تقديم : فاطمة بن محمود *
( ثقافات )
ظهر العدد الجديد الرابع عشر من مجلة الامارات الثقافية و قد كان وفيا كعادته الى تنوع مواضيع المجلة و ثراءها الابداعي و عمقها الأدبي اضافة الى جمالية العدد التي تعكس جمال الاخراج و أناقته.
بدأت المجلة كالعادة تحافظ على شخصيتها الأدبية من خلال أبوابها القارة التي تبدو مبتكرة و هامة من ذلك ان رئيس التحرير الدكتور رياض نعسان آغا في زاويته القارة ” سؤال الثقافة” ينتصر للمرأة الاماراتية المبدعة من خلال تمكينها من التعبير عن ذاتها ابداعيا بنشر ما تجود به قريحتها الأدبية و الفنية وتوفير فرصة هامة لمقاربات نقدية تهتم بهذه الابداعات ويفسر الدكتور آغا ان هذا الانتصار يتناسق و الاختيارات السياسية لدولة الامارات التي تدعم المرأة في شتّى المجالات التعليمية و الاقتصادية و غيرها بما يجعلها عنصرا ايجابيا يساهم في ازدهار الدولة وبناء مجدها .
أسئلة فكرية :
في محور الفكر قدم الدكتور رياض نعسان آغا موضوع ” المغامرة الفكرية في الفلسفة الاسلامية ” و عاد الى التاريخ الاسلامي ليبحث عن أجوبة لأسئلة كونية من ذلك البحث عن مصدر المعرفة عند الانسان و يعتبرالدكتور آغا أن العصر العباسي هو الذي شهد فيه إطلاق العقل العربي ليفكر و لذلك ظهر المعتزلة الذين انطلقوا في التفكير خارج أطر التحريم اضافة الى تجربة ابن طفيل من خلال كتابه الشهير ” حيّ ابن يقظان ، و لا تخلو مقاربة الدكتور آغا من بعض المآخذ الفلسفية من ذلك ان ابن طفيل لم يتمكن من التحرر التام من سلطة المعرفة السابقة و اعتبر ان ” الفيلسوف المؤمن” هو الأهم في ترتيب الرجال.
أيضا في باب الفكر قدم الدكتور محمد علي حاج يوسف تجربة ابن العربي في الشام التي أقام بها و كتب فيها أهم كتبه على الاطلاق و هما ” الفتوحات المكيّة” و” فصوص الحِكم” . و الى جانب هذه الدراسة الهامة التي تضرب في عمق التاريخ العربي نجد عودة الى اللحظة الراهنة التي تشهد فيها الثقافة تغيرات كبيرة و جذرية من خلال مقالة هامة و مبتكرة بقلم السيد نجم يتحدث فيها عن ” الثقافة الرقمية و النص الجديد” حيث يتحدث عن دلالة الصناعات الابداعية مثل الرواية الرقمية و الشعر الرقمي و المسرح الرقمي .. و يقصد بذلك ان النص الابداعي يتأثّر بمؤثرات الملتيميديا من صورة و صوت و حركة و فن الجرافيك و يشير نجم ايضا الى المجتمع الرقمي و مشاكل العلاقات الانسانية الافتراضية و هو مبحث هام يفتح على الراهن و يطرح أسئلة تهتم بمستقبل الكتابة الأدبية في ظل هيمنة الوسائل الاتصالية الجديدة .
و ربما هذا ما جعل نور الدين علوش يبحث في مقالته عن الحداثة عن مفهومها و سماتها و مستوياتها.
الورشة النقدية و انتصار للمرأة المبدعة :
في باب الورشة النقدية يقع الاحتفاء بالروائية الاماراتية سارة الجروان التي لها سبع اصدارات في القصة و الرواية و تحصلت على جوائز عدة و اهم ما في تجربة الجروان انها تعدّ أول امرأة روائية في الامارات باصدارها ” شجن بنت القدر الحزين ” التي اهتمت فيها بهموم المرأة و مشاكلها الاجتماعية في ظل ثقافة تشهد تغيّرات عميقة و سريعة نحو التطور و الانفتاح، فكتبت عن سارة الجروان سمر روحي الفيصل و صالح هويدي و نبيل سليمان و فاتن حمودي و سامح كعوش الذي أشرف أيضا على هذه الورشة و التي اختتمت بحوار مع الروائية أجرته معها دارين قصير.
في باب الفن التشكيلي كان فنان العدد بيكاسو من خلال مقاربة جمالية ” التحول المفصلي في الثقافة البصرية ” بقلم فواز ناظم في حين اهتم محمود شاهين بتجربة الفنان التشكيلي الاماراتي خليل عبد الواحد و ياسر سلطان بتجربة أعمال يوسف جنستار.
في باب النقد الأدبي كتب حمزة قناوي عن ” مائة قصيدة و قصيدة ” لشهاب غانم فبحث في ثنائية الشعر و الحياة . و ان كانت الدكتورة ماجدة حمّود تحدثت عن خيبة التلقي لقارئ الرواية الاخيرة للجزائرية أحلام مستغانمي ” الأسود يليق بكِ ” فان الدكتور الباحث حبيب مونسي قدم ورقة نقدية هامة اشتغل فيها على قراءة من ملامح التحوّل في الشعر النسوي الجزائري الحديث ، في حين اهتم الدكتور يوسف حطّيني بشكل عميق في البحث عن خصوصية القصة القصيرة جدا عند الناقد المغربي الدكتور جميل حمداوي.
رياح الابداع بين الشرق و الغرب :
في باب الابداع كان كالعادة انفتاح على كل الأنماط الأدبية اذ قدمت قصائد للشاعر طارق حداد و قصة قصيرة لفتحية النمر و أخرى لفاطمة عبد الله و قصص قصيرة جدا لعبد الله المتقي .
و لعلّ من أهم أبواب المجلة باب يقدمه الدكتور أحمد فاتح زغل و يشتغل فيه في كل مرة على مبدع من الشرق و آخر من الغرب من خلال مقارنة بين أثرين أدبيين لهما فيرصد فيهما نقاط التلاقي والاختلاف و قد احتفى هذه المرّة بالروائية السعودية رجاء عالم من خلال روايتها ” طوق حمام ” و الروائي التركي أورهان باموك من خلال روايته ” إسمي أحمر ” و ان كانت رجاء عالم في روايتها تتحدث عن قتل امرأة مجهولة في أحد أزقة مدينة مكة المكرّمة فان باموك ايضا يشتغل في روايته على قتل فنان تشكيلي لانه يرسم بطريقة مختلفة .. و من خلال الروايتين / الجريمتين يقوم الدكتور زغل بنبش في المكان و بحث في زواياه الثقافية ليرصد التقاطعات الممكنة بين الروايتين و ينتصر لعناصر البهاء فيهما.
هذا الباب للدكتور زغل يمهّد في المجلة للانفتاح على الأدب العالمي و لذلك اهتم الروائي صلاح الدين بوجاه بالشاعر الاذري كنجوي و يهتم الناقد بالكاتب الكوري ” لي دونج ها ” من خلال ثلاثية روائية له ويبحث في الترابطات الممكنة بين السيرة الذاتية و التركيبة النفسية و المناخات الثقافية و الاجتماعية لمجتمعه..
نصيب لعالم الصورة :
في باب السينما كتب رياض عصمت عن رائعة الادب فيتزاجيرالد التي تحول الى شريط سينمائي وكتبت مانيا سويد عن سيد الخواتم وعودة الملك ، وكتب سليمان الحقيوي عن ستيفن سبيلبرغ و اهتمامه بالتاريخ الامريكي من خلال تحويل شخصية الرئيس الامريكي السابق لينكولن في شريط سينمائي وكتب فؤاد زويريق عن متعة الحكي و فتنة الصورة في الفيلام الكندي ” توقيت القاهرة ” الذي اعتبره رد اعتبار الى صورة مصر التي شوهت في أفلام كثيرة .
في المسرح كتب نجم الدين السمّان عن مسرح ما بعد الحداثة .
و في باب حضارات كتب الدكتور علي القيّم عن سحر الزمن القادم من إبلا حيث اهتم ببعض الأماكن القديمة و الساحرة في سورية الحضارة و العمق التاريخي .
و باب الكتب وقع الاهتمام هذه المرة بكتاب ” عن الفساد العالمي ، المال و السلطة و الأخلاق في العالم المعاصر ” للكاتب الامريكي لورنس كوكفرت قدمه بشير حمادة .
” أخيرا ” كانت كلمة الختام بقلم الشاعرة المغربية إكرام عبدي التي نادت في الصفحة الاخيرة من المجلة الى فتح أبوابنا للهوى العذري لمواجهة هذا العالم المتوحش الذي نعيش فيه الاقتتال المجاني والموت العنيف و الفوضى المربكة حتى ” تتدفق مياه العشق من جديد في حياة يبست عروفها و ملّت الرتابة والتكرار”.
* شاعرة وصحفية من تونس