*علي لفتة سعيد
وما نويْتُ إذْ نويتُ لكنّ الحلمَ غنّى
وصلَ اللّيْلُ
لمْ يحْمل مزاميرَه
ولم يتْركَ لداوُدَ العوْدةَ إلى غارهِ
ليأْخذَ قيْلولةً من عزْفِ الرّب
والأنْعام أخذتْ آياتَها من مرابعٍ
لمْ تسْكنها السنابلُ
لأنّ الماءَ تبخّرَ من فَمِ الغيْمِ
وسالَ على قِفا الجبلِ
مجْنونٌ هو ليْلي
لأني أطارده فيخاتِلُ على طرَفِ الظّلامِ
يشهدُ من لمْعةِ نجْمةٍ وحيدةٍ سطَعتْ على خَدِّ الحُلمِ
ما أفْعلهُ بالورْدِ أو الوِسادة
كلّ ما عليْها يَصولُ
وكلّ من دخَلَ المَدينةَ بلا ليْلٍ فهو واردُ كلّ الآهات
يتَسابقونَ على الوحْيِ
والوحْيِ يتْلو آياته محوْقلًا من صَدى الخيْلِ
السائرة على مياسمِ العشْقِ
تعْلمينَ أنّ لا وسادَة في اللّيْلِ سوى الإصْغاءِ
ولا إصْغاءَ سوى الصّمْتِ
ولا صمْتَ إلّا الحروفَ المكْبوتَةَ في لحْظةِ نغَمٍ
تتأرْجحُ في كفٍّ من حنّاء
وبوسْعكِ أن تلوّني المَساءَ بالمَساءِ
ما دامَ اللّيْلُ قد جاء
وحَطّ رحالهُ على نوافذٍ نقيّةٍ يغْسلها الانتظار
لعلّ الرّسائلَ تَصلُ مع النّاي والموّالِ
والبرْدي الذي يوشْوشُ في صدْرِ الجنوبِ
يُجالسُني اللّيْلُ
فتخْتلطُ الوجوهُ
ويبْرزُ وجْهكِ من بياضِ ذمّةِ عصْفورٍ
تركَ قشّتهُ على حافةِ سياجٍ ليكْملَ عشّهُ تحْتَ ظِلّ الشّمْسِ
قد آتيكِ بما يحْملُ اللّيْلُ وما أتاني سوى بالوجعِ
وما أهداني الوجَعُ سوى ما يُفْرحني إنّي أواصلُ الحلمَ
وفي كلّ حُلمٍ أغنّي
إرْهفي قليلًا
ومدّدي ساعاتَ السّبيلِ
فالظّمأ لا تكْفيهِ لحْظةَ رضابٍ
تلْمعُ حوافّهُ على شفتيْكِ
ما دمْتِ مالكةَ الرّوحِ
وهذه البراكينُ المخدّرةُ بالانتظار
تغْزلُ صْمْتها لخاطري
تخافُ على قلْبي إنْ سالَ الجمْرُ فيحْرقكِ
وأموعُ أنا مثْلُ شمْعةٍ رقصتْ كثيرًا
داخل صحْنِ حفلةٍ تشْربُ نخْبَ تاجكِ
انتهى اللّيْلُ
ولم يبْقَ لي سوى الهذَيانُ
ولن تعودَ المزاميرُ لتطْرقَ أبْوابي
ربّما لأنّ داودَ أقْسمَ ألّا يعودَ إلى السنابلِ
لمْ يعد الحلمُ يرقصٌ أو تفلحُ النبوءةُ في الغِناء
_______
*روائي وأديب من العراق(المدى)