منيرة شريح
( ثقافات )
تصعد الدرج وعيناها مسمرتان على خطواتها درجة درجة عندما ارتطم بصرها بغتة بقدمين عاريتين لرجل .. قدمان نحيلتان بأصابع طويلة تكسو مفاصلها شعيرات خفيفة ولها أظافر مقصوصة نظيفة . بدا لها الأمر مربكاً للحظة .. رفعت عينيها الى الأعلى فالتقت بعينين خضراوين واسعتين تطل منهما اشراقة حلوة . بادرها بالتحية , ابتسمت وهي ترد عليه , كان ما يزال محتفظاً بأناقة العمل . قمصياً فستقي اللون مكوياً وربطة عنق مخططة وبنطالا بني اللون وله حزام جلدي أسود . إنه جارها الذي يشغل الشقة المجاورة في الطابق الثالث
كان قد نسي شيئا في سيارته وخرج لكي يحضره . تابعت طريقها الى شقتها
وصورة القدمين العاريتين المثيرتين لم تغادرا مخيلتها بعد . في الحقيقة هو جار لطيف جدا في اواخر الثلاثينات من العمر يحب أن يودع زوجته دائما بقبلة رقيقة عند عتبة الشقة , ورجل شهم أيضا فقد أسرع ذات مرة اليها وحمل عنها أكياس المشتربات وأوصلهم الى باب شقتها فوجدت أنه من اللائق أن تسأله كي يبلغ تحياتها الى زوجته عندما فوجئت بأنه غير متزوج . لاتدري لماذا بعد ذلك أصبحت تفكر بتلك الصدف العجيبة التي تجمعها به عند الدرج حافياً كان أم ينتعل حذاءه . ولكنها ذات يوم لم تجد شيئاً تقوله بعد أن حياها فسألته عن طبيعة عمله عندها تهللت أسارير وجهه وازدادت ابتسامته اتساعا وهو يسهب في الشرح عن عمله في شركة استثمار للمال في البورصة .
في الواقع هي لم تكن لديها أية فكرة عن الموضوع الذي يتحدث به باستثناء ذلك الجدول البياني والخطوط الطويلة التي تهبط عند نقطة معينة لتعود وترتفع عند نقطة أخرى والتي تتابع مسيرتها بملل بعد نشرة الأخبار . بعد أن تحدث عن اسهم الشركات التي ترتفع حينا وتنخفض حينا آخر. ولكن ليس دفعة واحدة فما أن تنخفض اسهم هذه حتى نجد بالمقابل أن شركة أخرى قد ارتفعت أسهمها , الشركات التي تحافظ على اسهمها دون انخفاض تلك التي تبيع المنتوجات الخاصة بالأطفال فهؤلاء لا يستغنون عن الحليب أو الحفاظات وغيرها . بدا لها الأمر مثيراً بالفعل , فابتسم لها مشجعاً وهو يشرح لها أن خمسة ألاف دولار قد تعطي دخلا جيدا إن تمّ استثمارها لمدة سنة كاملة . وماذا إن حدث هبوط في اسعار الأسهم ؟. ألا يخسر المرء عندها نقوده تساءلت ببراءة شديدة .
الخسارة تكون بالأرباح وليس بأصل الملبغ المستثمر . يا لها من فكرة مدهشة , وبما أنه جار شهم قالت ببراءة شديدة أيضا .: هل تسلفني خمسة آلاف دولار وتشغلها لي في البورصة وأنا سأسددها لك بعد ستة أشهر فقط
بعد أن حملق بها بعينين مفتوحتين على آخرهما ولسان عقدته الدهشة ابتسم ابتسامة غامضة ثم حيياها وانصرف . بعد اختفاء شهر كامل لجارها فوجئت ذات يوم بشاحنة نقل كبيرة تقف أمام البناية , لقد كان جارها يرحل
* قاصة من الأردن تعيش في اميركا