*فهد توفيق الهندال
(ثقافات)
في كتابه الجديد ( إنقاذ الأمل الطريق الطويل إلى الربيع العربي ) الصادر عن دار مسعى 2013 ، يطرح الناقد والمفكر البحريني الدكتور نادر كاظم مخاوف المثقفين من تحول انتفاضات الربيع العربي التي بدأت مع طلائع عام 2011 إلى مجرد موجة عابرة بسبب اعتقاد متسرع أنها ستكون “يوم الخلاص ” و” نهاية التاريخ عربيا ” و” الكلمة الأخيرة ” ، برغم التغيير الذي أحدثته وتجدد الأمل بجذوره الضاربة على مدى قرنين من التاريخ العربي الحديث منذ بداية حركات التحرر العربي السابقة التي لم تكن سوى ” قفزة بالهواء ” ، واصطدامها بحوائط عديدة أوقفت الأمل ، دون الوقوف على أسباب التقهقر للخلف برغم ضرورة المساءلة عنها وللفشل البنيوي المزمن في المنطقة التي هبت عليها رياح ” الدمقرطة الثالثة ” بعد حرب الخليج الثانية عام 1991 ، فانتهت الموجة دون تحوّل حقيقي إلى الديموقراطية .
بانت ملامح الكتاب منذ مقدمة المؤلف التي اختزلناها في الجمل السابقة ، ليحاول تحليل شخصية الأمل العربي في العودة إلى ذاكرته وموجاته الكبرى حيث حركات التنوير التي ارتطمت بواقع الاستعمار وأعوانه الرجعيين منذ نكبة 1948 ، ثم هوت كثيرا إلى القاع بفعل هزيمة 1967 لكونها انعطافه شديدة مؤلمة جدا لمشروع الأمل العربي الحديث ، برغم محاولات التغييب والتهوين تحت مسميات النكسة وحرب الاستنزاف التي نهشت من عمر الأمل وما تبقى من العقل العربيين الكثير .
لفت نظري عناوين مسيرة الأمل التي اختارها المؤلف لموجات الأمل العربي ، بدءا من موجة الأمل التنويري “بداية الطريق الطويل ” مرورا بموجة الأمل الثوري ” القفز إلى نهاية الطريق ثم موجة التحول الديموقراطي “المجتمع المدني أو المنقذ من الاستبداد ” وهو ما يعبر عن القراءة النقدية للمؤلف لمراحل الأمل وفق معطيات التاريخ والأحداث وكشف ما حدث فعلا ، لأن العبرة في فهم ما حدث ولماذا ، وليس متى وأين !
كذلك ، فإن استمرار الأمل يتطلب وضع حد للسرديات الكبرى التي أشار إليها المؤلف المتمثلة بالتنوير ، التغيير ، الثورة ، التقدم وتحرير الذات وغيرها من ” خرافات الحداثة الغربية ” في تجاوزها وفق منظور التطور العلمي والتكنولوجي ، وما صاحبه من إعلام اجتماعي بديل ومنافس للإعلام الرسمي أو الاحتكاري ، وهو ما شكل حراك الشباب في استعادة الأمل وأهمية إنقاذه اليوم أكثر عن ذي قبل بعد ما افرزته تطورات الربيع العربي اللاحقة من انتكاسات وارتدادات إلى الوراء . ليعلق عليها المؤلف على لسان جان جاك روسو عن الديموقراطية الكاملة بأنها ” لم توجد ولن توجد أبدا ” ، لأن الواقع يفترض دائما خلع أسمال المثالية وأحلام اليوتوبيا ، وهو ما دفع بالدكتور نادر كاظم لأن يعلق على ارتدادات الربيع وكأنه يقرأ المشهد المصري قبل تطوراته الأخيرة : ” لا ينبغي أن تكون مدعاة لليأس والإحباط ، بل باعثا على مزيد من الوعي والاعتراف بالحقيقة الواقعية القائلة بأن التحول الديموقراطي في هذه البلدان لن يكون سهلا ولا سلسا ، بل هو مخاض صعب وطريقه ربما يطول ولكن لا بديل عنه ولابد من استكمال السير فيه . وهذا يتطلب مزيدا من التسلح بـ”تفاؤل الإرادة” ، وبالجرأة على الحلم بالتغيير ، وبالاقناع بأن هذا الحلم يمكن إنقاذه كيلا يتحول إلى كابوس ، وبأن “صنع المستقبل” يمكن أن يتم بأيدينا ، وبأن هذا المستقبل يمكن أن يكون أفضل من الماضي ويتجاوز الحاضر الماثل ، وبأن هذا الأخير الجاثم بكل ثقله ، وبالرغم من كل تعقيداته وانتكاساته وحتى بؤسه على المدى القريب ليس سوى احتمال واحد بين احتمالات وبدائل أخرى عديدة ” .
أخيرا ، وتعليقا على الكتاب ، إن أي رغبة جادة لأي حراك لابد وأن يكون محركه الأساسي العقل ونداء الوعي وقراءة التاريخ جيدا لاسيما ما تعلق بحركات التحرر العربي و الثورية التي ما نزال ندفع ثمنها حتى اليوم ، لكونها اتكأت على إثارة العواطف والشجون في بناء الأوهام الهشة ، لا الرؤية في السؤال – كما افتتح به كاظم كتابه – عن نهاية هذا الطريق الذي نحن سائرون عليه .. هل ثمة مهرجان في نهايته ؟!
والعاقبة لمن يعقل ويتدبر
___________
*ناقد وكاتب كويتي