“ذهب مع الريح”:حب وغرور في زمن الحروب


*رشا المالح

“سأفكر في الأمر كله غدا في تارا، حيث يمكنني تحمل العواقب حينها. سأفكر بطريقة ما أستعيده من خلالها. في المحصلة، غداً يوم جديد”. قول لسكارليت أوهارا بطلة رواية أو ملحمة “ذهب مع الريح”، التي كتبتها الصحافية الأميركية مارغريت ميتشيل عام 1936، وأهلتها للفوز في جائزتي: “الكتاب الوطنية” في العام نفسه، “جائزة بوليتزر الأدبية” سنة 1937. ويرى نقاد كثر، ان الرواية عنوان بارز لحبكة الادب في الحديث عن الحب والانتقام والابتزاز، خاصة خلال الحروب والصراعات.

لم تكن مارغريت تتوقع، حين كتبت روايتها الوحيدة بدافع تمضية الوقت، خلال مرضها الذي ألزمها الفراش، أن يدخل عملها تاريخ روائع الأعمال الأدبية.
نجاح مفاجئ
هذه الرواية التي اعتبرتها صديقة مارغريت حماقة، بيع منها مليون نسخة في الأشهر الستة الأولى من صدورها، وليصل رقم مبيعاتها عبر التاريخ إلى 30 مليون نسخة، حيث اعتبرت ثاني أفضل عمل في تاريخ الأدب الأميركي بعد رواية “كوخ العم توم” لهارييت بيتشر ستو، التي نشرتها عام 1852. ومن ثم قدمت السينما الأميركية فيلما مقتبسا عن الرواية عام 1939، أصبح بدوره، من أهم أعمال هوليوود في ذاك الوقت. وحصلت مارغريت آنذاك، مقابل بيع حقوق الرواية للسينما، على مبلغ 50 ألف دولار، وهو أعلى سعر دفع مقابل أول رواية.
“غرام وجنون”
تدور أحداث الرواية في شهر أبريل 1861، مع اندلاع الحرب الأهلية في أميركا.وتبدأ القصة من بيت عزبة تارا في ولاية جورجيا في الجنوب، حيث تعيش الشابة سكارليت أوهارا، ذات الـ16 ربيعا، ابنة ثرية التي أفسدها دلال عائلتها، وهي تمتلك مصنعاً.
وحين تسمع سكارليت بعزم الشاب آشلي ويلكس الذي تكن له بعض الاعجاب، الزواج من ميلاني هاملتون، تقرر رمي نفسها في أحضانه خلال حفل الشواء الذي كان مقررا، على الرغم من تحذيرات والدها ومربيتها المخلصة: “مامي”. وعندما تنفرد سكارليت بآشلي في الحفل وتطلق العنان لغضبها، نجد الشاب ريت باتر، الذي يعد البطة السوداء ضمن عائلته الثرية شارلستون، والذي طرد من المنطقة لسوء سمعته، فيعجب بمزاجها الحاد وروحها الثائرة ونرجسيتها، ويقول لها: “كلانا من طينة واحدة”.
عون.. وابتزاز
تبدأ مغامرات سكارليت مع إعلان الحرب الأهلية، وتتزوج من شارلز هاملتون، شقيق ميلاني لإغاظة آشلي. تلتقي سكارليت مجددا بالشاب بريت في أتلانتا. ويشوه باتر سمعتها بعد فوزه برهان مالي كبير بينه وبين بقية الرجال، حين ينجح في مراقصته لها خلال فترة حدادها على زوجها. وعليه، يقرر جيرالد والد سكارليت، العودة بها إلى تارا. لكن ريت ينجح في إقناعه ببقائها مع أسرة الزوج.
ومع تقدم جنود الشمال باتجاه أتلانتا، ترفض سكارليت الرحيل وتقرر البقاء لمساعدة ميلاني في ولادتها، فتضطر للاعتماد على ريت لإخراجها وأسرتها من المدينة، ويسرق الاخير حصانا وعربة للتمكن من إنقاذهم. وبعد هروبهم من أتلانتا، يقرر ريت فجأة، الانضمام الى جنود الجيش الاتحادي الجنوبي خلال انسحابهم الأخير. وقبل مغادرته لسكارليت يطلب منها أن تمنحه قبلة، لكنها ترفض.. وبينما هو يحاول ارغامها على ذلك، ينفجر غضبها، وتقول له انها تتمنى له الموت في ساحة المعركة، ما يدفعه إلى الضحك والغياب في عتمة الليل، لتبقى وحيدة مع ميلاني وابنها بو وخادمتها بريسي.
بعد مضي بضعة أشهر تعود سكارليت إلى أتلانتا، لالتماس المال من ريت، غاية إنقاذ عزبة تارا من الانهيار. وهناك تخبرها العمة بيتي، أنه في معتقل في السجن العسكري من قبل الشماليين لسرقته ذهب الاتحاديين. وتحاول خداعه بحجة انقاذ حياته، لكنه يكتشف كذبتها ويصارحها بكشفه نواياها. وذاك ما يثير حنقها. وفي طريق العودة إلى العمة بيتي، تقابل فرانك كيندي، طالب ود أختها سولين، وتبادر إلى رمي شباكها حوله بعد إدراكها أنه حقق مكانة جيدة لنفسه، وتخبره ان أختها تعبت من الانتظار، وتخلت عنه لتتزوج من غيره، وتنجح أخيراً في استمالته والزواج منه، وبالتالي تحصل منه على المال لاستعادة تارا وبقاء أسرتها فيها.
ندم وتبكيت
تفاجأ سكارليت، بعد مضي اسبوعين، وخلال عملها في مخزن زوجها، بحضور ريت. فتعي عندها، مدى تسرعها في الزواج للمرة الثانية، من رجل لا تحبه. وفي الاثناء، يقتل فرانك خلال إغارة جماعة المتعصبين: “كوك وكوكس” على بلدة شانتي. ونتبين في الرواية أنه كان ريت متأكداً في السابق، أن اعترافها له بحبها لآشلي لن يحول دون ادراكها أنها لن تجد سعادتها إلا معه. لكنها تكتشف، بعد فوات الاوان، حبها لريت.
سيرة الكاتبة
لازمت مارغريت ميتشيل (1900 1949)، الفراش، لدى كسر كاحلها عام 1926، لفترة زمنية طويلة. وكان خلالها زوجها، جون مارش يزودها بمجموعات كبيرة من الكتب التي قرأتها، ما دفع جون إلى القول: “قرأت كل كتب المكتبة باستثناء العلوم والرياضيات. إن اردت كتاباً آخر فلمَ لا تكتبينه بنفسك؟”. وحين سألته: “عن اي شيء سأكتب؟”. أجابها: “اكتبي عن ما تعرفينه”. وهكذا استغرقت ميتشل 10 سنوات في كتابة روايتها.
في السينما
1939 دخل فيلم “ذهب مع الريح”، تاريخ سينما هوليوود الذهبي تلك السنة. كما حصد، لاحقا، رقما قياسيا من الجوائز. وحين اتخذ قرار صناعته، وجد المنتج ديفيد أو سلينزيك نفسه في معضلة، إذ كان جميع الممثلين النجوم المرتبطين معه بعقود طويلة الأمد، لا يناسبون الدور. وبذا توجب عليه البحث خارجاً واستعارة ممثل من استوديو آخر. وكان الخيار الأول لسلينزيك غاري كوبر، لكن الأخير اعتذر عن الدور: “صناعة هذا الفيلم ستعتبر الفشل الأكبر في تاريخ سينما هوليوود”.
وهنا استقر خيار المنتج على الممثل كلارك غيبل، الذي استطاع استعارته من استوديو” ميترو غولدوين ماير”. وفي أغسطس من العام 1938، اختبر غيبل، وكان حينها متردداً في قبول الدور، متوجساً من خيبة الجمهور في التفاعل مع الشخصية التي سيؤديها.
وبسبب عناد سلينزيك وإصراره على غيبل واختيار الممثلة لدور سكارليت، تأخر انتاج الفيلم مدة عامين. واستعرض ما يزيد على 1400 اسم، لاختيار الممثلة. وكذلك الأمر مع المخرج الذي استبدل خلال صناعة الفيلم ثلاث مرات. وهم: جورج كوكر وفيكتور فليمينغ وسام وود.
ولدور سكارليت، اعتمد المنتج 31 اختبارا من ضمنها، واحد لفيفيان لي. وكانت الكاتبة مارغريت، تعتقد أن أفضل ممثلة للدور: ميريام هوبكنز، التي كانت في منتصف الثلاثينات من العمر. وكان هذا العمر متقدماً بالنسبة لعالم السينما آنذاك. ورست التصفيات النهائية بين بوليت غودارد وفيفيان لي، لكن الخلافات التي كانت تواجهها غودارد مع زوجها شارلي شابلن دفعت سلينزيك لاختيار فيفيان.
________
*(البيان)

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *