كتاب بالانكليزية عن “حياة ورؤية” فيليب سالم


*جوزف باسيل

اذا كان سالم يؤمن بأن البحث العلمي يؤدي الى المعرفة، وان الطب يبدأ بالفلسفة وينتهي بها، فإنه يعتقد بأن الحرية هي أهم مسألة في الشرق وان غلت في سبيلها التضحيات، معلناً ان الارهاب الفكري هو الأخطر.

صدر عن دار QUARTET في لندن كتاب جديد بالانكليزية عنوانه: “السرطان، المحبة، سياسة الأمل – فيليب سالم: حياته ورؤيته للمؤلفين الصحافي والكاتب اللبناني المقيم في أوستراليا بطرس عنداري (غاب قبل عام تماماً) والكاتبة فرانسيس موراني، وهي من أصل نيوزيلندي تعيش حالياً مع زوجها الصحافي وليد موراني في نيويورك، وقد وقع البروفسور فيليب سالم الكتاب في لندن قبل ايام في قاعة نادي اليخوت الملكي على ضفاف نهر التايمز.
السياسي والمفكر
ليس فيليب سالم طبيبا فحسب، بل هو سياسي ومفكر وكاتب وفيلسوف (درس الفلسفة مع الطب في الجامعة الاميركية ببيروت). وفي دراسة له عن ابن سينا يقول: “اننا إذ نجرد الطب من النظرة الفلسفية للانسان، انما نجرد الطب من ماهيته، بل من اعظم ركائزه، وبذا نشوّه حقيقته وحقيقة الانسان. يبدأ الطب بالفلسفة وينتهي بالفلسفة، فكلما غصت في المعرفة، في معرفة الجزئيات البيولوجية الصرف، وكلما غصت في البحث والتقصي عما يسمى الحقائق العلمية، تكون قد اقتربت من الفلسفة، واقتربت مما هو اكثر من حقيقة الانسان الفلسفية وخالق الانسان. تبدأ المعرفة دائماً بالسؤال الكبير عن ماهية الوجود؟ وواجب الوجود؟ ويبقى الصمت الجواب عن السؤال الكبير…” ان الانسان في نظر سالم: “وحدة مادية وروحية غير قابلة للفسخ والتجزئة”…
وقد نشأت بينه وبين عدد من المسؤولين علاقات وثيقة، وتلقى دعوات عدة لزيارة العواصم العربية، فلبى بعضها بحماسة ومحبة، وكانت قضية لبنان وقضايا المنطقة مدار بحث ونقاش خلال هذه الزيارات الى جانب عمله الطبي.
الطائرة الأمل
في كلمة لصديقه الشاعر منصور الرحباني تصدرت الكتاب الجديد بعنوان (The bird of hope) تضمنت مناجاة لوطن “نريده كبيراً، وطناً للطموح، وطناً يؤمن للباحث تجاربه فلا يغترب من اجل ان يحقق خبراً للآخرين”.
واضاف: “يا فيليب سالم، ايها الوجه المضيء، ما احوجنا اليك اليوم طبيبا، ومشتغلاً بالشأن العام، وفي الحالين أنت أنت حكيم”.
لكن سالم نفسه يتساءل عن اسباب فشل المثقفين العرب من العبور من “مستنقع الشرق الى شرق جديد”، كما في قصيدة صديقه خليل حاوي.
ويردّ هذا الفشل الى جملة عوامل: “نحن لم نتمكن من العبور لاننا لم نلتزم قضايا شعوبنا، ولاننا لم نلتزم قضايا الانسان في بلادنا: قضية الحرية، حقوق الانسان، وقضية العقل وصناعته، وقضية القيم والاخلاق. وبدل ان نصب اهتمامنا على صنع عقل عربي جديد ينتج منه وعي عربي جديد يساهم في خلق حضارة عربية جديدة، ها قد اضعنا الوقت في التعبير عن الغضب بداخلنا، وفي تبرير فشلنا بلوم الغرب والعداء له. ناهيك باللوم الذي نلقيه بعضنا على بعض وبالحروب الشرسة التي يشنها بعضنا على بعض. وأرجو ان تفهموني جيداً، فأنا لا اقول ان الغرب بريء من المأساة التي نحن فيها، لانه بكل تأكيد هو احد اهم اسبابها، بل جئت لاقول ان مسؤولية الانحدار الى هذه المأساة ومسؤولية الخروج منها هي اولاً واخيراً مسؤوليتنا نحن. وهذه المسؤولية لا تنحصر في القادة السياسيين وحدهم، بل تتعداهم الى قادة الثقافة والمجتمع والعالم الذين اختاروا ان يتعايشوا مع التخلف السياسي والحضاري والعلمي في مجتمعنا بدل العمل الرصين والمتمرد لتغيير هذا المجتمع”.
الحرية
حول الحرية ومضمونها يقول سالم في هذا الكتاب: تبقى الحرية، اكبر وأهم مسألة في هذا الشرق، فأياكم ان تقبلوا دونها عطاءات مهما كان حجمها، والافضل لكم ان تدخلوا السجون لايام وسنين في سبيلها، بدل ان تعيشوا وتموتوا في سجون كبيرة زاهية يسمونها الاوطان. عندما نتكلم على الارهاب، لماذا لا نتكلم على اخطر انواعه، الا وهو الارهاب الفكري الذي يلف هذا الشرق ويسحق الانسان ويميته؟ قال جبران: (قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر… وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر). فالحرية ليست ضرورية فقط، لصنع التقدم والحضارة فقط، بل ضرورية اكثر لتكون الحياة حياة!
البحث العلمي والانسان الجديد
يشدد سالم على أهمية البحث العلمي، وينقل عنه المؤلفان عنداري وموراني ايمانه بأن البحوث العلمية هي الطريق الوحيد للمعرفة. ويقول سالم: “هناك أزمة حادة في مفهومنا للتربية في هذا الشرق. كثيرون من القيمين على التعليم الجامعي في العالم العربي يعتبرون ان البحث العلمي هو نوع من الرفاهية الجامعية. انا لا اعتقد ان لدينا خياراً بين التعليم بواسطة التلقين كما هو الحال الآن، والتعليم بواسطة البحث العلمي. الخيار الاول يقود الى تخدير العقل. أما الخيار الثاني فهو يقود الى نمو العقل. التربية، في راينا، ليست عملية نقل المعرفة من المعلم الى الطالب، بل هي عملية صنع عقد جديد، وبالتالي صنع انسان جديد. ان الهدف النهائي من التربية ليست المعرفة بقدر ما هو صنع انسان جديد: انسان حر مسؤول ملتزم ومتمرد”.
يروي سالم قصة صراعه مع ادارة مستشفى الجامعة الاميركية في بيروت حيث كان يعمل، وكيف أن اصراره على الابحاث العلمية في مجال الطب وبامكانات مادية متواضعة، جعله يربح معارك عديدة لاكتشاف اسباب الداء وكيفية معالجته.
رحلة طبية وانسانية
ما الذي استنتجه سالم خلال رحلته الطبية والانسانية الطويلة مع السرطان؟
استنتج الكثير واكثر ما استنتجه هو اهمية الحياة “الانسان السليم لا يقدر قيمة الحياة التي هي اكبر نعمة من الله. يجب ان نترفع كي نمجد هذه العظمة التي منحها الله لنا. ان اكبر خطأ يرتكبه الانسان هو ان يستيقظ في الصباح ويعتبر ان هذا الشيء عادي ولا يقدر نعمة الله عليه ولا يشكره على اعطائه فرصة جديدة للعيش. لذا، اذا أردت ان تمجد الله يجب ان تمجد الحياة وتتمتع بكل هذه النعم التي منحها الله لك. يجب على كل شخص ان يتمتع بكل لحظة يكون فيها بصحة جيدة، وان يقوم كل يوم بالصلاة لله وشكره على النعم”.
وما استنتجه سالم ايضا: “ان المعرفة ليست اسمى من انسانية الانسان”… و”ان اليأس أسوأ من السرطان، بل أسوأ من الموت؟!
¶¶ ¶
Cancer, love and the politics of hope – the life and vision of philip A. Salem MD
Co – authored by Boutros INDARI& Frances MOURANI.
Published by Quartet Books – LONDON – 318 pages.
_________
*(النهار)

شاهد أيضاً

فصل من سيرة عبد الجبار الرفاعي

(ثقافات)                       الكاتب إنسان مُتبرع للبشرية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *