تجلّيات البحر


*عبدالحميد القائد


(1)
صَدِيقِي البَحْرُ 
أَودَعْتُ أَسْرَارِيَ فِيكَ 
صَفحَةُ موجِكَ 
تُرحِّبُ بِي بِشَغَفٍ 
تَرسُمُ لِيَ وَجْهَ مَحْبُوبَتِي 
مُشعّاً خَالياً إِلا مِنَ الحُبِّ 
فَأَغرَقُ فِي الوَلَهِ السَحِيقِ 
فِي لُجَجِ عَيَنيْهَا 
كَمْ أَنتَ وَفِيٌّ أَيلاهَا البَحْرُ
وَغَامِضٌ في هُدوئِكَ الخَطِيرِ
مِثلُ وَج(2)
أمامَ البَحرِ أَلتحِفُ بِوجهِكِ 
ليَقِينيَ حَرارةَ الشَوقِ
أستحضِرُ عينيكِ 
لتحَميِنيَ من نَسَماتِ الوِحدةِ
أهرَعُ إلى عِطركِ المَلائِكِّي
أمنحكِ سَواحِلي الزُمرلاديَّةَ
لتَدفُنَي فِيهَا دَمعَكِ الثَمِي(3)
أَخبَرنِي البحرُ قَبلَ قَليلٍ 
بأنَ وَجهَكِ انعَكسَ على صَفْحَتهِ 
وَعَانقَ المَاءَ بِشهوةٍ مُتَمرِّدةٍ 
وَبأنكِ نَقشتِ حُروفَ اسمِي عَلى رَملهِ 
وَالتَهَمَها المَوجُ شَغَفَاً 
وَأَبلغَنِي بَأنَ مُقلتيكِ هَمَسَتْ لَهُ 
بَأنَّ فَارسَكِ الغَريبَ تائهٌ 
فِي أَفياءِ رُوحِكِ الشَاسِعةِ 
باَحثَا مِثلَ جِلجَامش 
عن سِرِّ الخُلودِ الهاربِ منهُ فيكِ
وَبأنكِ أقفَلتِ الأَبوابَ
كَي لا تَخْطِفَهُ الفِراشاتُ الشَاردةُ 
وِبأنَّكِ تَهابِينَ غِيرةَ البَحرِ 
مِن طَيشِكِ الشَهِّي 
وِمن عِشقِ الفَيرُوزاتِ 
لقَلبِ الغَريبِ المَفقودِ فِي عِي(4)
جَالسٌ أمامَ البحرَ أَكتُبهُ
لكنَّ وَجهَ الموجِ اختَفى فُجأةً
لِم يَبتسمَ لي كسَابِقِ عَهدهِ
رُبَّمَا لم يُعجبُهُ وَجهِي هَذا اليَوم(5)
فَاجَأنِي البَحرُ اليَومَ 
بِإرسَالِ قُبُلاتٍ طَائرةٍ لِي
ليُصَالِحَنِي
وفَاجَأنِي مَرةً أخرَى 
بِرَسمِ صورةٍ مَوْجِيَّةٍ لِوَجهِكِ
عَلى صَفحةِ المَاءِ 
تَحَوَّلْتِ إلى حُوْرِيَّةٍ غَجَرِيَّةٍ 
هَاتَفَتْنِي بِعينَيْهَا 
قَالَتْ: سَأُلْقِمُ عِشْقَكَ لِلْبَحرِ 
ليَكونَ وُقُودَ بَهَائِهِ 
يَتحَوَّلُ عِشقُنَا مَوْجَاً
مَسٌّا من نَشوَةِ حُبٍّ أَفْلاطُونِيٍّ 
مَعْجُوناً مِن الطَّحَالِبِ 
وأعشَابِ البَحْرِ اليَانِعةِ 
مِثلَ أَشجَاِرِ حُزنِكَ الهَارِبةِ إِليكَ
سَأَملأُ نَومَكَ رُؤيَا
وَشَغَفَا خَمرِيٌّا
يَفِيضُ نَجوًى إِيِمَانِيِّةً
أَهَازِيجَ عُلوِيةً
تَخلُقُكَ وَتبْعَثُنِي أَزهَارَ لُوتُسْ
تُغَطِّي قَسَماتِ أودَاجِكَ المَجرُوحَةَ 
انتَظِرْنِي عِندَ المَقهَى العَتِيقِ
سَأجِيءُ إِليكَ مَعَ فَيرُوزَاتِ البَحْرِ 
بِقَهوةِ رُوحِي (6)
في الأفقِ الأبعدِ من البِحرِ
لا أرِى غَيرَ كَفيّكِ 
تُلوَّحانِ لِي 
وَتَبكِي 
والبحرُ يَلثُم دَمعكِ 
وَيحضُنُكِ في ولهٍ حَنونْ(7)
أَيلاها البَحرُ 
أَهفُو إلى النومِ على سريركِ لأحلمَ 
وأَنسَاهُنَّ جَمَيعاً 
فَقَد نهَبوا رُوُحي 
وَمضَوا.
_________
* شاعر من البحرين(أخبار الخليج)

شاهد أيضاً

طه درويش: أَتكونُ الكِتابَة فِردَوْسَاً مِنَ الأَوْهامْ؟!

(ثقافات) طه درويش: أَتكونُ الكِتابَة فِردَوْسَاً مِنَ الأَوْهامْ؟! إلى يحيى القيسي لَمْ نَلْتَقِ في “لندن”.. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *