حنان الشيخ
لم أستغرب أن أشاهد خبر فوز فيلم ‘لا في داديل’ لمخرجه التونسي، على قناة يورونيوز، وهو الفيلم الذي يتحدث عن قصة حب عاصفة و’رقيقة’ كما جاء في وصف الفيلم، بين فتاة و.. فتاة أخرى!
لم أستغرب مع أن المخرج عبد اللطيف كشيش عربي الدم وليس الهوى، صنع فيلما بغاية الروعة من الناحية التقنية والصورية والحسية. لم أستغرب لأن مهرجانا مثل مهرجان كان السنيمائي، يمنح السعفة الذهبية لقصة تدافع عن المثليين بدون أن تطرح الموضوع كمشكلة اجتماعية، بل عاطفية، وعاطفية فقط. فالمهرجان الشهير تحتضنه فرنسا التي صادق للتو برلمانها على قانون زواج المثليين، والذي واجه ردود فعل عنيفة في الشارع الفرنسي الرافض لسن هكذا قانون، واحتلت أخبار الاشتباكات الواسعة واجهة الأخبار في محطات فضائية مختلفة، مثل فرانس 24 التي اهتمت تحديدا بمناقشة الموضوع، على كافة صعده الانسانية والقانونية والدينية والإجتماعية. كما أفردت له BBC عربي تقريرا خاصا حول انتحار الكاتب الفرنسي اليميني ‘دومنك فينر’، بإطلاق الرصاص على نفسه بكنيسة نوتردام في العاصمة الفرنسية، بعد إقرار القانون حتى ‘يوقظ الضمائر النائمة’ كما صرح الكاتب قبل انتحاره.
هل يروج باسم يوسف للمثليين؟
موضوع المثليين والذي يبدو وكأنه مستورد من الغرب، في طابور التقليعات الأجنبية التي يحلو لنا كعرب أن نستسلم لرواية كسولة، تدعي أننا عديمو الحيلة أمام طغيانها الدعائي، وتسللها المنهجي في المفاهيم المستقبلة لأي عرض مثير كان، هذا الموضوع ناقشته وتحاول مناقشته بعض وسائل الاعلام العربية، على خجل، وأحيانا على خوف ووجل، بسبب رجع الصدى المتوقع من قبل جمعيات المتفرسين والمتربصين بتلك القنوات، مرة حتى لا يكون طرح هذا الموضوع دعاية مجانية مغرية. ومرة لأن الحديث عن قضايا الجنس تحديدا، يحمل في طياته – حسب المتربصين – إشارات مغرضة كفيلة بصناعة سمعة سيئة عن الأوطان العربية، ذات السمعة المضيئة ماشاء الله! والسؤال: هل المثليون موجودون بيننا؟ الإجابة : نعم!
ففي حلقة مثيرة للجدل لبرنامح ‘البرنامج’ للإعلامي باسم يوسف، والذي تبثه قناة CBC المصرية، قام الأخير وبخطوة لم تكن موفقة له ولا لبرنامجه، قام باستضافة فرقة موسيقية لبنانية تدعى ‘مشروع ليلى’، كان قد أعلن قائدها وعلى الملأ أنه مثلي الجنس، في أكثر من محفل اعلامي وفني سابق لوجوده في الحلقة.
طبعا لا الفرقة ولا قائدها هم أول ولا آخر المعلنين على الهواء مباشرة عن ميولهم الجنسية الشاذة. فالموضوع ومنذ سنوات عدة بدأ يحتل مكانا ولو ضيقا، في بعض البرامج الأعمال التلفزيونية والسنيمائية، رغم أنها كما هي العادة، تتعرض للمشكلة وترميها في وجه المتلقي، ليقوم هو بالاستنتاج والحكم على الموضوع حسب ثقافته ومرجعيته وقراءته الخاصة.
طبعا هذا الأداء غير الحرفي في العمل الإعلامي مرده ببساطة غياب التحضير العلمي، وأشدد على العلمي، القائم على المنهجية والدراسة والقراءة المستفيضة لكافة جوانب القضية.
ليست الجدران وحدها هشة!
في إحدى حلقات برنامج ‘أجرأ الكلام’ والذي يديره الإعلامي طوني خليفة على شاشة ‘القاهرة والناس′، تناول المذيع الفيلم المصري ‘جدران هشة’ الذي أثار مؤخرا موجة عارمة من الاستياء الشعبي، بسبب تطرقه المدقع في المباشرة لقضية الشذوذ الجنسي ما بين النساء، بطريقة صراحة كانت فجة وغير ذكية، إن لم أقل إنها سطحية وحمقاء! فلا المستوى الانتاجي ولا الأدبي ولا الاخراج أو التمثيل كان على مستوى المشاهدة العادية حتى.
لكن الولوج في تابو الجنس المثلي كفيل لأن يرفع ‘صانعي الفيلم’ إلى سطح الانتباه والشهرة. فعلى الرغم من جمالية العنوان ‘جدران هشة’، لم يتم توظيف المعنى خلف هذا الاسم، وأقصد كما فعل طوني خليفة وغيره ممن ‘يتشاطرون’ كثيرا في فتح هذه الملفات، ولكنهم يثبتون لنا أنهم غير أكفاء بالمعنى العلمي والاعلامي صاحب الرسالة المحترمة والمسؤولية الإجتماعية الجادة.
الجدران هشة من داخلها يا سادة، والتطرق لهذه المواضيع يتطلب الماما معرفيا، وبحثا ميدانيا ودراسات معمقة، لا تتسع لها حلقات برامج الإثارة من أجل الإثارة فقط، ولا الأوقات المستقطعة من فواصل الإعلانات الطويلة والمملة، ولا حتى صبر المعدين والمقدمين الذين لم يقدموا خطوة واحدة في رحلة العلاج .
والدليل أن المشهد الإعلامي والعلمي لم يتغيّر كثيراً من أيام ‘سيرة وانفتحت’ للاعلامي زافين في أوائل القرن الحالي، والذي حبس أنفاسنا مطولا لمجرد فتح مثل هذه الملفات. نحن حتى اليوم ورغم ‘اجتهاد’ المحطات التلفزيونية وأعلامييها الكبار لم نعرف إن كانت الجنسية المثلية مرض، أم هي ناتجة عن مشاكل نفسية عميقة سببتها اختلالات إجتماعية وتربوية، أم مجرد اختلاف وراثي؟
للأسف أن إحاطتنا المبتورة للموضوع هشة هي الأخرى ومهلهلة وسطحية جدا. ولم يثبت أي من هذه البرامج أي من الافتراضات السابقة، بالدليل القاطع لأن المشكلة، إلى جانب الاستسهال والاستهبال طبعا في وضع المحاور واختيار الضيوف، هي أن السياسة قطعت الطريق على الحوار العلمي المنهجي، بحيث أصبح من يقترب من تلك المحرمات، إما متآمرا على صورة المجتمع الإسلامي والعربي الخالي من الشوائب، وإما جاهلا متخلفا ورجعيا، غير قادر على مواكبة ثقافة ولغة ‘العصر الحديث’، المتسامحة مع كل الأطياف، والمترفعة عن الخوض في الحريات الشخصية للإنسان!
بس حنجيبه منين؟!
يعني على أساس أن الإحاطة بباقي المواضيع الأقل خطورة، والتي تعرضها آلاف البرامج التلفزيونية ‘المحرقة’، مستوفية بعناصرها العلمية والبحثية والتحليلية! فأنا لا أعرف موجة المنافسة الغريبة التي تجتاح برامج ‘التوك شو’ هذه الأيام، والتي تعتقد أن مهمتها الوحيدة هي وضع الأصبع على الجرح، وإظهار المشكلة على الهواء. لا أعرف إن كان أصحاب المحطات والبرامج تلك سمعوا عن ثورة تكنولوجيا الاتصال، التي لم تبق ولم تذر شاردة ولا واردة، إلا ووضعتنا أمامها وجها لوجه وبكل مباشرة ممكنة.
لقد أصبح من الغلو بمكان، تلك المغالاة في إظهار المشكلة ‘بالصوت الحياني’، وطرح الحلول بالصمت المطبق. نظرة خاطفة لبرنامج ‘نواعم’ وأخواتها من البرامج المستفزة تقليدا وتكرارا ممجوجا، على القنوات الفضائية والأرضية، يشرح ما وراء القصد!
___________
*كاتبة من الأردن (القدس العربي)