شهلا العجيلي، أستاذة الأدب العربيّ الحديث في جامعتي حلب والجامعة الأميركيّة في مادبا- الأردن، صدرت لها روايتان “عين الهرّ” التي نالت بها جائزة الدولة الأردنيّة في الآداب، و”سجّاد عجمي”، إضافة إلى ثلاثة كتب نقديّة هي “مرآة الغريبة” و”الخصوصيّة الثقافيّة في الرواية العربيّة”، و”الرواية السوريّة: التجربة والمقولات النظريّة”، كما نشرت مجموعة قصصية بعنوان “المشربيّة”. “العرب” تقدّم في هذا الحوار، رأي شهلا العجيلي في مسائل عديدة منها حضور الجسد في الكتابة النسائية وعلاقتها الإبداعية بعمّها عبد السلام العجيلي.
لئن وصلت المرأة العربية إلى مرحلة في الكتابة السردية متقدمة جدا، فإنّ كثيراً من منجزاتها الإبداعية يثير في القرّاء أسئلة لعلّ أهمّها هو تقديم شخصيات روائية أو قصصية متحرّرة جدا إلى حدّ “التطرّف”، وهو أمر تقول في شأنه شهلا العجيلي: “إنّ بعض “التطرّفات” غير مقبولة في الكتابة النسائية، لأنها تسيء للنصّ وللمتلقي في الوقت نفسه، وليس ذلك راجعاً إلى كون المجتمع العربي لا يتقبل النص المارق عن المألوف، بل لأنّ الفن فعل ذكيّ، يستطيع أن يوصل الفكرة دون أن اقتحام فجّ لخصوصيّات الآخر”.
و تضيف العجيلي: كما أنّ القرّاء ينتمون إلى خلفيّات ثقافية مختلفة، ومن ثمّ لا يجب أن يهمل الكاتب مرجعيّاتهم لحساب مرجعيّة واحدة، ثم إن وظيفة الأدب هي أن يجعل حياة الناس أقل شقاء، فلماذا تصدم هؤلاء الناس وتواجههم مواجهة فجّة، وتغتال معتقداتهم، وأنا شخصيّاً لست مهووسة بالتطرّفات! هناك أصوات إبداعية نسائية مهمة في العالم العربي، إذ في كل فترة من فتراتنا التاريخيّة كانت هناك نساء مبدعات سلكن إلى ذائقة القراء سبيل الفنّ والإبداع ، من غير أن يكون هدفهنّ الرئيس الجسد وشهواته”.
لست نسوية
وحول فهمهما لوظائف الكتابة النسائية، تقول العجيلي: “أنا لست نسوية، بمعنى أن أكتب عن قضايا المرأة فحسب، هناك قضايا عامة تشترك فيها المرأة مع الرجل بوصفهما مواطنيْن. ولكن هناك قضايا تعيش فيها المرأة تجربتها الخاصة، إذ هي تكتب عن كل تفاصيل العالم ولكن من وجهة نظرها التي تختلف بالتأكيد عن وجهة نظر الرجل، نتيجة للتجربة الاجتماعيّة لا البيولوجيّة فحسي، حيث إن القضية الواحدة تراها المرأة بشكل غير الشكل الذي يراها عليه الرجل لأن تجربتهما في الحياة مختلفة. وهذه ليست كتابة مضادة، وإنما كتابة مختلفة، الاختلاف لا يعني التضاد دائما.
المرأة ستكتب في كل وقت مهما كانت الأنظمة الحاكمة، وستجد لنفسها منبراً، وستجد لنفسها موضوعات، وستجد لنفسها معاناة مهما كانت طبيعة نظام السلطة الثقافيّ أو السياسي أو الاجتماعي، ذلك أن الكتابة النسائية العربية شبّتت عن الطوق منذ زمن طويل، ويعود الفضل في هذا إلى تجارب رائدات الكتابة العربية المؤسسات اللواتي اخترقن الحواجز الصعبة الأولى. وواجبنا نحن الآن هو أن نوسع آفاقنا، وأن نؤثر في الجيل، وأن نكون على مصداقية مع ذواتنا ومع قضايانا.
الآن لم يعد يسيطر على الكتابة كابوس الجسد، أو التابوهات، ولكن على المرأة أن لا تنسى أن الجسد ليس بهجة فحسب، بل الجسد متنوع: هناك الجسد الذي يعاني القهر، وهناك الجسد الذي يعاني الأسر، وهناك الجسد الذي يعاني المرض.
الجسد متلون وهو ليس مجالا للبهجة دائما، وعلى المرأة أن تكف عن استعراض هذا الجسد كتابيا. وأعتقد أن المرحلة الراهنة هي مرحلة انهيار الأنساق الكبرى، والصغرى المألوفة، وولادة أنساق جديدة أقسى من سابقاتها، وأكثر تطرّفاً، وأيّاً كان شكل الأنظمة القادمة، سيبقى الأدب في مواجهات مفتوحة معها، لكن مراوغة، ستشتغل الأنساق بطريقتها، وستخلق لنا قضايا يوميّة، سنلتفت إليها، وسيولد مهمش جديد، ومسكوت عنه جديد، وسيبقى الحضور الأكثر مصداقيّة للمعاناة الإنسانيّة الشخصية من غير شعارات كبرى”.
كائن سردي
حظيت علاقة الرواية العربية ببيئتها الاجتماعية باهتمام الدراسات النقدية الحديثة، حيث مال الكثير منها إلى القول بأنّ الرواية بنتُ واقعها مهما تنوّعت أقنعتها السرديّة وسال فيها ماء التخييل. وفي هذا الشأن تقول شهلا العجيلي: “في الحقيقة الرواية تحاول دائماً، ومهما تطرّفت في التخييل، أن تقارب الواقع بفنيّة، وقد صارت تجربة الرواية أكثر نضجاً، وأكثر تقدما، إذ تنامت المواجهات التاريخيّة الحادة بين المجتمع وبين “الفرد الإشكالي”، الذي تضخّمت إشكاليّاته مع المجتمع، ولم تعد هناك قضية واحدة توضع لها موضوعات، بل صار كل موضوع هو قضية في حد ذاته، والرواية تلعب هذا الدور الآن بجدارة، فهي تحول هذه الموضوعات اليومية إلى قضايا تعاش، ويتعرف إليها الآخرون، ويتواصلون مع مضامينها”.
وحول اقتصار الذائقة العربية على التعاطي مع الكتابة الشعرية والروائية دون أنماط الكتابة الأخرى (البصرية والسينمائية والمسرحية وغيرها)، تقول العجيلي: “الشعريّة موجودة في الشعر و في السرد، وتفضيل نوع على آخر هو راجع في اعتقادي إلى جملة من التصوّرات القديمة التي ما تزال تفعل فعلها في واقع ذائقتنا الفنية، ولكن لا يوجد شيء يأخذ دور الآخر، فالصورة لها دور، والمسرح له دور، والسينما لها دور، إنّ السرد عموماً يمنح الأشياء مصداقية أكثر، فحين تأخذ المضامين شكل حكايات، تكتسب هوية سردية، وتصير أقرب للحقيقة، أو للتصديق، والتفاعل، حتى التاريخ لما يأخذ شكل حكايات الناس يصبح أكثر معقولية وأكثر احتمالاً، ذلك أن كل شيء يأخذ هويّة إضافيّة بالسرد، والقضية الواحدة تتعدّد وتختلف بتعدّد الرؤيات السرديّة. الإنسان وجوده سردي، والزمان تكوينه سردي، وكذلك التاريخ والخيال، وحين تتضافر حكايات التاريخ مع الخيال مع السرد تأخذ التفاصيل هويّة دامغة فتصبح أكثر معقولية”.
عين الهر
عن سيرتها الإبداعية والفكرية، تذهب العجيلي إلى القول بأنها اشتغلت على أكثر من مجال من مجالات الفكر، حيث اشتغلت في حقل النظرية الأدبية وفي حقل النقد الروائي وكتبت الرواية والقصة القصيرة والمقالة، وتضيف قولها: “عندي مجموعة مؤلفات كلها تنصب في مشروع واحد ثقافي ينهض على مبدأ هو كيف تجعل حياتك وحياة الآخرين أكثر سعادة وأقل شقاء وأن تختار ثوابتك التي ترسم حياتك، وكتابتك، وكيف تستطيع أن تجعل كتابتك تمس الناس جميعاً من خلال اليومي والمعيش والخاص.
في الرواية عندي “عين الهر” التي طبعت مرتين: قاهرية وبيروتية ونالت جائزة الدولة بالأردن للآداب، ورواية “عين الهر” التي لها علاقة بعالم التصوّف مع عامل التشكك والفساد، وعالم الحجر الكريم كل هذا مربوط بخيط سردي، وصدرت لي مؤخرا من منشورات ضفاف ومنشورات الاختلاف رواية “سجاد عجميّ” وهي رواية عدت فيها إلى التاريخ، إلى القرن الثالث الهجري، وأتحدث فيها عن حياة الناس العاديين في ظل أحداث كبرى بل في ظل فتنة كبرى بين السنة والشيعة على مصحف فاطمة مفقود، وسعي كل طرف إلى إيجاده ثم إخفائه، وكيف تؤثر هذه الفتن على حياة الناس البسطاء، على الأطفال والنساء. اشتغلت على نماذج المرأة العاملة في التاريخ: الخزّافة والنسّاخة، وسيّدة الأعمال، والمحدثة للأخبار، والحافظة للكتاب والسنة…
شخصيات “سجاد عجمي” وأحداثها تدور في أماكن مختلفة مثل تبريز، وبغداد، ودير زكّا، وكذلك مدينة الرقّة وهي مدينتي التي أنتمي إليها بشمال شرق سوريا والتي لها تاريخ مهم جداً، وأيضا مدينة طبرق في ليبيا. هذه الأماكن والشخصيّات والأحداث كلّها، تسيّرها فكرة الخراب، وكيف أن صراعات كبرى تؤثر على نساء بسيطات، وأخريات مثقفات، وعلى الأطفال، وعلى الرجال الآمنين المطمئنين، وفي الحرب الجميع يخسر في النهاية”.
أيقونة السرد
وحول علاقتها بالأديب عبد السلام العجيلي، تقول محاورتنا: “نشأت في بيت أدبي يعرف الكتب والناس والحكاية، ويعي أهمية الثقافة والانتماء والمواطنة، وكيفيّة احترام الآخر ومحاورته، تعلمت الكثير من حكايات عبد السلام العجيلي، الذي يعدّ أحد أيقونات السرد العربي، وهي الحكايات التي أدخلتني إلى عالم الخيال.
فهو من أشهر من كتب في أدب الرحلة، ومن المؤسّسين ا للكتابة الكلاسيكية منذ أربعينات القرن العشرين، فضلاً عن كونه سياسيّاً محنّكاً، ومجاهداً في فلسطين، وأن يكون أمامك نموذج ناجح، وتجربة عمرها ستون عاماً من العطاء والإنجاز، فذاك يعني أن يكون أمامك تحدّ كبير، وقد قررت خوض هذا التحدّي، وها أنا في خضمّه، أحاول وأحاول…”.
بطاقة
* أستاذة نظريّة الأدب، والأدب العربيّ الحديث- قسم اللغة العربيّة وآدابها، كليّة الآداب- جامعة حلب
* دكتوراه في اللغة العربيّة وآدابها (2007)وماجستير في اللغة العربية وآدابها وشهادة الدبلوم في الدراسات العليا الأدبيّة في اللغة العربية وآدابها(تخصصّ أدب حديث)، جامعة حلب – سوريا والإجازة في اللغة العربية وآدابها (بكالوريوس)، جامعة حلب 1998
* حصلت على جائزة الباسل للتفوّق الدراسيّ على مستوى جامعات سورية عامي 1995 و1996
* المسؤول الإعلامي للاتّحاد الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمرو عضو جمعيّة الهلال الأحمر السوريّة وعضو رابطة الكتّاب الأردنيين وعضو الاتّحاد العام للأدباء والكتّاب العرب
* من إصداراتها ” المشربيّة (مجموعة قصصية) و”عين الهر” (رواية) و”مرآة الغريبة”(مقالات في نقد الثقافة) و” الرواية السوريّة: التجربة والمقولات النظريّة” و”الهويّة والسرديّات”
المشاركات والدورات:
اجتياز دورة تدريب المدربين في مجال التأهب للكوارث، بشهادة البعثة الإقليميّة للاتحاد الدولي لجمعيّات الصليب والهال الأحمر، عمّان- الأردن، حزيران 2002 (60 ساعة).
اجتياز دورة تدريب في إنشاء مخيّم طوارئ يتضمن: الدعم اللوجستي، والدعم النفسي، والتعامل مع الإعلام، والعمل الميداني، والتقويم، بشهادة البعثة الإقليميّة للاتحاد الدولي لجمعيّات الصليب والهلال الأحمر، أيلول 2002.