*
تعتزم الفنّانة الأوبراليّة الفلسطينيّة أميمة الخليل تقديم “أنشودة المطر” للشاعر العراقيّ الراحل بدر شاكر السيّاب، في عمل سيمفوني كلاسيكيّ جديد من تأليف الموسيقي اللبناني عبد الله المصري.
وبانجاز العمل سيصبح بمقدور معجبي الخليل، سماع هذه القصيدة، بعد أن سمعوا قصائد كثيرة بصوتها من أهمّها “أحمد الزعتر” لمحمود درويش، “طفلٌ يكتبُ فوق جدار” لسميح القاسم، و “قالوا مشت..” لأدونيس، إذ تشير الخليل إلى أنّ “أغنية (مطر) من أهمّ الخطوات أو المحطّات في حياتي الموسيقيّة، على صعيد قوّة التعبير الدراماتيكي فيها، بما يتناسب مع الكتابة الموسيقيّة وما تتطلّبه”، وأضافت: “أهدي العرض العالميّ الأوّل إلى معلمي النبرة الأولى، معلّمي تلقّف الوعي الأوّل والقراءة الأولى في الأعماق. إلى صديقـي مارسـيل خليفة”.
و تعدّ قصيدة «أنشودة المطر»، التي ملأت الدنيا وشغلت الناس في وقتها وما بعد وقتها، من المفاصل المهمّة في الشعر العربيّ الحديث. وهي قصيدة تفعيليّة على تفعيلة بحر الرجز، واستدعى شكلها دراسات لا تحصى وقتها، لأنّه كان يعدّ جديداً بشكل ما. وقد لحّنت قصيدة «أنشودة المطر» كشكل موسيقيّ سيمفوني يتألف من ثلاث حركات، وفي المنطق المتعارف عليه للكتابة الموسيقيّة، نادراً ما يُكتب عمل سيمفونيّ أوركسترالي لصوتٍ ليس أوبرالياً، كما هو صوت الخليل. وسجّل العمل في موسكو الشتاءَ الماضي، مع فرقة The state symphony cappella of Russia، بقيادة فنّان الشعب الروسيّ فاليري بوليانسكي، ولحّنت القصيدة من مطلعها وصولاً إلى المقطع الذي يقول فيه الشاعر قبيل إنهاء قصيدته: «يا خليجُ يا واهبَ المحارّ والرّدى»، على أن يتوافر الألبوم في الأسواق في الخريف المقبل.
يُظهر العمل تعبيرات صوتيّة جديدة في المساحة الصوتية للخليل، على نحوٍ مغاير للنبرات الموسيقيّة التي كانت تؤدّيها مع الملحّن الموسيقي اللبناني مارسيل خليفة، وقد اختار الملحّن المصري القصيدة لما وجده فيها من وجدان إنسانيّ عامّ، يبدأ بخصوصية الشاعر وبلده العراق، ويصل إلى من تُهمّه لغة القصيدة وما فيها من تعبير عن المأساة والوجدان الإنساني.
مدّة العمل «35 دقيقة»، تبدأ الحركة الأولى، وهي أطول الحركات (15 دقيقة)، مع إبراز الإيقاع التراجيدي للكلمات، وأخذ موسيقى الآلات الكثيرة إلى عمق العبارة الشعريّة، وإزاحة المعنى الغزليّ إلى التراجيديا، في حين تراوغ آلة البيانو بصوتها النصَّ الشعري في صخبها وعلوّها… وفي هذه الحركة يطرح التصعيد الصوتي الموسيقي بعيداً من الكلمات، كأنّه يحبسها لتخرج دفعةً واحدة، وهنا تظهر القصيدة كما لو أنّها قصيدة الحبّ القاسي والوحشي. إلاّ أنّ صوت الخليل يجنح إلى الحيّز الأوبرالي في مقاطع عدّة، مع تصاعدات الموسيقى الحسيّة والتعبيريّة. وتتخلّى الخليل في الحركة الأولى عن رتابتها كمُغنّية صولو، لتتعمّق في الأداء الكلاسيكي، الذي يُبرز الكلمات بسطوة عارمة، مع أكثر من طبقة صوتية للآلات الأوركسترالية. أمّا البيانو، فينفرد بمساحة الفراغ الصوتي بين الصراعات الموسيقيّة، من هنا، يطرح هذا العمل تساؤلاً بشأن عدم استفادة الغناء الأوبرالي من الأرشيف الشعريّ العربيّ.
الحركة الثانية (10 دقائق)، تبدأ مـع المقطع الشعريّ: «تثاءب المساء والغيوم مـا تزالْ/ تسـحّ ما تسحّ من دموعها الثقال»، وتُعَدُّ هذه الحركة عقـدةَ الـعمـل دراميّاً، وفيها التصوير الموسـيقـي العلـني، في معزل عن الكلمات التي تأتي فجـأةً مع نسج موسيقيّ يعتمد على ذاكرة المقاطع الشعريّة السابقة، وكأنّها عملية تَثاؤب شعري موسيقي كما في الجملة الشعرية المُغنّاة: «كأنَّ طفلاً بات يهذي قبل أن ينام»، وفي هذه الحركة تتراءى الرِّقّة الكلامية، مع بطء موسيقيٍّ في نهاية الحركة.
وتباشر الحركة الثالثة (10 دقائق) تشخيصها الموسيقي من المقطع الشعري: «أتعلمين أيَّ حُزْنٍ يبعث المطر؟». لا يتدخل المؤلف المصري في إيقاع الكلمات الداخلي، وعلى العكس، يعيد البيانو، مع عزف خليفة، وقع الكلمات المُغنّاة بحُريّة أكبر، ليصير البيانو كما لو أنّه الأنا الداخلية للصوت، فيُقام حوار بين الصوت بصورته الشعريّة وصوت البيانو الفَرِح والطفولي، والذي يُمثِّل الأنا المرتدة من القصيدة.
_______
*وكالات