سماسرة الأدب!


فهد توفيق الهندال *

كغيره من مختلف جوانب الحياة، يعيش الأدب حاليا نوعا من السمسرة التي تبالغ الشللية في حجم بعضها البعض بصورة فلكية، وتنظر بمجهر الازدراء لجهود الآخرين، مع أن المجهر عادة لا ينظر به سوى الدقيق من الأمور والجوهر منها! 

لاشك أن البضاعة ستكون رائجة أكثر بفضل براعة الدعاية وارتفاع عقيرة الترويج والتزكية ممن يملك «ثقلا» ثقافيا في شللية ما، بما يجعلهم قبلة كثيرين، ولو أنها في بعض الأحيان قبلة عمياء، إذا ما سيطر عليها عمى الألوان. فكما أن للخبرة الثقافية دورا في اكتساب صاحبها ثقة من يريد من النشء الجديد الباحث عن التوجيه والإرشاد، فلابد أن يكون الخيار متاحا لهم ولا يسيء لخبرات ثانية. فجميل أن تجد الخبرة أذنا مصغية من الجيل الجديد، في الوقت نفسه عليها أن تدرب نفسها بأن تكون أذنا مصغية لهم، تحترم وعيهم واستقلال شخصيتهم وهويتهم الثقافية.
في اثنتي عشر رسالة خاطب بها الروائي البيروفي ماريو بارغاس يوسا أحد الروائيين الشباب، أوضح فيها يوسا رغبته السابقة في الكتابة إلى أحدهم الأدباء الكبار عندما كان شابا يبحث عن طريق الكتابة، لهذا لم يصدها من هذا الشاب مادام أن رغبة التواصل والاستفادة ممن لا يقيمون جدارا فاصلا مع الكتاب الشباب هي الخيار الأفضل في ظل ترفع وتكبر غيرهم، مؤكدا يوسا له في رسالته الأولى أن الميل الأدبي هو الجائزة الحقيقية لكل كاتب وليست الشهرة والجوائز والسمعة الاجتماعية التي سرعان ما تطيح بكل أحلامه وأوهامه إن جعلها على رأس أولوياته من الكتابة. ليرى يوسا أن الميل الأدبي لا يمكن تفسيره بأنه خيار حر وحسب، إلا بعد مرحلة الاستعداد الفطري أو صياغة واعية في الطفولة أو الشباب المبكر، ثم يأتي ذلك الخيار العقلاني لتعزيزه وليس لصنعه من رأسه حتى قدميه. 
فكم كاتب لدينا يملك هاجس هذا الميل، وفي منأى عن شللية تروج لنفسها وتحارب غيرها؟ 
قد تكون الإجابة محبطة للطموح، ولكنه الواقع الذي يفرض نفسه، لكون مزادات الأضواء هي الأكثر بريقا من الفكر نفسه هذه الأيام. لاسيما وأن كثيرا من أصحاب «الثقل» الثقافي يرفع شعار دعم الشباب وأنه حامل لوائهم، في حين أنه يقودهم إلى عالم يكرس فيه أبويته الثقافية التي تحدثنا عنها في مقال سابق. 
أخيرا… في عالم القراءة تمر عليك تجارب مختلفة من الأجيال الكتابية، منها من هو أصيل بفكره ووعيه وقلمه، ومنها من يستند على خبرة مقتبسة يعيد فيها روافده إلى منابعها. ومنهم، من يعتقد أنه جاحظ زمانه وكامو عصره، فيجلس عند النهر، ليصطاد السمك الأكبر… ولكن ليس دائما يكون الصيد صالحا! 
فرسالتي لك أيها الكاتب الشاب، أن تتأمل ما قاله ألبير كامو في زمانه، وتستحق أن نتعمق معها اليوم أكثر «نادرا ما نثق، فيمن هم أفضل منا»!
والعاقبة لمن يعقل ويتدبر.
_________
* كاتب وناقد كويتي(الراي)

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *