(ثقافات)
صدر حديثاً عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، للشاعرة الفلسطينية رولا سرحان مجموعتها الأولى التي خرجت للنور بين دفتي ديوان بعنوان ” حراً على آخرك “. هذا العنوان الإشكالي يراه الشاعر والإعلامي أحمد زكارنة إضافة نوعية للمحتوى تضفي ظلالاً أخرى يلمحها القارئ بيسر بمجرد الوقوع في فخ الملاحقة التي تحققها نصوص هذا الديوان الممتلئ كما يقول الأديب الروائي والشاعر أنور الخطيب: بلغة كثيفة تمسك بتلابيب المعنى مباشرة ودون مواربة، فتأتي الجملة خالصة صافية من شوائب ما قبل وما بعد، جديرة أن تكون وحدها في إطار، تُعلّق على جدار الشعر بأناقة ورقة.
صوت رولا سرحان يضيف أحمد زكارنة يؤسس لمنهجية شعرية جديدة على مستويات عدة، من حيث اللغة والمضمون، ما يعطي لنصوصها نوعاً من التأويل الذي يستهدف الوصول إلى المستويات العميقة للخطاب عن طريق القراءة التزامنية والتعاقبية، التي تُحدث نوعاً من الجدل لدى القارئ المتلقي، برغم أن الملاحظ في ديوان رولا سرحان كما يقول الأديب الفلسطيني الكبير محمود شقير: أن هناك ثمة ضبط للانفعالات وكتابة قصيدة تبدو كما لو أنها محايدة وهي ليست كذلك، مؤكداً أن لغة الشاعرة جميلة متقشفة وفيها محاولة لتأسيس أسلوب خاص بها، خارج على مألوف الشعر الفلسطيني.
هذه الأسلوبية الخاصة تبدو واضحة في السواد الأعظم من نصوص هذا الديوان الذي حينما نريد السباحة ولو قليلا في أجوائه لتوقفنا كثيراً وهي تناشد الإنسان داخلنا في القصيدة التي حملت اسم الديوان” حراً على آخرك ” وهي تقول:
لا تَعْتَدِلْ ولا تُعدّل
اتّحد مع صلصالِك وتُرابك
مع غُبارِك وتأنّقِك
مع كلّ تعبك وتمرُّدك
تكونُ أنت،
حرّا على آخرك،
وعلى نصفيكَ الشهيين
فأصيرُ حرّةً على آخري
بنصفين أحدُهما معك.
ولتحقيق غرض القراءة الأولية لهذا الديوان الزاخر بعديد المفاجآت التي تحقق غاية الدهشة في الشعر، يمكننا أن نعرج قليلاً لآخر النصوص المكتوبة لهذه التجربة الشعرية المتفردة بأسلوبيتها، لنقف معا أمام تفصيلة أعتقد أنها كتبت بلغة جديدة لتصور لنا حقيقة مشهدنا الفلسطيني الخاص والعربي العام في هذا المقطع من قصيدة ” إلا أننا ” .
نتقاسمُ الرغيفَ بين مذبحةٍ ومنفى
إلا أنَّنا،
عابقونَ باللونِ والمفاتيحِ ومغالبةِ الزمن
نُرتِّبُ الحطبَ استعداداً للخيباتِ
إلا أننا،
نتصبَّبُ محاولاتٍ تفورُ حرَّةً على الطبيعةِ
كأن تُعمَّرَ نسلكَ كلَّما انطوت قامَتُكَ
لأنَّ خللاً أصابَ وظيفةً حيويَّةً في التكاثرِ
كرحيلِ الأملِ مثلاً.
أخيراً ونحن نقف على أبواب الصفحات الأولى لمشوار صوت شعري جديد ومتميز يؤكد الكاتب والناقد الأديب جميل السلحوت أننا أمام شاعرة تخوض تجربتها الإبداعية بخطى واثقة، تمتلك صورا شعرية جميلة، ممهورة بإيقاع وموسيقى رشيقة وخاصة جدا.
جدير بنا الإشارة إلى أن ديوان الشاعرة رولا سرحان الذي جاء في 166 صفحة بلوحة للغلاف من الفنان التشكيلي الأردني ” بدر محاسنة ” وتصميم الفنان الفلسطيني ” رائد الغضبان ” يحتوي على أربعين قصيدة توزعت في أبواب ثلاث يؤكد الإعلامي أحمد زكارنة أنها كتبت بوعي كامل في تدرج تصاعدي للرؤى والرؤيا حيث جاء بابها الأول بعنوان ” في الظرفِ حكايا – في المكانِ حكاية ” فيما وصفت بابها الثاني بالقول: في الرؤى تنضجُ الرؤيا وختمت ديوانها بباب خاص تؤكد فيه خصوصية المقولة حين أسمته: فيما لي، ما دفع الروائي الناقد أنور الخطيب للتأكيد أن رولا سرحان كتبت الحرب والحب في ديوانها (حراً على آخرك).