في تجربة التشكيلية لينا العكيلي




*ضحى عبد الرؤوف المل

تلاعب لينا العكيلي الذاكرة البصرية من خلال تموجات الخطوط، وتمنح اللون نبضاً أنثوياً يحمل متاعب ومباهج الحياة، لندخل معها في متاهة العين الواحدة كرمز قوة أو ضعف. كأنها تتحدى اللون من خلال العين التي تظهرها أو تخفيها في تجسيد دقيق تارة وعشوائي تارة أخرى وكأنها تتجاوز الخطوط الرئيسة في الرسم كطفلة صغيرة تضع تشكيلا متناسقاَ ومن ثم تلاعبه من خلال مضامينها المعرفية التي تريد إظهارها للعين التي ترى أعمالها، أو العين التي تلامس الدهشة أو الذهول ذهن المتلقي لإعمالها.

الاسترخاء والتأمل
رمزية اختلطت مع الألوان الباردة والألوان النارية، لتخلق عالمها من خلال رؤيتها الخاصة للخطوط المتماوجة التي تعتمد عليها في ليونة لها مدلولاتها الفنية، وهي ذات تعبير نفسي هادىء له تشكيله الخاص والمميز عند لينا العكيلي كالوجوه الملونة والشفاه المكتنزة، والدوائر، والمثلثات، والمربعات، وكأنها تبرز المادة الإنسانية بمعناها الحسي والملموس بعيداً عن صراع الحضارات وقريبة من لون الحياة الصاخب، وكل ذلك في بهجة رمزية محاطة بخطوط دقيقة وشفافة تعكس ازدواجية رؤيتها الهندسية في توزيع متوازن تنبثق منه مساحات تبرز عمق اللوحة، فنشعر بالاسترخاء والتأمل.
قوة وصلابة جمعت بينهما في رقة متناهية اختصرت مضامين عديدة في دمعة إيحائية تضعها ضمن خطوط متشابكة. تاركة اللون الأبيض بعيداًعن النور ليتوزع الضوء في تقنيات كنوافذ مفتوحة أو كمقطوعات موسيقية لا محدودة متحررة من نقطة بدأت بها لتحولها إلى متاهة ذهنية لها جماليتها، وخاصيتها المحببة التي تتخذ من الحركة هدفاً أساسيا مبتعدة عن الأشكال الواقعية في أسلوب شاعري يلغي الخلفية ويظهر السطح المرئي في محاكاة توظفها لإثارة الحوار الداخلي مع المتلقي لإعمالها.
تباعد وتقارب في أضداد تبرز معانقة الخطوط والألوان الأفريقية، كأنها توازن الأحجام مع اللون بتناسق متناغم تاركة لريشتها الجمبازية حركات معاكسة تتلاصق حيناً، وتتقارب أحيانا لأشعر بأنوثة التشكيل التي تجمع الرمادي مع الأحمر والأسود تاركة للأزرق سحره الخاص في لوحات انطلاقية لتظهر النقطة كأنها دوائر الحياة التي تحيط بنا. لا شعورياً تشعر بعدم الاكتفاء من الغوص داخل لوحاتها، فهي تتركنا نتحاور بلغتها اللونية طفولياً، فنتعلق ببراءة طقوسها وبراعة حركة خطوطها، وكأنها تنقل أفكارها الهندسية من وحي ذاتها، فتتجاوز صراع المرأة والرجل في ظل نضج فني استطاعت من خلاله أن تنقل أحاسيس الحب والألم والفرح، والحزن في انعكاس تجريدي إيحائي تأثرت به كما تأثرت بنظرة العين الحادة والدامعة، والحزينة وكأن روحانية العين متعلقة بروحانية العيون الناظرة إليها.
تقول كلود عبيد إن الفن حررنا من خامات تقليدية أكاديمية، والإستجابة لخامات جديدة يمكن للفنان أن يصوغها في قوالب فنية لكن لينا حررتنا من الأشكال الهندسية كما ربطتنا بها ببراعة فنية تعبيرية تجريدية تواقة للحرية ومرتبطة بالخطوط والأشكال التي تتراقص في حضور ذهني متشوق للاكتساب من خلطها للألوان وحتى انعتاقها من المحدود ما بين أحجام مختلفة ومتنوعة كالمثلث والدائرة والمربع مراحل نفسية تناغمت معها ومع مادة الأكرليك البراقة وكأنها تنقلنا إلى مراحل الحياة، فنتجرد من الأفكار والضغوط النفسية لنستمتع بالثغر وحاسة الذوق، والأنف وحاسة الشم، والأهداب مع الخطوط المتوازية والعامودية التي تتقاطع لتفصل الأجزاء قبل ان تجمعها العين لتحقق اللذة الجمالية وكأنها تؤسس في كل لوحة توازناً بين الفراغ والكتل في فضاء مفتوح وتؤكد خطابا لونيا وظفته بمهارة تجبرك على التأمل والسفر في كثافة اللون المتناقض وكأنها تضع كل خبايا ذاتها في أفق مخيلتها، ليظهر الغموض ايحائياً، وكانه وليد دهشة الحياة التي تعيشها، فاللون الأسود في كل لوحه يتماسك، وكانه أجرام سماوية معتمة تتجانس مع الأبيض والألوان الأخرى لتتعايش في كينونة ابداعية واحدة ولدت من ريشة أنثى اللون لينا العكيلي.
__________
*(الزمان) العراقية.

شاهد أيضاً

العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية

(ثقافات) “طربوش أبو عزمي العلي”:   العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية زياد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *