ماركيز: الكُتاب ليسوا موجود ين في العالم من أجل أن يتوجوا



* خلود الفلاح

(ثقافات) 

في هذا الكتاب “ما جئتُ لإلقاء خطبة”، ترجمة: أحمد عبد اللطيف_ الطبعة الأولى_2011 ، يقدم الكاتب الكولومبي جابرييل جارثيا ماركيز مجموعة من الخطب التي قدمها أمام جمهور مختلف في مناسبات عدة وفي دول مختلفة من العالم تعكس وجهة نظره اتجاه بعض الأشخاص والمواقف، الكتاب متعة في عالم كاتب كبير، بداية من الخطبة التي كتبها في سن السابعة عشر من عمره لتوديع زملائه في الصف الأكبر منه عام 1944، ونهاية بالخطبة التي قرأها أمام أكاديمية اللغة وملوك إسبانيا عام 2007. 
بعد عشر سنوات من العمل الكتابي فاز ماركيز بجائزة نوبل للآداب ووجد نفسه أمام الضرورة الملحة لكتابة أهم خطبة من الممكن أن يواجهها كاتب في حياته، ومنذ ذلك الحين صارت الخطابة أساسية في مشواره ككاتب وحاصد للجوائز. 
كيف بدأت الكتابة؟ 
في هذه الخطبة يعترف ماركيز أنه لا يستطيع التحدث واقفا، مضيفا “لو نهضتُ سأضع نفسي في مغامرة السقوط من فرط الرهبة”، وذلك لأنه يعتقد أن أصعب خمس دقائق في حياته سيقضيها وهو راكب طائرة أو متحدث أمام 20 أو 30 شخصا، وليس أمام 200 صديق كما في هذه الخطبة. وعن هذه الخطبة قال:أعترف أنني فعلت كل ما بوسعي لكيلا أحضر هذا المؤتمر، حاولت أن امرض. فعلت ما يسبب لي التهابا رئوياً، ذهبت للحلاق على أمل أن يذبحني، وفي النهاية خطرت ببالي فكرة الحضور بدون بذلة ولا كرافت حتى لا يسمحوا لي بالدخول لمؤتمر رسمي، لكنني نسيت أنني في فنزويلا، حيث يمكن الدخول إلى أي مكان بالقميص والنتيجة أنا هنا دون أن أعرف من أين أبدأ”. 
حكاية مائة عام من العزلة
لم يخطر ببال ماركيز أنه من الممكن أن يكون كاتباً، لكن أثناء فترة الدراسة قرأ مقالا لمدير الملحق الأدبي بجريدة الإسبيكتادورببوجوتا يقول فيه أن الأجيال الجديدة من الكُتاب الشباب لا تقدم شيئا وعن ذلك قال ماركيز” حركني حينئذ شعور بالتضامن مع أبناء جيلي وحللت المشكلة بكتابة قصة قصيرة ليس إلا لإغلاق فم إدواردو ثالاميا بوردا “مدير الملحق” الذي كان صديقاً عزيزاً لي أو على الأقل صار كذلك بعدها، وفي يوم الأحد عندما فتحت الجريدة رأيت قصتي في صفحة كاملة ومعها ملحوظة اعترف فيها ثالاميا أنه كان مخطئاً، لأنه من الواضح أن”بهذه القصة ظهر عبقري الأدب الكولومبي”، أو قال شيئاً شبيهاً”. 
مع روايته الشهيرة “مائة عام من العزلة” مرت تسع أو عشر سنوات وهو يفكر فيها كما اعتراف في إحدى الخطب المعنونة بـ” روح مفتوحة لتمتليء برسائل بالإسبانية” العام 2007 ، حيث احتفل بإصدار مليون نسخة من الرواية والتي قال فيها:” حياتي ككاتب لم تتغير منذ ذلك الحين، لم أر شيئاً مختلفا سوى إصبعي الإبهام يضربان مرة وراء الأخرى وبإيقاع مضبوط حروف الأبجدية الثمانية والعشرين الثابتة والتي كانت أمام عينيّ خلال سنواتي البضع وسبعين، اليوم جاء دوري لأرفع رأسي وأحضر هذا الاحتفاء الممتن أنا له ولا أستطيع أن أفعل شيئاً آخر سوى التوقف لأفكر ماذا حدث؟ ما أراه أن القارئ غير الموجود في ورقتي البيضاء صار اليوم حشوداً هائلة جائعة لقراءة النصوص بالإسبانية”، يصف ماركيز قراء الرواية بأنهم جالية لو عاشت في نفس قطعة الأرض ستكون بلداً من أكثر بلدان العالم عماراً.
كان ماركيز يؤمن دائما أن الكُتاب ليسوا موجود ين في العالم من أجل ان يتوجوا بل هو البداية للتحنيط، وفي النهاية يقول “أصبحوا كُتاباً لا لأنهم أرادوا ذلك بمحض إرادتهم، بل لأنه ابتلتهم مصيبة العجز عن أن يكونوا شيئاً آخر وأن عملنا المنفرد لا ينبغي أن نستحق عليه مكافآت ولا مزايا أكثر مما يستحقه الإسكافي على صنع الأحذية”. 
إله الكلمات 
يعترف ماركيز في هذه الخطبة التي ألقاها العام 1997، أن للكلمة سلطة، فالبشرية ستدخل ألفيتها الثالثة تحت امبرطورية الكلمة ويضيف ليس صواباً أن الصورة تحل محل الكلمة ولا تستطيع إطفاءها. بالعكس إنها تعززها.
الخطب التي تضمنها الكتاب ليست مجرد كلمات القيت في مناسبات بقدر ما هي رؤى ماركيز الانسانية عبر مشوار حياته ككاتب عاش لحظات صعبة كالفقر وكم من مرة تعرض للطرد من بيته لأنه عجز عن دفع الايجار ومرات أخرى باع مدخرات زوجته لتأمين الطعام لطفليه. 
___________
*شاعرة و إعلامية ليبية 

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *