رواية “العتبات ” لمفلح العدوان : وظائف الشخصية وسيرة المكان



محمد معتصم *


الشخصية والوظيفة السردية


أصبح من المعروف الارتباط الوثيق بين الشخصية الروائية والوظيفة السردية منذ الدراسة البنيوية العميقة والسباقة لـ «بروب» في كتابه «مورفولوجية الخرافة» وما تلاه من كتابات حول الموضوع نفسه لكل من زوايا ووجهات نظر ومناهج نقدية مختلفة، لذلك ستعتمد هذه المقالة على هذه العلاقة بين الشخصية الروائية كمكون أساس من مكونات الخطاب الروائي، والوظيفة السردية التي تؤديها في بناء الحكاية وفي تعدد المحكيات وفي تطوير الأحداث..
مفلح العدوان في روايته «العتبات» (الأهلية للنشر، عمّان، 2013) يدفعنا إلى العودة للتفكير مجددا في هذه الظاهرة السردية وهذا الموضوع الذي لا ينتهي النقاد من الحفر فيه للكشف عن جوانب أخرى يقترحها الروائيون والروائيات تطبيقا في أعمالهم. 
تَبيّن أن «العتبات» رواية مختلفة من حيث بناؤها الدرامي، ومن حيث الأهداف التي ترومها، وهي تاريخية وسياسية وفكرية لكن بطريقة غير مباشرة، بل تقوم على الترميز والإيحاء محتمية بوظائف سردية خاصة كالاقتضاب والترميز والفنتازيا… لكنها ركزت كل طاقاتها التخييلية في شد الغايات والمرامي إلى طبيعة الشخصية الروائية ووظيفتها داخل الفضاء السردي، كأن السارد يرسم بالشخصية الروائية خريطة المعنى، التي يمكن اختزالها في الآتي:
– الجد: حارس القرية وذاكرتها التاريخية والحكائية.
– الجدة (الحجة نجمة): منبع الحكمة ومصدر تأويل الرؤى.
– الوراق: الرحالة المتنور المتعلم.
– هاجر: الصبر والصمت مجسمان.
– شفق: الثائرة المغامرة.
– سعدى: الرائية «نبية» القرية ومصدر حكاياتها وأحلامها.
– العزيز: مؤذن القرية وزوج شفق.
– خالد: صوت القرية وامتدادها ومستقبلها.
– ريان: الصحافي المغامر والمكتشف.
– التركي: الغريب والساحر والماكر والقاتل ومصدر الخراب.
– المغربي: الغريب والضحية.
– الحجازي: الغريب والضحية.
– أهل القرية: كائنات التحول.
كل شخصية روائية لها وظيفة سردية بحسب الخريطة التي وضعها السارد، فالجد والجدة يقومان بوظيفة ذاكرة القرية من خلال سرد الجد للوقائع المادية التي عاينها وهو طفل لإدانة الفعل الإجرامي للأتراك تجاه رجال قرية «أم العرقان»، الفضاء المركزي في الحكاية، حيث تمت تصفيتهم بدم بارد قبل مغادرة القرية بعد نهب خيراتها ومؤنها. والجدة تعدّ ذاكرة القرية وحامية نظامها المعيشي وعلاقات أفرادها وحارسة أصوات الموتى في الكهوف العميقة. 
غير أن الملاحَظ في بناء هاتين الشخصيتين، على غير المعتاد، أنهما لم تقفا حجر عثرة أمام التحول، وتخلي القرية على نظام عيشها الذي ألفته واختارته قرونا، وقد وافقتا على قرار أهل القرية بمغادرة الصخر (الكهوف والمغارات) إلى الحجر (البيوت) بعد شرط «شفق» للزواج من «العزيز» مؤذن «أم العرقان» وفقيهها وإمامها.
صوت أهل القرية لا يختلف عن صوت كل من الجد والجدة وموقفهما، وهو ما ينبئ عن وجود رغبة دفينة في نفوس أهل قرية «أم العرقان» تتجسد في الخروج من صلابة الصخر وظلمة الكهوف إلى الفضاء الأرحب والأوسع، ببناء البيوت المستقلة.
بنتا الوراق وزوجته يشكلون وحدة أخرى مستقلة بتميزها، فهي وحدة تضم الفتاة الثائرة والرافضة لصلابة وظلمة وغرابة الكهوف، أي أنها ترفض أن تسير على خط ارتسمته قرية «أم العرقان» لنفسها وانتهجه أهلها بالوراثة. تقول «شفق» لأختها (سعدى) معترفة عن رغبتها هذه: «الصيف القادم سأنعتق من حيرة الصخر في المغارة، وفراغ الخيمة في العراء» (ص 38).
«شفق» شخصية روائية مهمة جدا في بناء متخيل رواية «العتبات»، فهي لا تطمئن للموروث والعادات والأعراف متأثرة بالكتب التي يجيء بها والدها «إبراهيم الوراق» من سفراته خارج حدود «أم العرقان» وكهوفها ومغاراتها على غير عادة أهله الذين يفضّلون الالتصاق بمغاراتهم شتاء وخيامهم صيفا.
يقول عنها السارد: «شفق.. عندما تتكلم يكون لكلماتها منطق اكتسبته من علم أخذته من أبيها الوراق، ووليد سكينة ورثتها من أمها هاجر، بينما تشاركها في هذا الحنين سعدى، أختها الوحيدة، في الكهف الذي تسكنه العائلة».
و «شف».. قبل أن تصبح زوجة المؤذن، أشغلت «أم العرقان» بطلباتها الغريبة عندما جاء كبار القرية ليطلبوا يدها للعزيز، فلم يكتمل الفرح إلا بعد قصة «عرفها من وعى أول بناء للجامع قرب نبع الماء» (ص 31).
تميزت «شفق» ليس فقط بغرابة الرأي والحكمة والثورة على الأعراف والتقاليد ورتابة العيش في الكهوف والبداوة، بل وببعد النظر أيضا، وكانت سببا في خروج أهل القرية من الكهوف والخيام إلى بيوت الحجر، أي الانتقال من البداوة إلى الحضر. إنها عتبة نحو النور، إلا أن لكل تحول تبعاته وثمنه، خاصة إذا كان التحول مرتبطا ببنية تفكير ونمط عيش وأسلوب حياة ونظام علائقي مجتمعي (قبَلي) يقوم على روابط الدم وأعراف موضوعة أباً عن جد. يقول خالد لصديقه الصحافي المغامر والطموح: «تغير أهل (أم العرقان»)، ما عادوا أبناء ريف، ولم يصبحوا من أهل المدن، وبتروا علاقتهم بجذورهم البدوية، وصاروا أشباه كل هذه التوصيفات، باللهجة، والملابس، والسكن، فظهرت عليهم حيرة هم لا يدركونها، لكن يلاحظها أي قادم على (ضاحية أم العرقان).. وهذا هو الاسم الجديد للقرية المحاذية للشارع الغربي» (ص 46).
هذا التحول كان نتيجة قرار وشرط «شفق» لقبول الزواج من «العزيز» مؤذن وإمام مسجد قرية «أم العرقان». ويبين المجتزأ طبيعة السرد في رواية «العتبات». إنه سرد تجريبي يبني «القصة» على غير البناء التقليدي والخطي الذي تتتابع فيه الأحداث منسجمة متجانسة وخطية نحو العقدة (الأزمة والذروة) لتنتهي إلى نقطة مطمئنة. في «العتبات»، السرد مقتضب ورمزي، وحمال أوجه.. منفتح الدلالة والقراءة، والتأويل، و»القصة» تكاد تكون «غير موجودة» في ظاهر السرد، لأن السارد يروي سيرة شيء آخر ويقصد إلى بناء دلالة عميقة موحية، يمكن اقتراح مستواها الأول من المجتزأ السابق، أي سرد رواية تحول أهل «أم العرقان» من البداوة إلى الحضر، من دون القدرة على بناء شخصية مستقلة ومندمجة ومنسجمة مع التغييرات، لذلك وصفهم «خالد» بأنهم لم يبقوا أهل ريف وبداوة ولا أصبحوا أهل مدن. هذه في القصة الحقيقية التي ترويها «العتبات».
المستوى الثاني هو الذي تفصح عنه العبارتان الآتيتان: «ملعونة هي السياسة» و «تبّاً للعساكر المسكونين بأحقاد قديمة» (ص 145).. الحديث عن السياسة وتبعاتها وآثارها في الناس، لم يأت إلا في نهاية المتن الروائي تحت عنوان «عتاب»، إذا نستنتج أن السرد الخاص بعلاقة خالد بصديقه ريان، وعلاقة عائلة الوراق بعائلة الدواج، وحضور الجدة الحجة نجمة، ليس إلا سردا سطحيا، ظاهرا، بينما السرد الحقيقي هو السرد العميق الذي يكشف عن موضوعة الرواية، ومقصدية السارد: سرد آثار السياسة الحاقدة وهجمة الأتراك على «أم العرقان» الشرسة وما نتج عنهما من تفكيك أوصال الأسر وقتل الشباب والرجال لإضعاف القرية ودفعها إلى التقهقر والتخلف.
بعد هذا التحليل للسرد العميق، تصبح العلاقة بين الشخصية الروائية والوظيفة السردية واضحة، في أداء وظيفة الكشف والإيحاء عما يخفيه الخطاب. 
تحتل «سعدى» بنت إبراهيم الوراق مكانة في السرد، لكنها ليست ترقى إلى مكانة شقيقتها «شفق»، لقد بدأت في السرد شخصية عادية أو لنقل ثانوية من دون قيمة، ولم تمتلك القيمة داخل السرد إلا عندما أُسندت إليها وظيفة من قِبَل السارد. إذن، فالشخصية الروائية الثانوية يمكنها أن تتحول إلى شخصية محورية ورئيسي فقط عندما تُسْنَد إليها وظيفة سردية، فما الوظيفة التي كلفها السارد بها في رواية «العتبات»؟
ستصبح «سعدى» الرائية «زرقاء اليمامة» التي ترى بعين «الحلم» أحداثا ستغير ملامح «أم العرقان» وتخرجهم من كهوفهم إلى بيوت الحجر كما فعلت أختها «شفق»، وستتحول إلى محفز جديد لسعي أهل القرية إلى عالمهم الجديد. يقول السارد:
«كررت على مسامع أهل القرية الحلم.
كل يوم كانت سعدى تحلم..
وكل يوم كانت الجدة تقول: ستموت سعدى إن لم نخرجها من الكهف الذي تحاصرها فيه أحلامها.
واجتمعت بكبار (أم العرقان)، وكان كل واحد منهم يحمل كلاما يريد أن يقوله: الكهوف أصابتها عدوى كهف سعدى..
الأبناء جميعا صاروا يحلمون.. صاروا كل صباح يكررون أحلام سعدى، وينظرون إلى أعلى المرتفع باتجاه (سامتا) قائلين: ستمطر الدنيا حجارة من هناك» (ص 109).
لقد أصبحت «سعدى» محط اهتمام أهل القرية وأصبحوا ينتظرون في كل ليلة أحلام سعدى التي تعدهم بالتحول ومغادرة برودة وصلابة الكهوف إلى بيوت الحجر.. إنها الأمل الذي يعيش عليه الناس، ويبعث في الأطفال روح اللعب والمرح، لذلك ستختفي «سعدى» عن الأنظار وتعود إلى كهف أسرتها بعدما خبا اهتمام الناس بأحلامها فعادت إلى وضعيتها الأولى. تقول الجدة: «تركناها فجأة، وتخلينا عنها دفعة واحدة بعد أن تحقق الحلم، وما كان علينا أن نفعل هذا» (ص 149).
أما «هاجر» زوجة إبراهيم الوراق، فقد منحها السارد حضورا مميزا من خلال صفات الصمت والصبر أمام التقلبات والأحوال التي تميز بها زوجها الرحالة إبراهيم الوراق وابنتاها شفق وسعدى. لقد جعل حضورها صوفيا مهيمنا.

بنية الفضاء الروائي


يمكن تعريف مفهوم «الفضاء الروائي» على أنه «حركة الزمان في المكان»، أي وصف وتتبع نمو الأحداث وتطورها في أبعاد المكان. ثمة أربعة مكونات روائية في سياق تعبيري واحد، هي؛ الزمان والمكان ثم الأحداث والوصف.
يحدد الوصف من خلال طبيعة السرد وضعيةَ السارد، فهناك من الساردين، خاصة في الرواية الطبيعية والواقعية، مَن وقف طويلا وعبر صفحات عديدة ليصف المكان ويحدد أبعاده، حيث ستجري أحداث القصة. يقف الوصف، إذن، بين مكون المكان والسارد، بينما ترتبط الأحداث بحركية الزمان.
يقدم السارد رواية «العتبات» على أنها رواية سيرة مكان «أم العرقان» وتحولها من البداوة إلى الحضر، ومن العيش في الكهوف إلى العيش في الحجر، وانتقال أهل «أم العرقان» من الموروث إلى الحديث. 
أثّث السارد المكان بمكونات مختلفة الطبيعة والأبعاد للتدليل على «بناء وتحوّل» قرية «أم العرقان» وأهلها، ورسم محكي وسيرة المكان، أو كما يقول السارد «حكاية المكان» الذي بُني على تاريخ عميق لشعوب سابقة كانت لها حياة وكان لها حضور وبعضها عوقب ودُمرت مقاماته لتشكل الأرضية الصلبة المختلفة الغريبة لقرية «أم العرقان» كما يورد السياق الآتي:
«هكذا كان البدء كما يروي الراسخون في تركيب قصص الأشياء من نتف، وشتات (سواليف) يلتقطونها من أي كهل تناهى إلى وعيه بعض حكاية المكان: بعضهم يقول إنه بُني على أثر عتيق، فيه حجارة من بقايا عاد، ورمل من ركام مأرب، وحصى تناثرت من مناقير طيور أبابيل مرت فوق القرية ذات عقاب مضى، وقد جُبل التراب الذي حشي بين تلك الحجارة بماء آسن كان من بقايا ما استقر في القيعان بعد هدوء الطوفان الأول.. من كل تلك البقايا كان أساس البناء، وقد شيد عليه القصر» (ص 10).
هذا موقع قرية «أم العرقان» المكان الرسمي والحلبة التي ستقوم عليها أبعاد «الحكاية» ويبنى عليها الفضاء الروائي لرواية «العتبات»، لكنها ستتعرض للتغيير إلى درجة أن «خالد» ابن القرية لن يتعرف عليها بعد عودته إليها من فترة الدراسة خارجها، يقول لصديقه «ريان»: «تغيرت كثيرا القرية مذ خرجت منها، صارت قرى عدة داخل حدود مكان واحد، وأزمنة عدة، وبقايا أناس مختلفين لا رابط بينهم سوى الأجداد الأوائل لهم في هذه البقعة، وأنا حائر أحاول أن أستوعب ما حولي بعد أن عدت.. لم أشعر أني غبت طويلا عن القرية، لكن ما حدث في هذا الوقت القياسي، يثيرني، فيصيبني إحساس بمرور مئات السنين، وليس سنوات معدودة» (ص 11).
بهذه الطريقة يقدم لنا السارد الفضاء الروائي، محددا أبعاد المكان تاريخيا وإيحاء كذلك بما سيحدث في المستقبل، خاصة بعد وصول التركي والمغربي والحجازي وبناء القصر عند النبع، وبعد شرط «شفق» للزواج من «العزيز» مؤذن القرية، ومغادرة الكهوف الصخرية إلى البيوت الحجرية. ولم يهمل السارد الإشارة إلى الزمان سواء الماضي البعيد الذي يعود إلى بناء قرية «أم العرقان» على أرض شهدت تقلبات وأحداثا جساما، أو الماضي القريب الذي تمثل في هجمة الأتراك الشرسة على خيرات القرية والاعتداء البشع على رجالها وشبابها أو الحاضر (حاضر الحكاية) عبر التحولات التي جاء بها الأغراب وجاءت على لسان «الجد» ليحل الماضي غير اللساني المنتهي في الحاضر السردي في حكاية الجد، كأنه ماضٍ مستمر: «أخذت أبحث عن محمد وأنا أبكي..
الرجال أيضا كانوا يتفقدون القتلى ويبكون، والنساء كل واحدة كانت تندب وتعول على أب أو أخ أو ابن فقدته..
وصلت إلى محمد..
كانت عيناه جاحظتين..
رميت نفسي عليه.. ولم ألحظ من كان من أهلي ينوح ويبكي عليه معي..
كان يوم بكاء، وحزن، وحداد..
كان يوما مروعا، فقدتٌ أخي محمد، وودَّعَت القريةُ تسعة وتسعين شهيدا!» (ص 152-153).
هذا ما رواه الجد للصحافي والباحث القادم من بعيد لسماع حكاية قرية «أم العرقان» والتعرف على غرابتها وتاريخها وطبيعة أهلها، والكشف عن أسرارها. يبدو السرد هنا سيرة مكان، سيرة مدينة، أو سيرة بلد بُني من نور نار وعقاب وألم وصخور وحجارة وحديد.
إلى جوار «أم العرقان» هناك قرية «سامتا»، وهي مختلفة تماما عن الأولى. «أم العرقان» قرية غريبة ومختلفة، ليست لها مقبرة كما في «سامتا»، لأن موتاها يختفون ولا يموتون، ولأن بيوت أهل «سامتا» من حجارة وليست كهوفا في الصخور. يقول خالد الطفل: «أول مرة كانت عندما زرت أخوالي في القرية المحاذية لنا، وكان اسمها غريبا، غير أن أهلها كانوا أبسط منا في حديثهم وحياتهم وتعاطيهم مع الأشياء. الشيء الوحيد الغريب عندهم هو اسم قريتهم (سامتا)، التي لم أعرف معناها حتى عندما كبرت» (ص 89). بخصوص الاختلاف في الموت وغرابته بين القريتين، يضيف خالد من حوار مع جده:» أتاني جوابه قلقا كالزئبق، ومقطوعا غير مكتمل. سيرة الموت هنا في (أم العرقان)، ليست كما هي هناك في (سامتا) والقرى الأخرى.. موتنا ليس كموتهم!» (ص 90).
غرابة بناء قرية «أم العرقان»، وغرابة الموت واختلافه عنه في «سامتا» والقرى الأخرى، جزء مهم من بناء الفضاء الروائي الفنتازي في رواية «العتبات»، فلا عجب أن تلونت أبعاد الزمان والمكان ومكوناتهما، لذلك نجد:
– الكهوف: وهي الموطن الرسمي لأهل «أم العرقان»، فيها أسرار حياتهم، وفيها أرواح موتاهم، يقضون الأيام الباردة الماطرة فيها مع دواجنهم ومؤونتهم، وتحفظ الصخور الصلدة الصماء أصولهم الريفية والبدوية.
– الخيام: وهي موطن أهل «أم العرقان» في أيام الصيف، فيتحررون من الروائح الكثيفة والخانقة لازدحام الإنسان والحيوان والمؤن في المغارات.
– القصر: وهو البناء الشؤم والسحري الذي شيده الأغراب الثلاثة؛ التركي والمغربي والحجازي، عند نبع القرية. في القصر ستسيل دماء كثيرة، دماء الغدر عندما يقتل التركي غريميه ورفيقيه المغربي والحجازي، ودماء الأبرياء الذين سيقتلهم الجنود الأتراك بدماء باردة.
– البيوت الحجرية: وهي البيوت التي ستنتشر وتمتد لبناء قرى داخل القرية الأم «أم العرقان» بعدما طالبت «شفق» ببناء الجامع وغرفة مجاورة له تجمعها بزوجها «العزيز» المؤذن والإمام.
تتميز هذه الأمكنة بالانغلاق لأنها أماكن للإقامة، وهي غير ذات قيمة من دون أهلها والأحداث التي ترتبط بهم. أما الأمكنة المنفتحة فهي «النبع» الذي يخترق «أم العرقان» وينحدر من «سامتا»، بالإضافة إلى أمكنة بلا ملامح وتحديدات لأنها غير ذات أهمية في الكشف عن بنية الفضاء الروائي لرواية «العتبات». 

يمكن القول إن الفضاء في رواية العدوان يقتصر على قرية تعرضت بفعل تدخل الأغراب إلى تحولات عميقة، لكنها تحولات لم تكن يسيرة، بل كلفت أهلها خسارة في الأرواح، وهي سيرة كل المدن العربية وغير العربية التي وجدت نفسها مع مرور الزمان وتضخم أحلام أبنائها وحفدتها في مواجهة ماضيها من أجل التجدد والخروج إلى الأفق الممتد المنفتح.
هذه الرواية تؤكد على مظهر سردي مر بنا في دراسة رواية سميحة خريس «دفاتر الطوفان» وفي رواية إلياس فركوح «غريق المرايا» وفي أعمال سردية أخرى، ويتمثل في «سيرة مدينة» كما عنون عبد الرحمن منيف كتابه السير ذاتي عن مدينة «عَمَّان».

*كاتب وناقد من المغرب
( الرأي الثقافي )

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *