سامر المشعل – بغداد
يعود الشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي إلى الحياة من جديد عبر فيلم سينمائي يجسّد تجربته الشعرية الممزوجة بالموسيقى والتمثيل والرقص.. فكرة العمل ليست جديدة، إنما وجد المخرج نزار شهيد الفدعم الظروف مواتية لإظهار عبد الوهاب البياتي إلى الوجود في هذه الأيام.
كتب السيناريو المؤلف فاروق محمد، ويأتي هذا الفيلم ضمن مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربيّة عام 2013.. الذي سيكون مختلفاً في طريقة التناول والرؤية الإخراجية، للاحتفاء بالبياتي كونه يمثل أحد رموز الثقافة العراقية، وله موقف وطني واضح عبر عنه بشكل علني إزاء الحقبة ألدكتاتورية دفع ثمنه تشرداً واغتراباً، حتى مات في غربته خارج الوطن، بعد أن أسقطت عنه الجنسية العراقية، ..فيلم البياتي كان حلماً يراود مخيلة المخرج نزار الفدعم منذ أكثر من عشر سنوات،إذ دعا المخرج الذي كان حينها في الأردن المؤلف فاروق محمد وكلفه بالكتابة عن البياتي، وتحت جنح السرية، تمت كتابة النص العام 2002 اذ كانت الكتابة عن البياتي آنذاك تقع ضمن محظورات النظام السابق.
فكرة الفيلم
عن فكرة الفيلم تحدث المخرج نزار الفدعم قائلاً:” الفكرة والنص يعودان إلى أكثر من عشر سنوات مضت. كتبه الصديق فاروق محمد بطلب مني رغم ممانعته في البداية; لأنّ الكتابة عن الشاعر عبد الوهاب البياتي في ذاك الزمن، كانت تمثل مجازفة غير محسوبة النتائج، لكونه ، ومع الجواهري الكبير والنواب، قد شكّلوا عنواناً ثقافياً كبيراً ضد النظام السابق ..لذا تخوف الكاتب في البداية، برغم اني دعوته إلى الأردن كي يكتب النص مع نصوص أخرى ..كان اقتراحي عليه أن نكتب عن البياتي بشكل مغاير وغير متعارف عليه وفي الوقت نفسه لا يثير الشبهات بالنسبة له على الأقل، خصوصاً وإن حياة البياتي، حافلة بالصراع والاختلاف والأفكار والرؤى وهذا ممكن أن يوقعنا بمشاكل نحن في غنى عنها .
لم نتناول البياتي كسيرة شخصية بشكلها التقليد،أو الغوص في حياته الخاصة والعامة ..بل تناولنا جانباً مشعاً في حياته وشعره; غربة الشاعر ..واغتراب المكان وتوحد الشاعر في لحظات الابداع .. ويتم ذلك باستحضار كل الشعراء المبدعين الذين تأثر بهم البياتي من خلال حوار عميق وشفاف.
الفيلم عبارة عن أغنية متنوعة الايقاع مشدودة مع بعضها بنسيج سري يتناغم مع الموسيقى الداخلية، التي تتيح مجالاً واسعاً للإبداع في الصورة والموسيقى والتمثيل والحوار …الفلم ليس وثائقياً وليس درامياً تقليدياً..هو حالة خاصة بين الشعر والتمثيل والتشكيل والمسرح والموسيقى والغناء والسينما”.
الاحتفاء بالبياتي
وعما يشكله الشاعر عبد الوهاب البياتي بالنسبة لبغداد عاصمة الثقافة العربية، وتوقيت إنتاج الفيلم في هذه الأيام يقول الفدعم:” عبد الوهاب البياتي من شعراء الحداثة المؤسّسين وهو صاحب فكر ورؤيا ..وشعره مترجم إلى أغلب لغات العالم ..وهو مثقف فاعل في الحركة الأدبية العربية وله حضور عالمي في المؤسّسات الأكاديمية أو عند النخب الثقافية أو الجمهور الاعتيادي، مع موقف سياسي متميّز ينتمي إلى اليسار وقضايا الأمة والإنسانية وكان يشكل مع الجواهري الكبير ومظفر النواب جبهة كبيرة ضد النظام السابق …ومن حق بغداد التي أحبها وعشقها ممثلة بباب الشيخ والكيلاني وشيوخ الطرق الصوفية ابن عربي والحلاج والنفري ومن حق عائشة وبستانها أن يكون لعبد الوهاب البياتي حضور في هذا العرس الثقافي ولو بفيلم يتيم قد ينتمي إليه أو لاينتمي!.
الرؤية الاخراجية
اما بالنسبة للرؤية الإخراجية لعرض يجسد مثل هذه الشخصية، فتحدث عنها مخرج الفيلم موضحاً:” الرؤية الإخراجية موجودة في ثنايا النص المكتوب وقد تكون بين ثنايا هذا اللقاء ..لأني أولاً لا أكلف بعمل حتى أنفذ العمل أو النص بشكل تلقائي وحرفي ..أنا من وضع الفكرة وكنت أتابع الكاتب في أثناء الكتابة..وحتى المصادر للكاتب كنت قد وفرتها..لكن عندما تسألني هل يحقق النص طموحك ..أقول لك لا..لأني أشعر إن النص يحتاج إلى الكثير للغوص في شخصية عبد الوهاب البياتي .. وعندما عرضت النص على الكاتب بعد عشر سنوات فاجأه النص ..وحاولت معه أن يضيف أكثر ويتعمق أكثر، لكنه وقف مندهشاً أمام النص ولم يحرك ساكناً”.
ويضيف الفدعم:” الرؤية الإخراجية تتكامل عندما أعرف إمكانيات الإنتاج وحرفية المنتج وقدراته على العطاء ..النص يحتاج إلى موسيقي كبير، حتى يصنع موسيقى تتناغم مع فلم موسيقي نطمح لتقديمه، ونحتاج إلى أصوات مميزة غنائية و كورال ..وإلى مدير فني يدهش المشاهد بصرياً ويوفر ويؤسس لمواقع تصوير تنسجم مع النص والمكان المكتوب. عندما تتوفر مثل هذه العناصر، يأتي اختيار الممثلين والأزياء ورسم الحركة وتناغمها مع الشريط الصوتي بإيقاع…الرؤية الإخراجية .. كيف أفض خطوط الاشتباك للمشاهد بين العالم الافتراضي والواقعي ..كيف أستعمل التقنيات الفنية وأوظفها لتعبر عن النص وعن روعة الشخصيات والأحداث ..خصوصاً ونحن نتعامل مع نص بلا حدث..وحدث بلا نص ..وشعر يخاطب العقل ويشعل الحرائق في الخلايا”.
ويؤكد الفدعم:” رؤيتي التي وضعتها عام 2002 عند كتابة النص ليست هي رؤيتي اليوم ..والإمكانيات طبعاً الآن مختلفة.. أريد أن أقدم فلماً غنائياً راقصاً ..يعتمد على الأشعار، التي سوف تلحن والموسيقى والأصوات الجميلة ، التي سوف تؤدي الحوارات الموجودة بالنص في فضاء مفتوح سحري .. في نص أعدّه تمريناً لي أو بروفة أو منشطاً فكرياً، بعد فترة خمول طالت بسبب الظروف التي تحيط بالبلد وبالعملية الإبداعية”.
بعد انتظار طويل
وبعد طول انتظار دام لمدة إحدى عشرة سنة، انتعشت آمال المخرج نزار شهيد الفدعم، حتى يرى فيلمه النور، وعن الأسباب الحقيقية التي وقفت حائلاً أمام تقديم هذا الفيلم وجعلته يتأخر كل هذه المدة الطويلة يقول:” لو انّي في مرحلة الشباب واندفاعاته، لكنت أنتجت العمل على حسابي الخاص ومنذ فترة طويلة …لكن الحسابات المالية، كانت تعوقني عن تنفيذ العمل، لأنه ليس هناك جهة ممكن أن تشتري العمل بعد إنتاجه في العراق ولا أعرف أن أطرق الأبواب بشكل جيد، ولا توجد دور عرض سينمائية في العراق، حتى تعرض الفيلم ويحقق لك دخلاً» …وكانت مناسبة جيدة، عندما فتحت وزارة الثقافة الباب لإنتاج أفلام بمناسبة بغداد عاصمة الثقافة، فوجدتها فرصة مواتية، كي نقدم هذا الفلم ضمن هذه المناسبة”.
__________
*الصباح الجديد