كوثرالزعبي توقع ديوانها الشعري الأول ” وسوسة قمر “


( ثقافات )



بالتعاون مع المركز الثقافي العربي ودار فضاءات للنشر والتوزيع أقيم يوم الأربعاء الموافق 4/9/2013 في عمان حفل توقيع المجموعة الشعرية الأولى للشاعرة الأردنية كوثر الزعبي، قدم خلالها الكاتب كايد هاشم إضاءة أشبه بالشهادة حول تجربة الشاعرة في ديوانها ” وسوسة قمر” جاء فيها: إن الطبيعة الحاضرة والغالبة على مساحة ستة وأربعين نصًا شعريًا “وسوسة قمر” تُختَزَل صورًا للبيئة/ الموطن الذي تنتم إليه الشاعرة، ولا سيما في القصائد التي يتفجُّر فيها الحنين إلى زمنٍ له معنىً خاص في ضمير الشاعرة، وتستخدم له أحيانًا رمز الأب الحاني والحامي، مصدر الصبر والحكمة. تقول في أول قصائد المجموعة “خارطة” 
جبلٌ .. 
يأمرهم بالصبرِ وعمامتُهُ .. الثلجيّة
(في إشارة إلى جبل الشيخ)
لم تزحزح من ملامحه .. قيد نظرة
والحنين أيضًا عند الشاعرة كوثر حالة اشتباك ومواجهة وانعتاق إلى الأمام، وليست محض اشتباكٍ بالماضي، أو عملية تراجع وهروب إلى الوراء، بل إن الشعور بالحنين يستفزّ استقواء الفكرة لديها للحيلولة دون التشبث بالماضي على ضعف وانكسار. الحنين هنا دفقٌ مانحٌ لقوة الأمل في المواجهة، وإن جاء على ما يشبه الشفق الحزين، الذي لا يحجب زُرقة السماء واتساع فضاء الحريّة والتماع نجومِها:

أيتها .. المتشبثة بالشمال
أيتها الطيور
لا تنظري خلفك
وإنْ حضرَ إليكِ وبيدهِ شكيمة الريح

اما عن الأطر المرجعية لتجربة الشاعرة فيقول: ويستند الإطار المرجعي لتجربة الشاعرة إلى أمرين الأوّل، أن الشاعرة كوثر الزعبي هي ابنة بيئة ريفيّة زراعيّة أصلاً، فعَلاقتُها بالطبيعة والطبيعة الكونيّة عَلاقة امتزاج غير مصطنعة بجماليات الريف، ومُعجمها الشعريّ حافلٌ بالتعبيرات ذات الدلالات على البيئة ومخزونها من الرموز، بما في ذلك الرموز التراثية الشعبيّة (مثل: الغَيم الشارد، شكيمة الريح، وأنين الريح، عَبقُ البساتين، القطاف البكور، حنين الفراشات، مدامع أوكاري، غلَّة سحابتي، سُرى الليل، عناقيد منسيّة، خريرُ غدران، ونذُور الغصون … إلخ). أما الأمر الثاني، فهذا التناغم، في نصوص متعددة، بين الحالةِ الشعوريّة الداخليّة وحركات الطبيعة الكونية الخارجية، الذي تبدو فيه محاولة الشاعرة إحكام الإمساك بقوّة الشعور، لتصل بها أحيانًا إلى محاورة الطبيعة، أو الاندغام في حركتها لتصبح جزءًا منها، أو بالعكس في أحيان أخرى؛ حين تستحضر حركات الطبيعة لتجعلها إيقاعًا لتموجات الشعور، كما في قصيدة “أظلُّ أتذكَّر” (ص101).

اما الشاعر والناقد محمد سلام جميعان فقد قرأ ورقة نقدية اضاءت عوالم النصوص وألقت الضوء على تجربة الشاعرة حيث قال فيها: 
ثمة قصيدة يتمناها قارئها وأخرى يتمناها مبدعها ،وما بين الرغبة والتمنِّي مسافةٌ زمنية ونفسية . لهذا كثيراً ما يردِّد الشعراءُ أنّ أجمل قصائدهم هي التي لم يكتبوها بعد . ومن خزائن الذاكرة المتحفِّزة، تشكِّل الشاعرةُ كوثر الزعبي قصيدَتها على نحو يقرِّب بين الرغبة والأمنية ، حتى تغدو المسافة ببعديها الزمني والنفسي أقرب إلى التحقُّق في ملعب الإبداع الشعري بما فيه من حياة ولغة ، امتزجتا على نحو يَشعرُ معه قارئُ قصيدتها أنها مخلصة لمشروعها الشعري بما ينطوي عليه من ولادة وتجدد، كونها تمثل حالة شعرية متجددة، سواء على مستوى واقع التجربة أو طموحها ، فهي لم تعد تكتفي بالبقاء على ضفاف التجربة ، بل هجرت سواحلها لتدخل في لجَّة الشعر ، وتجعله ميداناً لسباحتها الشعرية غيرَ هيَّابة أو وجِلٍة ، وهو الأمر الذي يجعلني أولاً وآخيراً أعوّل على مستقبلها الشعري. وأولُ ما يلفت في تجربتها الجديدة هذه في ديوان: “وسوسة قمر” الاستغراق اللامحدود بأنفاس قصيدتها ، حتى إنها تدخل في فلسفة الشعر والحياة معاً، دون أن تنتاب قصيدَتَها علل البناء الشعري ، أو تتقلَّص مساحةُ اللغة عن مساحة الانفعال ، إنها تمتلك طاقة إيهامية عالية تغرف من مخيلة خصبة من الصور التي لا تدور حول نفسها ، بل تحفل بسلسلة من المغامرات التخييلية التي تمزج ما بين الفلسفة والشعر ،على أساس راسخٍ من المسؤولية والبصيرة ، وهي مسألة تنمُّ عن وعي متقدم بما يدور في الساحة النقدية والشعرية من جدل حول الحداثة والتقليد، وبخاصة ما يتعلق بقصيدة النثر التي تكتبها الشاعرة كوثر الزعبي بمهارة عالية، إذ تنماز قصيدتها باستدخال التفاصيل في البنية الرئيسية للموضوع الذي تتحدث عنه، وهذه التفاصيل ليست زينة شكلية ،أو استقصاءات عبثية ، بل هي مُمهِدات تنمُّ عن خبرة و ثقافة في تحويل ما هو وجداني خالص وإخراجه من خصوصيته الذاتية والزمنية ، ليكون أكثر إقتراباً من الإحساس الإنساني العام تجاه قضية الحب وتنائي المحبوب ولوعات خسرانها،وبالتالي انهيار الحلم بعالم جميل، وتشظّي الذات وتمزُّقها على نحو ما نجده في هذا الديوان ، حيث يتحول التساؤل للذات إلى تساؤل للوجود وعنه. ومما يلفت النظر في هذا الديوان ، الأداءُ الفني والتعبيري المتدفق؛ إذ نلحظ في كل قصيدة فكرةً جديدة وبناءً لغوياً خاصاً لا نجده في أي قصيدة أخرى ، فكل قصيدة تبوح بمعجمها اللغوي الخاص بها ، وهو الأمر الذي عمَّق أبعاد رؤية موضوعاته الوجدانية ، وجعلها أكثر تركيزاً وتكثيفاً وإيحاءً ،وجعل التعبير عنها في كل مرة مشحوناً بالتوتر الانفعالي الذي شحن الصورة الشعرية بمعادلات نفسية ، أضفت على قصائده أفقاً مفتوحاً للتأمُّل والاستذكار.
للوهلة الأولى ، يبدو هذا العمل الشعري ( وسوسة قمر) صادماً لشهوة القراءة ، وعائقاً أمام رغبات المتعة الشعرية المرجوّة ، ما يشكّل في المآل الأخير صعوبة في القبض على تحوّلات النص وحضوره المهيمن على الذاكرة والوجدان، ولكنه في المقابل يطرح ثيمات تسمح بالتفاعل بين سياقات الحياة والخطاب المعرفي ، وبهذا يكون المنجى الوحيد للخلاص من انغلاق النص على نفسه هو قراءة هذه النصوص من خلال إدراك العلاقات الداخلية المتمثلة في اللغة وربطها بالعلاقات الخارجية الممثِلة للواقع . فاللغة فيه ذات طابع حلمي تأملي يتشابك مع الغائب الحاضر بفتنته وغوايته ، المعبَّر عنه بألفاظ وتعبيرات تومئ إلى الوجود بما فيه من الالتباس المعبّأ بالشجن والغياب النفسي والمادي ، وهو ما أجّج الحالة وأوصل الأشواق الطافحة لأن يتحول النص إلى شكل من أشكال النجوى المكبوتة ، المباح بها لداخل الذات. فالخطاب الشعري في هذا الديوان يتراسل عبر تنويعات بنائية تتباين في امتداداتها وأطوالها، كما تتباين في إيقاعاتها تبعاً لحالة النجوى والبوح ودرجات الشهيق والزفير التي تحياها الذات ، فبدا أن كل نص في القصيدة الواحدة محكوم بإطار مكاني وزماني ونفسي مستقل ، ولكنه في الوقت نفسه يرتبط بالنص اللاحق في علاقة تراكمية شعورية قوامها الترميزات اللغوية القائمة في مجموع الديوان على تمازج العلاقة الجدلية بين اللغة والمعنى ، والاستغراق في قراء هذه النصوص الشعرية التي أبدعتها كوثر الزعبي يطرح سؤالاً يتصل بطبيعة الوعي الشعري الذي كتبت فيه، ومدى خضوع هذا الوعي لاشتراطات لحظة الكتابة وتدفقاتها أو عصيانها، في التعبير عن الذات المملوءة بالألم والمعاناة النفسية والمكابدة والوحشة المتعطشة للآخر حين يكون في أقاصي الذات أو قريباً منها ، ما ينعكس أخيراً على الطبيعة الوجدانية والعقلية التي أنتجت هذه النصوص.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *