*عبد الباقي يوسف
تناول هذا الروائي آثار الحرب على عامة الناس ، وبذلك استطاع أن يعبر عن الرأي الشعبي للناس عامة برفض خوض غمار الحرب مهما كانت الأسباب .
انطلق أويه من بلاده التي عانت من وطأة الحروب التي ألحقت بالناس الويل ، فكان تصوير آثار ما خلفته هذه الحروب على سيكولوجية الإنسان الياباني .
تتمتع أعمال كتزا بورو أويه بنداء الإنسان إلى أخيه الإنسان في سبيل السلم والأمن والحب ، وعقد علاقات إنسانية حميمية . نداء الإنسان الذي يرى أن مستقبل الإنسان يكمن في المحبة والعلاقات الإنسانية الطيبة .
هذا الكاتب يميل إلى سلسلة الأدباء الذين يميلون إلى الكتابة بصمت ، وأن يتجه الآخرون بشتى السبل لاكتشافهم ، يكتب كنزا بصمت ، ودون أي ضجيج ، وحتى عندما يطرح أفكاره الكبرى سواء من خلال أعماله ، أو من خلال تصريحاته لوسائل الإعلام في بعض المناسبات ، فإنه يطرحها بمنتهى الهدوء .
ولد أويه يوم 31 من كانون الثاني 1935 جنوب اليابان , في جزيرة شيكوكو وتحديدا في قرية / أوسي/.
يعلق كنزا بورو أويه الكثير من آماله على الأدب ، ويرى أن الأدب يستطيع أن يؤثر بفعالية في تغيير العالم ، وجعله أكثر سلماً .
يقول : / إن الانفتاح على المنظور المستقبلي وفق السلم الكوكبي لن يكون ممكنا إلا إذا نجح معاصرونا برفض الوضع النووي الحالي بحسب رأيي , إن الجهود الخاصة بإيجاد حل لهذا الوضع يجب أن يكون في صلب عمل الفنانين اليوم .
علينا أن نبدع ونحن نفكر بهذا الوضع ونحن نرتكز على هذه الفكرة نموذجا لهذا العالم المعاصر – أي نموذجا للعالم المستقبلي – حيث نستطيع العيش من دون التآخي مع الرعب في تدمير هذا الكوكب .
كذلك علينا أن نبدع – من خلال اللغة الأدبية والخيال – نموذجا لتجربة مستقبلية تبتعد عن إفناء العالم .
هل أن أدباً مماثلا يستطيع أن يكون فعالا في واقع كهذا ؟
عل هذا السؤال أن يُطرح بلا توقف , على كل كاتب إذا تضاعف الوضع النووي تفاقما , وعليه بدوره أن يطرح السؤال نفسه بصوته الأصدق وعن هذا السؤال , أعتقد أن ردة فعل الكتاب الأولى ستكون : هل عليّ آنذاك أن أتخلى عن الإبداع الأدبي / .
جائزة نوبل للآداب
قدّم هذا الروائي أعمالاً مهمة ، ومن هذه الأعمال :
– غذاء التدجين سنة 1958
– أوغيي مسخ الغيوم سنة 1964
– لعبة العصر سنة 1967
– علينا أن نتجاوز جنوننا سنة 1969 / إلى العربية ترجمة كامل يوسف حسين .
– يوم سيتكرم بمسح دموعي سنة 1971 / عن يوكيو ميشيما /
– الطوفان الممتد حتى روحي سنة 1973.
– النساء اللواتي ينصتن إلى شجرة المطر سنة 1982 استيقظوا يا شباب العصر الجديد سنة 1983 .
– كيف تقتل الشجرة سنة 1984 .
– مسألة شخصية سنة 1987 . إلى العربية ترجمة وديع سعادة .
يمكن تقسيم أفكار أويه إلى ثلاث مراحل هـي :
1 – ميلاد طفله المعاق الذي سبب له أزمة نفسية حادة .
2 – هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية .
3 – الصراع بين التراث والمعاصرة والحصول على نتيجة هذا الصراع
عمل أويه في أعماله على هذه المحاور والتي لاتكاد تنفصل عن بعضها بالنسبة إليه ، وهو يسعى من خلال هذه المحاور أن يقدم أفكاره الجديدة بعد اطلاعه الجيد على الآداب والفلسفات والأفكار في العالم .
استطاع أويه بأعماله التي لفتت الأنظار أن يعيد جائزة نوبل للآداب إلى بلاده اليابان ، وقد اسهم هذا الفوز في انتشار أعمال هذا الروائي وترجمتها إلى غالبية لغات العالم .
ذات مرة أراد الروائي الياباني الشهير يوكيو ميشيما أن يصف كنزا بورو أويه فقال : / يتربع كنزا اليوم على قمة الأدب الياباني /. ولم تمض سنوات على قول يوكيو وانتحاره بشكل مأساوي حتى أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية عودة جائزة نوبل إلى اليابان مرة أخرى منذ عام 1968 حيث كان قد فاز بها كاواباتا ياسوناري لأول مرة في اليابان .
لقد أخرج أويه رواية ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى العالمية بفوزه بهذه الجائزة ، وهو الذي يمثل جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية .
في 13/ 1 / 1994 أعلنت الأكاديمية السويدية فوز الروائي اليابانى كنزا بورو أويه غير الشهير بها, ومن يومها غدا من أشهر روائيي اليابان الذين يتمتعون بمكانة أدبية وثقافية مرموقة ,وما هو هام أن أويه سوف يستغل هذه المكانة من أجل الدعوة إلى عالم بلا سلاح , وبلا حروب , وألا تكون الأسلحة النووية بيد أناس دون غيرهم , لأن مجرد وجود مثل هذه الأسلحة لايعني الأمن بأي شكل , وأن تكون الورود بدلا عن الأسلحة بأيدي الناس , لأن الورود عندما تكون بأيدي الناس هي التي تجعلهم يشعرون بالأمن .
في كلمة الأكاديمية السويدية بمناسبة منحه نوبل قالت : / إن تجربة الحرب وانهيار اليابان في عام 1945 أثرا على تطوره بشكل قوي ، وقد شكل بقوة وشاعرية عالما خيالياً حيث تتكثف الحياة والأسطورة في صورة مؤثرة لوضع الإنسان في العالم المعاصر.
إن استسلام اليابان بعد إلقاء القنابل الذرية في العالم 1945 شكل للشاب أويه صدمة عنيفة ، وترك هذا الذل في نفسه أثراً عميقاً وميّز الكثير من أعماله . ومما جاء في كلمة الأكاديمية أيضاً : إن رواية رهان القرن 1967 ، أو الصرخة الصامتة هي عمل أساسي لأويه ، فهناك مسألة ثورة فاشلة لكن وفي العمق هناك علاقات البشر في عالم لايمكن الدخول إليه حيث تتداخل المعارف والأحلام والطموح فيما بينها . عرفت دراساته توجهاً غربياً ، وتأثر بقوة بثقافة الغرب ، ومن بين الكتاب الذين يعددهم نرى : دانتي ، ورابليه ، وبلزاك ، وبخاصة سارتر الذي أدت أفكاره الوجودية دوراً حاسماً بالنسبة إليه . وكذلك مما ورد في كلمة الأكاديمية السويدية في شرحها عن أسباب اختياره لنوبل : لقد عُرف منذ بداية حياته الأدبية في الخمسينات بالشخصية المناضلة المدافعة عن حقوق الإنسان ، والمعارضة للتسلح النووي ، والمعالجة للقضايا التي تتعلق بالعلاقات الإنسانية .
وفي معرض حديثه عن فوزه بهذه الجائزة قال أويه : / هذا الشرف هو شرف لكل الكتاب الآسيويين ، آمل أن أستطيع بفضل هذه الجائزة أن أنشر الأدب الآسيوي في باقي العالم . إن آسيا تنتج أدباً يجب أن يكون معروفاً جيداً في الخارج .
يتمتع أدب هذا الكاتب بحس إنساني ويدعو إلى حالة السلم بين الإنسان وأخيه الإنسان ، إضافة إلى تمتع هذا الأدب بفنية عالية ، وأفكار إنسانية .
إن كتابات أويه تدعو إلى الحياة الطبيعية بين الإنسان وأخيه الإنسان ، وترى بأن الحرب ليس بوسعها إلا أن تزيد مشاعر البغضاء بين الناس ، وفي النهاية فإن مستقبل البشرية لايكون بغير السلم ، إذ أن ليس للإنسان غير الإنسان ، ولا شيء يبرر اعتداء الإنسان على حياة أخيه ،لذلك فإن هذه الأعمال تدعو إلى المزيد من المحبة والتكاتف الإنساني
إن كنزا بورو أويه يعد من أعمدة الرواية في اليابان ، وقد عُرف بأنه حقق شخصية مستقلة وفاعلة للأدب الذي تحقق بعد الحرب ، هذا الأدب الذي تفوح منه رائحة الدعوة إلى السلم ، ونبذ أي شكل من أشكال إلحاق الأذى بالإنسان مهما كانت الأسباب ، لأن لا راية تعلو راية حرية الإنسان ، وحقه في العيش بسلام.
_______
*(المدى)