خلود الفلاح *
( ثقافات )
يبدو أن الربيع العربي الذي اجتاح
عدة دول تونس ومصر وليبيا وسوريا بدأ يتجه إلى تركيا هذه المرة ليس بسبب قمع وفقر
وبحث عن ديمقراطية، إنما بسبب الحفاظ على البيئة، عن أشجار في منتزة بميدان تقسيم
يهددها مشروع مجمع تجاري.
فهذا صاحب
جائزة نوبل للآداب، الروائي التركي أورهان باموك ينضم إلى حركة الاحتجاجات
المناهضة للحكومة التركية. معلنا أن
التخطيط لإنجاز تغييرات كبيرة بشأن ساحة ومتنزه يحملان ذكريات لملايين الاشخاص من
دون استطلاع رأي السكان ومحاولة قطع الاشجار على عجلة، خطأ كبير ارتكبته حكومة
اردوغان. ووفقا لوكالة الصحافة
الفرنسية، فقد أشاد باموك، بالمتظاهرين. بقوله “موقفهم بعدم التخلي بسهولة عن
ذكرياتهم يعطيني ثقة وأملا بالمستقبل”. وفي بيان رسمي تناقلته وسائل الاعلام
التركية، ناشد بامكوك، أردوغان باحترام مشاعر الأتراك ومطالبهم، وعدم العبث بها
لأن جميع من نزلوا للدفاع عن المتنزه والأشجار يحملون ذكريات ومشاعر تجاهها يجب
احترامها. وقال وفقا للبيان “أؤيد المتظاهرين في جميع مطالبهم وأطالبهم
بالاتحاد خلفها وحماية أشجار اسطنبول، وعدم السماح للحكومة بالعبث بميدان
“تقسيم” لأنه ميدان هام ومؤثر في تاريخ تركيا”. يذكر بأن ارهان
باموك (60 عاما) هو احد المثقفين الاتراك القلائل الذين اعترفوا علنا في العام
2005 بمجازر الارمن. وقد لوحق قضائيا مرات عدة في بلاده. إضافة إلى انتقاده طريقة
معاملة انقرة للأكراد. كما أنه يعد اول تركي يفوز بجائزة نوبل للآداب العام 2006.
للمتظاهرين فقد خرجت شخصيات شهيرة أخرى تابعها الجمهور التركي والعربي على شاشات
التلفاز شهور ومواسم عدة فهذه الممثلة بيوكوستون المعروفة بـ “لميس” في
المسلسل الذي تجاوز عدد حلقاته ال”150″ حلقة، وكتبت الممثلة هزال كايا
الشهيرة بـ”فريحة” على بوست صفحته بالفيس بوك من نيويورك “لستِ
وحدك يا إسطنبول“. فيما كتب كيفانش
تاتيلوتج الشهير بـ”مهند” بكتابة تدوينة على حسابه الخاص على تويتر، قال
فيها: “عقلى فى ميدان تقسيم.. سوف نقاوم ولن نصمت.. ولا يجب أن يظل أحد صامتاً”،
وحملت سونجول أودان الشهيرة بنور لافتة كبيرة في الميدان كتب عليها “ما حدث
بتقسيم عار، لا يزال الغاز المسيل للدموع في حلقي“.
“حريم السلطان” الذي أثار ضجة إعلامية وغضب البرلمان التركي والمناداة
بوقف بثه على شاشة التليفزيون التركي ظهر مرتديا “كمامة” على فمه منعاً
لاستنشاق الغاز المسيل للدموع، بينما وضعت زوجته قطعة قماش على وجهها لحمايته من
الغازات، وهذا كله لأجل
عينيكِ يا اسطنبول. وقد تناقلت وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي خبر
ظهوره وسط المتظاهرين بعنوان كبير” السلطان يثور ضد أردوغان”.
أن حديقة تقسيم أو “جيزي بارك” تتميز بأهميتها التاريخية التي تعود
لأكثر من 70 عاماً وتعد رمزاً للنضال التاريخي اليساري في اسطنبول، حيث يرى
المعارضون لأردوغان أنه يريد تغيير هويتها السياسية بالبناء فيها، مروراً بالبدء
في بناء متحف لتخليد ذكرى أحد معسكرات جنود المدفعية العثمانية في تقسيم، والبدء
منذ عدة أيام في بناء الجسر الثالث فوق البوسفور الذي أُطلق عليه “جسر سليم
الأول”، السلطان العثماني الذي قاد بناء الخلافة العثمانية في المنطقة ـ وهي
أمور ترفضها المعارضة وترى فيها مساساً بهوية الجمهورية التركية التي أسسها كمال
أتاتورك في عام 1923.
الحديقة قبلها تسمى “ثكنات هليل باشا العسكرية” حين احتلت ثكنات عسكرية
موقعها عام 1806. ولكن
المبنى أصيب بأضرار بالغة في أحداث سياسية اندلعت عام 1909 بهدف تثبيت حكم السلطان
عبد الحميد الثاني.
عام 1936 قام مهندس فرنسي بالانخراط في عملية إعادة ترميم مدينة إسطنبول وتضمنت
خطة إعادة ترميم المنطقة خلق منطقة مليئة بالأشجار ليستمتع بها سكان مدينة
اسطنبول، والزوار الذين حظوا بزيارتها بعد نمو المدينة.