إصدارات جديدة: ” يحدث تحت سماء تشرين ” لرانية الجعبري


(ثقافات)

في العام 2013 أصبح “تشرين” ذو بعد سياسي لدى الأردنيين نظراً لـ “هبّة تشرين”، التي انتفضت فيها المدن الأردنية احتجاجا على قرار رفع الأسعار، لكن “تشرين” في هذه المجموعة التي كتبتها الصحافية والقاصة رانية الجعبري تؤشر لقضية الخلاف بين السلطة والشعب من زاوية أخرى دون أن تجافي السياسة. ففي قصة “يحدث تحت سماء تشرين” استخدمت الكاتبة “تشرين” رمزا للسماء غير مستقرة الأجواء، وأضاءت بالعلاقة العاطفية التي جمعت بين الصحافية والموظف في إحدى الوزارات جانبا من الصراع العميق الجاري بين السلطة والصحافة في الأردن، واتخذت المجموعة الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر (2013) عنوانها من هذه القصة وكأنها تشي بما يشغل بال كاتبتها وبما شكل هاجسها في الأعوام الماضية.

تنوعت مواضيع المجموعة القصصية التي تضم أحد عشر قصة قصيرة، بين السياسة والحب، وفي هذا السياق يتحدث الأديب والناقد هشام عودة في تقديمه للكتاب قائلا ” تقدم لنا القاصة وجبة كاملة الوعي والمهارة، قطفتها من يومياتنا، وجبة مبللة بالمطر في معظم محطاتها، ليكون هذا المطر قادراً على إنبات ربيعنا الذي ننتظره، ربيعنا نحن الذي نصنعه بأيدينا بعد أن خابت كل ظنوننا بربيع لا يحمل سمات أهلنا، ربيع سرقه منا الغزاة قبل أن يثمر حرية انتظرناها أجيالا”.
تتنقل الجعبري في قصصها بأماكن عمانية اعتاد الجيل الشاب على رؤيتها بعين تغاير الآباء، فجبل اللويبدة الذي كان حيا سكنيا راقيا في خمسينيات القرن الماضي، أصبح ناديا لكثير من الشباب الساعين للهروب من تمدن “عمان الغربية” الشكلي، وكذلك الحال في جبل عمان ووسط البلد، تهرب من عمّان المصطنعة إلى الزمن الجميل المتمثل في هذه الأماكن.
هنالك تروي شيئا من علاقات حب عاشها ويعيشها أبناء جيلها، من دون أن نعدم ظلال السياسة التي تلوح بإيقاعاتها المختلفة من خلف ستارة القصة الشفيفة. لكن في قصتين “كلمة حب” و”أمل” بدا الحب خالصا من أي إسقاطات، صافيا إلا من عذابه أو إيقاع الانتظار المرهق.
بينما انسابت الإسقاطات السياسية في باقي القصص، حاملة الهم الذي لم يشغل الكاتبة وحدها طيلة السنوات الماضية، بل جيل بأكمله وجد نفسه في ميادين التحرير يطالب بالحرية، وبعد أشهر وقف أمام استحقاق الوعي السياسي والفكري والاقتصادي، ووجد نفسه مطالبا بالإجابة على كل أسئلة الحضارة دفعة واحدة. 
وغير بعيد عن مهنة القاصة تأتي قصة “الغريبة” التي دخلت عبرها الكاتبة لأحد بيوت الصحافيين الكبار، وحاولت استشعار حجم “خيانة الكلمة” التي يقترفها صحافيون وكتاب مقابل بعض الامتيازات عبر ابنته الناشطة في الحراك الشعبي.
وفي صلب السياسة تقترب في “قبضة أمنية” أكثر من مشاعر ضابط أمني، اكتشف ليلة اعتصام 24 آذار أن قبضته هذه تشوه حياته، وتحبسه عن حياة رقيقة لم يحياها، ليقضي وقته متمنيا لمس كف زوجته برقة، زاهدا بلذة تمكنه من جسدها أمام رقة لمس كفها، ليدخله مشهد لأحد الشباب المعتصمين مع حبيبته في عالم مشاعر لم يألفها في حياته.
كما تطرقت للثنائية الفلسطينية الأردنية في قصتي “معا على جبهة الحب والأمل” و”حب على ضفتي نهر الأردن”، ففي الأولى جعلت من يوم سقوط حسني مبارك، ومن احتفال الأردنيين بأطيافهم كافة أمام السفارة المصرية، يوما يوطد علاقة حب نمت بين فلسطينية وأردني، مع التنبيه لدلالات دور مصر في ترسيخ العروبة خمسينيات وستينيات القرن الماضي. بينما في الثانية ترصد مشاعر “أردنية من أصول فلسطينية” وهي تتنبه إلى أن علاقتها في البلد التي ربتها “الأردن” أضحت مثار جدل بين السياسيين في البلد، لتستيقظ على جرح في روحها يشدها نحو حبيبها الذي يعيش غرب النهر.
ترافق – كما أشرنا – السياسة قارئ المجموعة، ففي “أوضة منسية” المستوحى عنوانها من أغنية للسيدة فيروز، تجمع الكاتبة قياديا من حركة حماس مع ناشطة من شبيبة فتح، في “أوضة منسية” قريبة من الفلسطينيين وبعيدة عن أعينهم في ذات الوقت، تماما كمحبتهم وسط انقسامهم، وهنالك ترسم ملامح علاقة حب، تتجمد أمام حاجز الوقت، لتسير محبة أبناء الشعب الواحد في نفق طويل، كأنفاق غزة.
في النهاية تقدم الجعبري بين دفتي مجموعتها الواقعة في 144 صفحة، من القطع المتوسط ، جُلّ ما فكر به شباب هذا الجيل خلال الأعوام الماضية في لجة أحداث تصنع مستقبلهم ومستقبل أبنائهم. 

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *