*ميرفت صادق-رام الله
عندما صاحت الشخصية الرئيسية في مسرحية القميص المسروق أبو العبد “أنا مش حرامي.. أنا زلمة متعلم بدّي أعلم الناس وأنور عقولها” كان يسترجع وصفه الأول قبل تهجيره من فلسطين في نكبة 1948، ذلك “الإنسان المتعلم” لا “الفاسد الجاهل” في مخيم فقير، كما بعض أبطال المسرحية.
هذه كانت الفكرة الأهم من المونودراما المسرحية “القميص المسروق” التي مثلها وأخرجها الفنان الفلسطيني مصطفى أبو هنود في رام الله مؤخرا، مستندا إلى ثلاثة نصوص للأديب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني، هي “القميص المسروق” و”ورقة من الطيرة” و”ورقة من حيفا”.
وصدرت مجموعة “القميص المسروق” القصصية القصيرة عام 1982 بعد اغتيال كنفاني بعشر سنوات. وقدمت المسرحية المستوحاة منها خطابا إنسانيا-كما يقول أبو هنود- عن الفلسطيني الذي فقد كيانه في النكبة وألقي به في مخيمات اللجوء الفقيرة تحت رحمة المساعدات الدولية.
ولجأ أبو هنود بالعمل المسرحي إلى فن المونودراما، وهو أحد أشكال المسرح التجريبي القائمة على ممثل واحد يسرد الحدث عن طريق حوار بين شخصيات متعددة يؤديها ضمن مستويات صوتية وحركية متباينة، وفي خلفيتها ديكور من الخيام السوداء.
حلم العودة
يقول أبو هنود إن المسرحية تتحدث عن الإنسان الفلسطيني أينما وجد وتوقه للعودة إلى أرضه، من خلال إصرار الشخصية الأساسية التي فقدت فرصة العمل والحياة العائلية المستقرة وتعرضت لابتزاز لدفعها للمشاركة بسرقة طحين اللاجئين، لكنها رفضت.
ورصدت المسرحية الواقع السلبي الذي عاناه اللاجئون الفلسطينيون من خلال تأخر مؤن الإعاشة من وكالة الغوث الدولية، حيث تكتشف الشخصية الرئيسية أبو العبد أن تأخيرها سببه سرقة الطحين والمواد الغذائية من قبل القائمين على توزيعها ممثلة بشخصية “أبو سمير” بالتعاون مع جهات أجنبية.
ويغدو أبو العبد غير قادر على شراء الطحين، وتراوده نفسه أحيانا بالسرقة لأجل شراء قميص جديد لطفله عبد الرحمن ولتفادي شكوى زوجته فاطمة اليومية، لكنه يصر على البحث عن عمل شريف ويرفض أن يصير سارقا من خلال تكرار لازمة “أنا مش حرامي أنا إنسان متعلم”.
واستطاع أبو هنود أن يقدم في المسرحية ست شخصيات منها الرئيسية أبو العبد وأبو سمير والزوجة فاطمة وغيرهم تنقل بينها بسلاسة ظاهرة، رغم إقراره بصعوبة المونودراما التي يضطلع فيها ممثل واحد بكل الشخصيات.
ويقول أبو هنود إن صعوبة هذا الشكل من الأداء المسرحي تكمن في أن ممثلها يضطر للبحث عن وسائل للتعويض في الجانب البصري للجمهور.
ففي العروض الجماعية يتشكل مشهد بصري يساهم في إزاحة الملل ويستقطب المتلقي، لكن في المونودراما تصبح تقنية الأداء مختلفة من ناحية التشخيص المتعدد لشخصيات أخرى، مع أداء غير متكرر لكل شخصية.
عالم كنفاني
وعن استحضاره لنصوص كنفاني، يؤكد أبو هنود أنه قدم أدبا ثريا مليئا بالحكايا والقصص، ويمكن ببساطة الاتكاء عليها للخروج بعمل فني يمثل المعاناة الفلسطينية بعيدا عن الخطاب السياسي الذي لطالما قدم الفلسطيني كأنه سوبرمان وجرده من إنسانيته بتناقضاتها ووجعها وعقدها أحيانا.
ويرى أبو هنود في فكرة “القميص المسروق” ومقاومة الفساد، حلما فلسطينيا وعربيا قديما وجديدا، لذلك أهدى مسرحيته لمن وصفهم بالحالمين بالحرية في سوريا والعراق وتونس ومصر، مؤكدا أن نص القميص المسروق يتقاطع مع حلم أي إنسان يشعر بالظلم في فلسطين وسوريا والعالم.
وفي حين قضى أبو هنود معظم حياته في الشتات، حيث ينتمي لعائلة نزحت عن البلاد قبيل حرب يونيو/حزيران 1967، ولم يتمكن من العودة إلا من فترة وجيزة. فإنه يعتبر القميص المسروق بمثابة عودة للوطن، وهي مهداة -كما يقول “لأصدقاء اشتركت معهم حياتي وتعليمي وآمنت بقضيتهم في الدفاع عن حقهم في الحرية والثورة من أجل حياة كريمة”.
ومن خلال صرخة بطل المسرحية في نهايتها رافضا أن يصير طرفا في منظومة فاسدة، يعتقد أبو هنود أنه انتصر في هذا العرض للوعي والتنوير، فالفنان والمثقف وفق تعبيره “نبي على الأرض لم يحمله الله رسالة، لكنه يتحمل مسؤولية الوعي للإنسان”.
رسالة من فلسطين
وعن رأيها في المسرحية، تقول الممثلة الفلسطينية ميساء الخطيب، وهي أحد أعضاء مسرح الفن الشعبي الفلسطيني، إن أي عمل مسرحي فلسطيني هو رسالة من فلسطين ولها، فما بالك إن كان العمل عن نص لأديب مثل غسان كنفاني كانت فلسطين همه في حياته واستشهاده.
ورأت الخطيب في رسالة مسرحية القميص المسروق محاولة توعية ضد فكرة تغيب اللاجئ الفلسطيني داخل فلسطين وخارجه، مضيفة “وكأنها تطرق جدران الخزان وتقول إن اللاجئ ما زال حيا وما زالت حقوقه مسروقة”.
وقالت إن عروض المسرح الشعبي بكل ما تحمله من قضايا وطنية جذرية بالنسبة للفلسطينيين، لا تقدم للنخبة وإنما تسير مثل القميص المسروق إلى كل المناطق الفلسطينية وتلاقي حضورا هائلا.
يُذكر أن مسرحية القميص المسروق عرضت لأول مرة في فلسطين بعد عرضها الافتتاحي بالعاصمة الأردنية عمان، على أن تعرض خلال الشهور القادمة في مناطق متفرقة بفلسطين وتنتقل إلى المغرب العربي ودول أوروبية أيضا.
__________
*(الجزيرة)