نشيدهم لاتيني لكن قلوبهم عربية


*ترجمة وتقديم غدير أبو سنينة

بدأت هجرة العرب من بلاد الشام إلى أمريكا اللاتينية في أواخر القرن التاسع عشر، بسبب ما كانت تعانيه المنطقة من حروب وكوارث واحتلالات وسوء أحوالٍ معيشيَّة واقتصادية، وسرعان ما انخرط العرب في مجتمعهم الجديد فأثَّروا وتأثّروا ناقلين إلى تلك البلاد التي تشبه ملامحهم كثيراً عاداتهم، تقاليدهم، ثقافتهم وأدبهم أيضاً.

انفتح العرب على مجتمعاتهم الجديدة التي وفَّرت لهم فرصاً حقيقيَّةً من أجل إثبات وجودهم وهويَّتهم، بدءاً من انخراطهم بالتجارة التي عُرف بها الشَّاميون مروراً بالسِّياسة التي تشابهت مع سياسات بلادهم، فكان كثير منهم في الصف الأول المقاوم للديكتاتوريات والإمبرياليات، وليس انتهاء بالأدب بأجناسه الكثيرة كالرواية والقصَّة القصيرة والشِّعر.
يجمع هذا الملف الشعري باقة من الشعراء الشاميين من سوريا ولبنان وفلسطين، هاجروا إلى أمريكا اللاتينية أو وُلدوا فيها، فكوّنوا خليطاً من ثقافتين اثنتين متباعدتي المسافة قريبتي الملامح وإن اختلف الأصل والعرق والتاريخ والدين.
وكان لهذا المزيج أن تنعكس ظلاله على أدبهم ليكون لشعرهم نكهة مختلفة تحمل طعم ثمار أدبية مهجَّنة. ورغم بعدهم عن موطنهم الأصلي، ظلّوا يحملون هموم الوطن الأم متفاعلين مع قضاياه العادلة التي تشبه القضايا التي حاربوا من أجلها في أوطانهم الثانية. لقد كان لديهم على الدوام هاجس العودة إلى الوطن الأم والبحث عن الجذور البعيدة، ينازعه الشُّعور الإنساني بأن الأرض كلها أوطانهم. إنَّ قامةً شعريّةً عالية فقط يمكنها حمل هموم أكثر من وطن والإخلاص لكليهما كما هو ديدن شعرائنا هنا.
فحديثُنا إذاً عن قاماتٍ شعريّةٍ عُرفت في الوسط الثقافيِّ والسياسيِّ والاجتماعي ولم تظل معزولةً في دائرة الغربة.واللافت للنّظر تنوّع مواهب هؤلاء الشعراء وتجاربهم ورؤاهم؛ فامتدَّت إبداعاتهم في الصَّحافة والإعلام والسياسة، وخدموا قضايا الوطنيْن القريب والبعيد، وكانوا خير رسلٍ للثقافة العربية في تلك القارة البعيدة التي تعشق الشعر والأدب والاطلاع الشغوف على ثقافات الآخرين.
ها هنا، في هذا الملف، محاولة بسيطة لإلقاء الضوء على تلك التجارب الفريدة، منقولة إلى العربية ليتعرف القارئ على قطعة منه في تلك الأمكنة البعيدة.
وهي محاولة لا تكتمل إلا بالتحريض على البحث عن أسماء أخرى يجهلها القارئ العربي، لكنها أسماء لامعة في ذلك العالم الجديد. وكما يقول محمود درويش: «شعب بلا شِعر شعبٌ مهزوم».
راؤول هوميس هاتين
راؤول هوميس هاتين (قرطاجنَّة-1945)، وُلد لأب كولومبي وأمٍّ سورية لبنانية. قضى طفولته في سيريتيه وعدَّة قرى شمال كولومبيا. حصل على منحة دراسية لدراسة القانون في بوغوتا لكنه سرعان ما انقطع عنها ليدرس المسرح والثقافة الإغريقيَّة.عاد بعد سنوات إلى سيريتي، حيث بدأ كتابة الشِّعر، ونشر أوَّل ديوان له في عمر الخامسة والثَّلاثين بعنوان «قصائد». كان يعاني من نوبات صرع وهلوسات ما أدّى إلى وفاته لاحقاً وهو في حالة مزرية من الفقر المدقع عام 1977.من دواوينه: «سيرتياني بثلاثة جوانب»، «روعة الفراشة»، «كتاب الجنون».
المنتحر
وهو يعدو في الرِّيح
رفع يده المسلحة
إلى صدغه
وأطلق النار:
بسلاسةٍ وقع
عن الحصان إلى الأرض
منحنياً على فخذه
سقط
ودون أن يتأوَّه
امتطى
براري السماء
أحبابي الشُّعراء
أحبابي الشعراء
رجالٌ فظيعون
وحوش الوحدة
تجنَّبهم دوماً، وابدأ بي.
فقط اقرأهم.
ولا تهتم بما يصنعونه في حياتهم
طائر
رأسي سجنٌ
يُعششُ فيه
طائرٌ أزرقُ
في الطَّائر الأزرق قلبٌ مُتَّقدٌ
في هذا القلبِ أملٌ هشٌّ
يطيرُ نحو الرَّبِّ
مرثيَّة صغيرة
ولماذا سأظلُّ شجرة
إن كان شتاءُ سنَتَينِ
قد نزعَ عنٍّي الأوراق والأزهار
لماذا سأظلُّ شجرة
إن لم تغنِّ الرِّيح في أوراقي
إن رحلت طيوري لأماكن أخرى
ولماذا سأظلُّ شجرة
دون سُكَّان
يتسلقون أغصاني
ومنها يتدلون
كفاكهة الخريف المُتعفِّنة
صورة
لو أردت معرفة أخبار راؤول
القابع في السُّجون
فلتقرأ هذه الأبيات القاسية
المولودة في الدَّمار
قصائد مُرَّة
وأخرى بسيطة حالمة
تنبتُ كما ينبت العشب
بين أرصفة الشَّوارع
شكرٌ للرَّب
شكراً يا رب
لأنَّك جعلتني ضعيفاً
مجنوناً
طفوليّاً
شكراً لهذه السُّجون
التي حرَّرتني
شكراً للألم الذي بدأ معي
ولم يتوقَّف
شكراً لهشاشتي المرنة
كقوسِك
يا إله الحبِّ
فياض خميس
فياض خميس (ساكاتيكاس، 1930)، شاعر ورسَّام ومُصمِّم، صحفي ومترجم كوبي من أصل لبناني. وُلد في المكسيك. رحل صغيراً إلى كوبا حيث أتمَّ تعليمه فيها. وفي العام 1951، انخرط في مجموعة «الأحد عشر». عام 1954 انتقل إل باريس، وبعد عامين أقام معرضَهُ الأوَّل برعاية الشَّاعر أندريه بريتون. حصل على جائزة كاسا دي لاس أمريكا للشِّعر عن كتابه «من أجل هذه الحرية». توفِّي في كوبا عام 1988. وعدا عن ديوانه «من أجل هذه الحرِّيَّة» له ديوانان آخران بعنواني: «الحجر»، «الغبار والأجفان».
فلسفة المتفائل
جلسَ المتفائلُ إلى الطَّاولة، مُتلفِّتاً حوله
تناول قليلاً من القليل الذي وجده.
قالوا له إنَّ هناك الكثير من الَّلا شيء
في الحقيقة كان هناك قليلٌ كثير
لكنه التهم حصَّته دون أيِّ تعليق،
فتح الجريدة، دخَّن سيجارته وأنهى عشاءه بسلام.
فكَّر: من حقي أن آكل بسعادةٍ قليلَ الكثيرِ الذي أجنيه بينما أصل للتُّخمة.
مع ذلك فإنهم يواصلون الحديث عمَّا لا يوجد
لا يوجد. لا يوجد. لا يوجد.
لا يوجد هذا ولا ذاك.
لكنَّ المتفائل نهض بصمتٍ
ومرَّة أخرى تذكَّر تلك السنوات التي كانت الدُّموع طعامه الوحيد.
لم يكن بجانبه أحدٌ كي يقول له إنه لا يوجد حساء أو ستيك
أو يشير له أن يرمي لكلبه الجائع كسرة خبر قاسية،
لكنَّ خطاباً لم يخرج يوماً من بين أسنانه.
والآن هو راضٍ بعشائه المتقشِّف.
خرج الرَّجلُ إلى الشَّارعِ وراح يمشي بينما كان لعابه يسيل.
وكانت الأنوار الكهربائيَّة تُذكِّرُه بالمستقبل
أحيانا
أحياناً، في ممر الصَّمت،
شيءٌ ما يقفز،
أحدٌ ما يمزِّقُ اسماً قديماً
طنينُ ذبابةٍ طائشة تعبرُ مُتَّقدةً
بعيداً عن نسيج العنكبوت المضيء.
وحيدٌ؛ هذا هو الحال
لكنَّه مليء بالمفاجآت.
ثكنة أشباحٍ دون أطفال،
من الغبارِ تُصنع نوافذُ جديدة،
وأثاثٌ جديدٌ ورقصات.
لا، أنت لا تعرفه،
أنت لم ترَ حدقتي عيني
ولهذا اغرورقت عينيك بالدموع. اسمع:
ليس في منزلي ثغرةٌ، وهو بعيد دوماً.
بهذه السلالم نصعد حتى نبلغ السَّواد.
قد يتعب المرء من الصُّعود فيغفو لاهثاً
دون أن يدرك الأيام والحمَّى وضجيج المدينة الكبير الذي يغلي في العمق.
أحياناً، في صمت الممر، يولد أحدهم فجأة،
وآخر يدقًّ باباً لا رقم له، وينادي.
لا، لم تكن هنا يوماً. ولم تأت.
كلمتي هي افتح، لكنّني دائمُ الرَّحيل
من أجل وشاح مفقود
إلى أندريس سيمور
ذلك الوشاح ذو الَّلون الذَّهبي العتيق
الذي رافقني لثلاث سنين
عيشة البؤسِ ومجدَ النُّور والحبِّ
وحدة الشَّوارع الضَّيِّقة كتوابيت
وكلُّ الَّلحظات التي ترسُمها المياه خطوطاً خضراء على جباه التَّماثيل
ذلك الوشاح ذا الَّلون الذَّهبيَّ العتيقَ المُشترى من ضباب جنوة
500 ليرة على مدخل أوروبا
وشاح علم حريَّة الشِّعر.
إكرام أنطاكي
إكرام أنطاكي (دمشق، 1948)، تُعتبر إكرام أنطاكي حالة أدبيَّةً استثنائيَّة، إذ أنَّها ابنة ثقافات متعدِّدة بدأت بثقافتها العربية حيث وُلِدت في سوريا.أنهت دراستها الجامعيَّة في الأدب المقارن، الأنثروبولوجيا الاجتماعية وعلم الأعراق البشريَّة في العالم العربي في جامعة باريس السابعة (دينيس ديديروت). عام 1975، هاجرت إلى المكسيك وبقيت هناك حتى وافتها المنية عام 2000.عملت في الإعلام وقدَّمت عدَّة برامج تلفزيونيَّة حقَّقت جماهيريَّة وقبولاً من الجمهور المكسيكي. حازت جائزة «ماجدة دوناتو» عام 1989، وجائزة جوشيمان دي بلاتا عام 1991. نشرت 29 كتاباً بالإسبانيَّة والفرنسيَّة والعربيَّة.
قصيدة نهائية
أطفالٌ دون ذاكرة
يُلمِّع الموتُ عملهم
المتربِّي بين المطاحن والصَّمت
الموت المتواضع لا يمحي الوداعةً
والطًّاقة المُتحرِّكة
التي ستُعمِّر الكون.
العالمُ المرئيُّ
يودُّ لو رُمٍّم كما لو أنّه خارج من فوضى أصيلة.
في أعوام الإعصار
الطريق المختصر حتى الصميم
يعيش لأنه يريد.
السَّماء في المقدمة،
الماء والرَّمل سيتطلَّبان ألواناٌ باهتةً شاحبةً
هكذا يولد نهارٌ خصبٌ
مرثيَّة إلى بشار بن برد
بالكاد تبقى على قيد الحياة
تعبر حدود الصِّراعات
تُبحر وسط أسوأِ الأنقاض
تنزلق بين الجدران
تكشف المؤامرات
ثقل الهجاء والسخرية كان كبيراً جدّاً بالنِّسبة لعينيك المطفأتين.
استثمرتَ تفاصيل الأساطير والحقيقة
وعدت سيِّد الطَّهارة
تُنقِّي البؤس
على حين غرة
أصبحت محارباً
تحارب الهمجيِّين
كانت قوَّةُ عُنفكَ بحجم حرارة مبادئك
شكراً لمواجهاتك، تلك التي كانت محكومةً بالغموض والمرارة
اكتشفوا وقاحتك وسخريتك
ألعاب الكمال، الأمل، والفتن.
طوال الرِّحلةِ الضَّبابيَّة، علَّمتَنا شيئاً لا نجده في منتصف الطريق
الرَّحيل
1
سفينةٌ ستبحرُ هذا الصباح. ينتظرُ مسافروها ما وُعدوا به عند الرُّسوِّ.
سيخلِّفون أقمارَ زحل على الأرض.
2
لكنَّ التَّاريخ كان يمرُّ من هناك، فوق الصَّحراء.
لا تنقلُ السَّفينةُ أيَّ شيءٍ
ولا توصلُ أحداً.
ثمَّة ثقوبٌ في جسدها.
يقف الزَّمنُ فوقها كرجل البحر
يجدُ غرقاه.
3
لم تكن الحياة أكثر أماناً منذ خمسة قرون.
قسنا كل البؤس الذي كَشَفَتْهُ والذُّلَّ.
ماذا يحدث مع رجلٍ لا يريد أن يعلم أحدٌ ما يفعل؟
هناك قواعد حولوها لغير ضروريًّة،
سيحاول أن يكون هو نفسه القاعدة،
أن يغرق في أفعاله.
لكن ذاكرته لم تدع له مجالاً
فهي عاجزة عن أن تُفقده شفافِيَّته.
شعراء بألسنة أجنبية ولكن أرواحهم عربية
محفوظ مصيص
محفوظ مصيص (1916-1990)، شاعر تشيلي من أصل فلسطيني، يُعتبر من أهم شعراء تشيلي في القرن العشرين، أسَّس لنفسه أسلوباً خاصّاً ومميّزاً في كتابة الشِّعر ظهر فيه تأثُّره بحضارته العربيَّة الأم مع المناخ اللاتيني الذي وُلد ووجد فيه. نشر تسعة كتب تتنوع ما بين الشِّعر والقصَّة القصيرة والمقالات منها “ترنمات الديك الأسود” و”أساطير المسيح الأسود” و”سِفر النُّجوم المطفأة” و”وحوش الألم”. نال عدَّة جوائز شعرية وأدبية. كان رئيساً لجمعيَّة الكُتَّاب التشيليِّين ومدير تحرير مجلة “بوليميكا”، والملحق الثقافي لتشيلي في فنزويلا حتى عام 1973، حيث تمَّ إبلاغه بعدم السماح له بالرجوع لبلده تشيلي خلال الحكم العسكري لتشيلي، فأمضى حياته في فنزويلا، وبينما كان يستعد للرجوع إلى مسقط رأسه تشيلي بعد عودة الديمقراطية، وافته المنية عن عمر يناهز الـ 74 عاماً.
سوق فارسي
“بين المتسوِّلين الذين يرتدون زِيَّ الفراشات
وبين قملٍ مجلوبٍ من الهملايا،
أتأمَّل تحليق بائع المنامات والبيض السحري.
هناك:
حاصدة أرواح مُحاطة بالزهور،
قاتلٌ،
حجر قرمزي،
وأنا التَّعيس مغطَّى بلطخات من صبغ الصَّنوبر،
أشتري عصفوراً وسط العاصفة،
صدره جافٌّ كصدري
أود أن أسمع صوته المرتعش الميِّت
مناوشته في غرفتي،
طقطقة عظامه؛
أن أشتمَّ احتراق ريشه،
بينما أهتزُّ تحت أنقاض الحلم،
وأستيقظ على صراخهم وهم يستخرجونني من مقبرة،
وعينيَّ مقلوبتان تحت الشاهدة”.
شاعرٌ يحرّض على رقص الفالس
“أبناؤك كانوا يشربون دماء الإوزِّ البري
قلبك المسكين
كان يرقد بين الذُّباب.
ومع هذا
وفي يوم ما
علَّقوا قطعة من جلد
على طيَّة جسدك.
فاحمرًّ عُرفك.
كنتَ تسير بخطوة ظبي في الممرَّات.
لكن كان عليك أن تبيع أسنانك.
وملابسك المُعدَّة لجنازتك.
كنتَ تحلم بالفوز بالجائزة الكبرى.
تُقبِّل الحُكَّام، تُداعب حلمات صدورهم،
بينما تنام في نُزُل
القطِّ الليلي.
كنتُ أود إيقافك، أن أعضَّ أذنك.
أن تعود لعملك كرجل،
تخترع النِّيران وتجمع الأحجار.
أن تنفجرَ حين يقترب ملثمُّوا الليل
وتركل مؤخِّراتهم
قبل أن يصل أولاد الصّحافة”.
طارق وليام صعب
طارق وليام صعب (إل تيغري /1961)، شاعر فنزويلي من أصل لبناني، درس الحقوق ويعمل في مجال حقوق الإنسان والقانون الجنائي.
انخرط خلال دراسته في الجامعة في عقد السبعينيَّات في العمل الطلابي وأدارَ الحركة القوميَّة للدِّفاع عن حقوق الإنسان فترة الثمانينيَّات والتسعينيَّات.نشر عدَّة أعمال شعرية منها”أنهارٌ من الغضب”( 1987) و”فأس القدِّيس”( 1992) و”أميرُ المطر والوجع”( 1992) و”الفتح”(1994) و”سماءٌ في وسط الصاري” (2001) و”أطفال النًّكبة، كوبا”(2006) وغيرها.نال عدَّة جوائز منها”جائزة فرانسيسكو لاسو مارتي” سنة 1987 و دبلوم فخري عن الجائزة العالمية للشعر “كو – إييو اللاتينية” سنة 1987 و”جائزة أنجيل فيليكس جوميكس” سنة 1991 و”جائزة أو، سي، في للشعر” سنة 1991 وغيرها.
حجر أريحا
1
“اتَّكأنا للحظة على السلاح
كي نصلّي،
لنا أرض قاسية
وخارطة مدمَّرة
في الشتاءات
أعاقت نزول الرحمة
****
كانت النِّهاية أن تُحرَّم كل المنافي
وأن تصبح مطراً
أو خيمةً
مُرصَّعة بالنُّجوم
عند مُنتصف الليل
2
على القمَّة
الشَّهيدُ قطعةٌ من سماء
مطوَّقةً بأسوارٍ وأسلاك شائكة
قُربها يمرُّ نهرٌ لا مرئي
تحت الوحل
منازل ملونة
تعلوها طيور
يعدو مُمتطياً فرس البحر
وسط العاصفة
كموسيقى أشجارٍ مقطَّعة
تتمايل في المياه
كنَّا ساحليين
يحرِّكنا ويخوننا
بئرٌ حجري
4
وأنا أُطلُّ برأسي من النافذة
لمحتُ في الوحل:
الأجساد المزرية
بقايا المنتصر
قوس قزح
البوَّابة
ولعبة تطفو دون صاحب
المنازل المعلَّقة في الهواء
وميض وأخدود نهر
يجرفنا من جديدٍ بصمتٍ
منتصرين على الحلم.
أوسفالدو ساوما
أوسفالدو ساوما، شاعر كوستاريكي من أصل لبناني، وُلد عام 1949 في سان خوسيه، بدأ بنشر أعماله في مطلع الثَّمانينات. حصل على الجائزة اللاتينية (إيدوكا) عام 1985عن ديوانه “صورة عائلية”.من أعماله الأخرى نذكر “آثار خيبة أمل” و”الأرض الخيِّرة، يا أمَّنا” و”كتاب الوداع”، أعد عدَّة أنطولوجيَّات شعريَّة منها”أرض الَّلا أحد” و” دم يلمع وغيرهما.
يُعتبر الشاعر ساوما من أبرز الشُّعراء الكوستاريكيين الذين أضافوا بصمات إبداعية واضحة على الشِّعر الأسباني.
وأنا أراها تنام
“كل رجلٌ هو شمسُ ذاته
في منتصف ليل المللِ
عندما تصفر صرارير الليل
كنار تَشيْطًنت
وعندما تكون النُّجوم بعيد أكثر من أيِّ وقت مضى
***
تحت ضوء البراندي
كلُّ رجلٍ
يُطفئُ
لهيب العدمِ الداخلي
وهو يُراقب امرأة تنازَل له عنها القدر
وليست تلك التي اخترعها خياله
كل رجل يثمل مثلي
مع المرأة
التي يفرُّ معها في أحلامه
***
“تجنَّب حاجة الآخر
احرص على فشلِهِ
جلجلةٌ مجرَّدة تصدر
ليرتشفَ بصمتٍ هلاكه”.
طفل عجوز هو أبي
“رأيتُكَ بمُنتهى الفزع
ومُنتهى الطُّفولة
يا أبي
عندما أًعلنَ الموت عن وصوله النِّهائي
في عينيك،
كنت أود أن أشكرك
أن أودَّعك بعناق
أن أذكِّرك أن الرَّبَّ يغفر للجميع
للذين يُراهنون بالحياة من أجل الحياة
ويَرتجلون بشجاعةِ قلبٍ
طريق الوجود ومخاطره
***
وكنت أودُّ أن أقول لك
أحبُّك
وأنَّني أحببت غطرستك بين المتكبرين
وتُواضعك بين البسطاء
***
واعتزازك العنيد
المعجون
برمال الصحراء النًّبيلة”.
سعاد مرقص فريج
سعاد مرقص فريج (مناغوا/ 1946)، شاعرة وكاتبة وصحفيَّة، تنتمي إلى شعراء جيل الستينات في نيكاراغوا، سليلة عائلة فلسطينيَّة هاجرت إلى نيكاراغوا أوائل القرن الماضي. تُرجمت الكثير من قصائدها إلى العربية إلا أن كل ما ترجم فقد خلال الحرب على لبنان عام 1982. لها من الأعمال”حتى لا تموت الكلمات، مناغوا (2007) و”عارية أمام ظلي”(2002) وتحت الطبع “إعصار متمرد (ياسر عرفات)”.
دعاؤنا اللانهائي
“لا رياحُ الحروب
التي تصفِّر على الجبال
لا الألوانُ التي تمتزج مع جسدك
ومع الأخضر الزيتوني
لا حضورك الذي يسكب الذكريات
ويهزُّني
لا شيء يغيِّر طريقي
في روتيني اليومي
أجمع هذه الأحلام
المحمَّلة بالعنف
وأشير إلى الوقت
بعينيَّ الَّلتين تشتعلان
بآمال التَّحرُّر”.
أُحصي القبور الجديدة في المقبرة
إلى أجدادي الذين هاجروا إلى أمريكا اللاتينية
“حزني اليوم
ليس تقويماً بلا أيَّام.
كلُّ قبر هو كبحر متوسط
ينهضُ وينفتحُ
كهُوّةٍ من حنين.
***
يداي، الَّلتان كبرتا هناك بعيداً جدّاً
مع أيدي أمواتي، تُنشدان:
مرحباً بالأحباب القُدماء
في هذه الأزمنةِ الصَّعبة.
الرَّبُّ الذي كنت لا أعرفه
نام بالأمس في سريري
عضَضت لحمه، أكتافه
تذوقت دمه.
لم أعد أخاف من الوسادة الأخرى
التي كانت خالية حتى الأمس.
الرَّبُّ الذي كنتُ لا أعرفه
نام بالأمس في سريري
وارتشفتُ دمه”.
تنويه
“أخي، سَمِعْتُكَ يومًا تَقول
وُلِدْتُ في فلسطين
وأَتَحَدَّثُ العَرَبيَّةَ
أُحافِظُ على ثقافتي وهَوِيَّتي
هُنا في نيكاراغوا
أخي
من جهتي أُعْلِنُ:
وُلِدْتُ في نيكاراغوا
مِن الجيل الثَّاني
أَتَكَلَّمُ عربيَّةً مُهَلهَلة
مسلمةٌ أنا
ومسيحيَّة
هَوِيَّتي
كلماتٌ تجري في عُرُوقي.
____________
*(العرب) اللندنية

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *