د. يوسف ربابعة *
رابطة الكتاب هي في الأصل مؤسسة مدنية تضم مجموعة من المثقفين والكتاب والأكاديميين، ومن واجباتها الأولى مراعاة مصالح هؤلاء الأشخاص والعمل لتحقيق أكبر قدر ممكن من المطالبات والمصالح التي يحتاجونها.
لكن رابطة الكتاب الأردنيين في العادة وعلى مدى وجودها كانت تتوجه نحو العمل السياسي والأيديولوجي، وذلك باعتقادي مرتبط بمسيرتها التاريخية وحيثيات علاقتها مع الدولة وطبيعة الأشخاص الذين أسسوها وقاموا عليها بعد ذلك، فقد أسست الرابطة من الكتاب والشعراء الذين ينتمون في الغالب إلى توجهات يسارية وقومية، ويقعون ضمن فئات المعارضة في الغالب، وقد وجدت في ظروف منع الأحزاب، حيث كانت توفر لهؤلاء منبرا بديلا للأحزاب، ثم من المعروف أن علاقة الرابطة بالدولة كانت دائما محل تجاذبات ومناكفات حتى قامت الدولة في مرحلة ما بإغلاق الرابطة ومنع نشاطها، وكان ذلك سببا لأن تبقى في جانب المعارضة، ويبقى الفائزون في هيئاتها الإدارية من هذه الفئات أيضا.
وبوصفها مكانا يضم مجموعة من المثقفين كانت هناك اختلافات دائمة بين الأعضاء لكنها بقيت ضمن اختلافات الاتجاهات الفكرية لدى الأعضاء، ولكن هذا الاختلاف بدا أكثر وضوحا وانقساما بعد أحداث سوريا، حيث كان هناك توافق بشكل كامل على ما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن، وكان أعضاء الرابطة في الهيئة الإدارية والعامة متفقين على الشعارات المرفوعة، وهي تشجيع ثورة الشعوب العربية ضد الأنظمة القمعية والفاسدة، لكن بعد أحداث سوريا اتخذت الاتجاهات اليسارية والقومية موقفا مغايرا، فوقفت مع النظام ضد ثورة الشعب، بدعوى أن هناك مؤامرة تحاك ضد سوريا والمقاومة في المنطقة، لأن النظام السوري محسوب على الاتجاه الممانع -حسب رأيهم ـ ضد المخططات الأمريكية والصهيونية.
كان هذا الموقف سببا في حدوث انشقاق بين أعضاء الرابطة باتجاهين؛ الأول وهو مدعوم من الهيئة الإدارية يقف ضد الثورة في سوريا، والثاني من غالبية الهيئة العامة ويقف مع ثورة الشعب السوري، وحدثت وقفات احتجاجية أمام الرابطة قام بها مجموعة من المثقفين ضد موقف أعضاء الهيئة الإدارية آنذاك، ومن الجدير بالذكر أن الهيئة الإدارية الحالية تنتمي إلى الاتجاه اليساري والقومي القريب من توجهات النظام السوري. وكانت الانقسامات تزداد وتشتد بعد كل بيان تصدره الرابطة وفيه انحياز لصالح النظام وضد الثورة، وبخاصة أن هذه البيانات تقوم على مواقف أيدولوجية خاصة لا تمثل التوجهات السياسية والفكرية لأعضاء الرابطة جميعا، وهناك من يرى أن الرابطة تحولت إلى حزب ومجموعة تصدر عن رؤى أيديولوجية بعيدة عن العمل المهني والموضوعي، وهناك غياب لدور الهيئة الإدارية لصالح التوجهات السياسية والأيديولوجية.
ويبدو أن هذا الانقسام قد تعمق بشكل أكبر بعد الأحداث التي شهدتها مصر وما حدث من انقلاب ضد حكم الإخوان المسلمين هناك، حيث أصدرت الرابطة بيانا وقفت فيه مع الثورة ضد حكم مرسي والإخوان، والوقوف مع الجيش، مما يشير لدى البعض أن هذا الموقف يعد تناقضا واضحا مع مبادئ الحرية والديموقراطية التي نادى وينادي بها أعضاء الرابطة. والبعض يفسر ذلك بأنه انحياز للدكتاتورية من أجل التشريع والتسويق لحكم بشار الأسد والنظام السوري، فالوقوف ضد الإخوان في مصر ليس مبنيا على رؤية موضوعية للشرعية السياسية بل هو رد فعل بسبب موقف الإخوان في سوريا، أي أن أعضاء الهيئة الإدارية قد تعدت علاقتهم مع نظام بشار إى ما هو أكثر من الموقف السياسي، إذ يبدو أن هناك دعما وعلاقة أكبر من المواقف، كما يرى بعض أعضاء الرابطة.
هذه الانقسامات يبدو أنه سيكون لها تأثير على الانتخابات المقبلة، لكن لن يكون هناك تغيير كبير في تركيبة الهيئة الإدارية، إذ سيكون غالبها من تيار القدس والأقلية من التيار الثقافي، وليس ذلك بسبب رغبة أعضاء الرابطة في الفريقين، لكن بسبب غياب تيار ثالث فاعل وقادر على المنافسة في الوقت الحالي، ولذا سيكون الإقبال على الانتخابات هذه المرة ضعيفا، وليس هناك رغبة في المشاركة لدى قطاع كبير من الهيئة العامة، وتبدو ساحة الكتاب والمثقفين اليوم مفتوحة على احتمالات متعددة، من أهمها ظهور تيارات جديدة وأصوات جديدة تنادي بعودة الرابطة إلى عملها الحقيقي، وهو التوجه نحو العمل النقابي، وبخاصة أن الرابطة ليست بديلا عن الأحزاب في الوقت الذي سمحت فيه الدولة بتشكيل الأحزاب السياسية، وأن العمل السياسي لذلك لا بد أن ينطلق من منابره الحقيقية، ولا يفترض أن تتحول الرابطة إلى منابر حزبية تكون سببا في انقسام أعضائها، وتفرقهم أيادي سبأ.
* كاتب وأكاديمي من الأردن
( القدس العربي )