير العيلة

( ثقافات )

إحنِ غصونَك 
قد أضاع البرتقال نصيبنا في الموت
مات من شوقٍ هناك ولم يكفَّ عن التساقط
مات من ألمٍ بذاكرتي
مات في الناقوس قديساً تفتَّح من بياض الأسئلة
مات في الكفين حسرة
احتموا بقشوره الملقاة في أعلى السحاب
اصنعوا منها نوارسكم وموتوا في المراكب
زمني عصيٌّ كامرأة 
زمني شريطٌ من دخان 
ألقى تحيته على البرقوق في وادٍ قصيّ قرب روحي
احترقتْ محادثة الجياد إلى الجياد
زمني شريط من دخان
دخان عاث في كتبي الكسيرة 
التفَّ حول تصاعدي 
عكس اتجاه الفاتحين
فارتميت على الرصيف بضاعةً أو بائعين بلا شوارع .
مثلي يموت بلا مراسم
وبلا أحد
مثلي يغسِّل نفسه بيديه
مثلي يكفِّن ضفتيه ويعتلي جسراً من الموتى
يمشي بلا عينين نحو المقبرة
وحيداً حيث لا وطن يسير مع الجنازة .
آه ? يا وطني المهم كتمرةٍ
و الأصيل كبيت شعر
زنزانة الدنيا تضيق بقامتي
ألستُ أجدر من يفوز بياسمين في رفح
أو طلقتين على الجليل
ألستُ صوفيّاًَ على أعتاب قرآن التواصل ?
قرب أضرحة الخليل
قدّموني مثلما شئتم لأوردة البلاد
نسيت أضلاعي على رمل المنافي
كل عواصم الدنيا إناء من ضباب
قيِّدوني في رخام صبيةٍ رقصت على قمر بعيد.
باريس عطرٌ لا يفوح
و قاهرة بلا عسلٍ
سأخرِجُ إصبعي منها
و أمضي للدخان
هل صارت الأهرام جزءً من أظافر غيمةٍ
سكنت فولاذ الذاكرة .
فقير من رفاق السوء
أحتاج الشوارع والتهكّم والهوامش
الحديثَ إلى النساء
التندُّرَ والهجاء
أحتاج التفاهة و السخافة و البساطة و السذاجة و البلادة
و تنقصني الشهادة .
يتوضأ الصبح ارتعاشي
ينشق صدري للفتات من الضياء 
رفقاً بصخرٍ قابع في بِرْكة الروح وحيداً
لا نجوم له
لا سماء و لا دماء
و لا تشهد أو جسد
رفقاً بقاعٍ
لا يوسف المخدوع فيه ولا أنا
القِ مآذننا بجُبِّ العابرين
اليوم لا نفرٌ تحطُّ على أذان العصر
لا سرب حمام
عاد هدهدنا بلا سببٍ لغيبته
قطعنا رأس عجلٍ من يد التوارة
فانهمر السحاب على نبيٍّ يشتري منفى
إني رأيتُ حصانه ينسابُ من ثقب الحقائق
فارتقيت صهيله 
ووصلتُ يافا.
آهِ يا يافا
طويل بيت شعري
كم أحتاج من دَرَجٍ لأصعد زهرةً نبتت برِيقِك
كم أحتاج من كلمات 
كي أبني بريقَك.
يافا تحبّ تحيّتي 
فتمرُّ تحت هوائنا
يافا تشيخ على يدي
لتخضَّ ميناء القلق
يافا تحب قيافتي
فأنا صبيٌّ من مسد .
آه يا يافا
قبِّليني واتركي جسدي شهيداً قرب نارك
نام شعري كلّه في قطرةٍ لم ألتقطها
نام بحري فوق أضلاعي
تسرّب في عروقي
فانفلتُّ من الأصابع حيث لا أرضٌ لأقدام السحاب
هيِّئيني لاحمرار الشمس
الحروف تهجَّأت دمنا و غابت في الأناجيل البعيدة
مرَّ صيفٌ كاملٌ من دون ( يونيو ) النرجسيّ
لم أفتقد وجهي بسكين انكساراتي
مرآة السنابل 
فتّتت حَبي على مرأى و مسمع
من قبورٍ في الجوار
لعنة النصر تمؤ على نهار من هزائم.
كنْ صديقي يا تراباً فوق أعتاب الرياح 
وكنْ صديقي يا دمي
لغتي تفرُّ الآن من كونٍ سحيق
تقتفي أثر العصافير التي ذهبت بعيداً 
خلف طلقات موجّهة 
لصدور أطفالي
و كفِّي 
محض يابسة على مرمى الدماء
و محض قافية تقدُّ من البكاء
فأيُّ أزهار تروم مساحتي
و أنا الفتى الصخريُّ
أركض دون شِعرٍ فوق ماء مالحٍ
صنعتْه بلقيس حساءً للرياح
أركضُ
في مهجتي دهرٌ من النزف المهاجر
ألتفُّ في رئة الطقوس
يهتاج قومٌ من شعير الحضرة الأفقية الأنوار
اجتاحني زبدٌ من الفخّار ظهر تراجع أبديّ .
عُدْ لشعري يا غديراً فوق جلباب الترابِ
و يا قميصاً أزرق الكونين
خلعته حواء اشتهاءً 
فارتقى في الجوِّ عشقاً و سماء
عُدْ لشعري يا غديري
يا سراباً كاملاً من أصدقاء .
__________
* شاعر من فلسطين 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *