*ديانا أيوب – دبي
تتميز مسيرة الفنان الإماراتي مطر بن لاحج بعشق صاحبها للنحت، إذ أوجد من خلال أعماله الأخيرة مكانة خاصة للستانليس ستيل، ليقدم رؤيته للحركة، ويغير بذلك مفهوم الثبات مع أكثر المواد صلابة. تلك الحركة يجعلها بن لاحج تبدو كأنها في حالة تدفق، فيقود المتلقي الى دخول عمق العمل، ليلمس الانسيابية في التركيب من خلال الخط المنحوت الذي يبرز جماليات الحرف العربي من جهة، ويبدو كأنه تدفق لمياه جارية من جهة أخرى. وتختصر منحوتتان معروضتان في دبي مول، الأولى «أقمار الغفران» في ركن الأزياء، والثانية «انبعاث اللغة» في مدخل السوق، اتجاه بن لاحج الذي يعيش حكاية خاصة مع الفن التركيبي.
خامات
تحمل المنحوتة الأولى عنوان «أقمار الغفران»، وتتكون من تسع حلقات تجسد المراحل التي يمر بها القمر، يبدأ فيها بن لاحج بالبرونز لينهي العمل عبر الحلقة التاسعة بالذهب، ما يمنح العمل بعدا جماليا يفرضه التنوع في ألوان الخامة.
«أقمار الغفران»، التي يصل طولها إلى 12 مترا، تجسد اهتمام بن لاحج بالكتلة والبناء في الفراغ، وكذلك علاقته بالزمن، إذ يربط الحلقات ببعضها بعضاً من خلال الحروف، فتتكون على شكل أسلاك متعرجة تكتسب شكلها ومدى سماكتها من المرحلة التي يجسدها القمر في الحلقة. ويمثل كل جزء من هذه الحروف المتناثرة جزءا من سورة الإخلاص التي اختارها بن لاحج للعمل لارتباط العمل بشهر الغفران، فيجده المتلقي يفرض عليه تتبع حالات القمر كاملة. أما العمق الذي تجسده المنحوتة عبر مراحل القمر، فبرز من رمزية الحلقات التسع، إذ تشكل الحروف المتطايرة من داخلها أعمال الإنسان، وكل مرحلة من مراحل انفراج القمر حتى الاكتمال، وفي الختام يأتي الذهب نتيجة للعمل الإيجابي للإنسان، وهو عطاء الخالق لكل من ينتهج الاستقامة في حياته.
يذكر أن سورة الإخلاص تشكل مفصلا في حياة بن لاحج الفنية، إذ سبق له أن قدم عملا في معرض أيام التصميم في دبي، مستوحى من آياتها، وكان عبارة عن مرآة تتدلى من السقف حتى تتمازج في النهاية مع الأثاث في الغرفة.
جريان
العمل الثاني، الذي يحمل عنوان «انبعاث اللغة»، الذي يقارب طوله الأمتار الثلاثة، يعمل فيه بن لاحج على الحروف التي تبدو كأنها عبارة عن جريان للمياه التي تمشي في الاسطوانات، وترتفع بعكس جاذبية الأرض، هذا الاستخدام للحروف الجارية يأخذ رونقه وسط الحلقات المعدنية، التي تتداخل فوق بعضها بعضاً، لتشكل البنية الأساسية للعمل، والتي بدورها أيضا منقوشة بحروف الخط العربي.
هذا الاهتمام الذي يوليه بن لاحج للخط العربي في أعماله ليس جديدا، فقد سبق أن قدم معرضا تحت عنوان «لغة تنعى نفسها»، كما أنه حين عمل على تصميم برج خليفة في المزاد الخيري الذي أقامه غاليري «آرا»، حرص حينها على إدخال الحروف على البرج، من خلال تداخلها مع مادة الاسمنت الممزوجة مع الأكريليك الأبيض، ليمنح البرج ملامح الصحراء، وكذلك تعبيره عن الهوية العربية.
تجربة مع الإيحاء
مطر بن لاحج، من جهته، قال إن «تجربتي مع التجسيد الإيحائي بدأت منذ خمس سنوات، إذ اعتمدت على الأسلوب التركيبي، الذي يعتبر من الأساليب المعقدة في الفن والنحت، كونه يعتمد على منهج التصميم، وتوزيع المجالات المتعددة من حيث النوع والأداء». ورأى أن انتهاج الحركة والانتقال البصري الإجباري، الذي يفرضه على المتلقي، هو الأسلوب الذي اتبعه في السنوات الأخيرة، وقد توصل بعد الكثير من التجارب إلى نتائج منحته الخصوصية في النحت، إذ أصبحت هذه الفئة من الأعمال خاصة به.
ولفت الفنان الإماراتي إلى أن تركيزه على فلسفة الاستدراج، وعوامل المفاجأة البصرية، من الأمور التي تحفز البصر للبحث عن مواقع الإبداع في العمل الفني، الأمر الذي يجعل المشاهد يقف أمام العمل ليعرف تفاصيله ويفسره.
وأرجع اهتمامه بفن الخط العربي، إلى أنه «يعد من الفنون الخالدة، لارتباطه بالقرآن الكريم بالدرجة الأولى، لهذا أرى أنه من البديهي أن يحظى باهتمام شديد، لكن من الضروري أن يهتم الفنان بتطويره، لذا من المهم البحث عن أساليب وخامات جديدة، وكذلك فلسفة إبداعية وطرق عرض مختلفة، إذ قد تحمل التجارب اجتهادات متفرقة، لا تنضوي تحت مبدأ الابتكار، وخلق عالم متطور لفن الخط».
_______
*(الإمارات اليوم)