حوار : خلود الفلاح*
بعد ثلاث مجموعات شعرية “نافذة الجسد” و”ترميمات” و”يحدث في النسيان” يدخل الكاتب اليمني علي المقري عالم الرواية ملامساً قضايا مجتمعه المحافظ فكانت رواياته “طعم أسود… رائحة سوداء” و”اليهودي الحالي” و”حرمة”، الملتقطة ملامح المحن في حيوات البشر المختلفة. في هذا الحوار تحدثت المقري عن السرد بوصفه كائنا متجددا وعن المهمشين في أعماله. تطرق الروائي اليمني علي المقري لقضايا مجتمعه في كل أعماله عبر ثلاثة محاور أولها الاضطهاد الاجتماعي لأصحاب البشرة السمراء، والثاني فكرة التسامح الديني بين الأديان، والثالث التطرف السياسي.
سألنا المقري عن مدى حياده في عرضها وعن مصالحة الرواية اليوم مع عالمنا، فأجاب قائلا: “السؤال يمثل قراءة لما كتبته في رواياتي، وهي قراءة قد تتفق مع قراءات أخرى أو تختلف. ما يبدو لي أنه من الصعب تحديد بنائية الكتابة السردية باعتبارها تحمل مواضيع لها وجهات محددة، فالقول بالاضطهاد الاجتماعي والتسامح الديني والتطرف السياسي هو تبسيط لما يمكن اكتشافه من اشتغال يذهب بعيدا في معاينة محن إنسانية مختلفة في حيواتنا”.
ويضيف المقري: “المواضيع المشار إليها في السؤال تناولتها الرواية العربية والعالمية كثيراً، من زاوية هي في الغالب منحازة لها كقضايا اجتماعية، حسب تعبيرك. فالأخدام في روايتي الأولى لم يعانوا من الاضطهاد الاجتماعي بسبب بشرتهم السوداء، فحسب وإنما كانوا يمارسون معاشهم اليومي بتحقق وجودي مختلف عن المجتمع المحيط. لما يعني ذلك من خروج عن كل الأطر والحواجز والقوانين والتقاليد، بما فيها المفاهيم الأيديولوجية حول الاندماج الاجتماعي والوطن والتاريخ والحب والأخلاق… إلخ. وهكذا بالنسبة لروايتي الثانية “اليهودي الحالي” فإنها لا تستهدف التسامح الديني، كقيمة أخلاقية أيديولوجية، وإنّما تختبر محنة التعايش، في إشكالية تبحث صراعات الماضي وتذهب إلى التساؤل عن الوطن وما جدواه، أو: لماذا الوطن؟ ولماذا الصراع؟ ولهذا ليست المسألة في المحايدة، أو في المسافة التي يضعها الكاتب بينه وبين ما يكتبه، وإنّما في قدرته على الاشتغال بهواجس إنسانية جديدة، من زاوية لم تكتشف من قبل.
“حرمة” محنة إنسانية
أما عن موضوع رواية “حرمة” وعن ارتباطها بالتطرف السياسي وآراء البعض التي ترى فيها مجرد حكي عن حياة النساء المكبوتات في مجتمع لا يسمح لهن باختيار أبسط أشيائهن، يقول المقري: “ربما، تكون كذلك حسب قراءتك. أحدهم، وهو رجل، كتب لي قائلاً بأنّه أحس وهو يقرأ الرواية أنّه كشخصية حرمة. وأظن أنّ هذا الشخص قام بقراءة بالغة الفحص”.
لم يتقيد المقري بموضوع واحد في روايته، حيث أشار إلى حياة النساء الذاهبات إلى الجهاد في أفغانستان، وعن تفكيرهنّ، وعن مدى قناعتهن بما يقمن به، وقد أكد المقري أن “هاجسه السردي لم يكن الكتابة عن النساء الذاهبات إلى أفغانستان، بل عن محنة إنسانية أبعد من ذلك. ربّما يكون الجسد ورغباته المكبوتة في محيط متطرف، كما قلت، أحد مباحث هذه المحنة”. وينتاب القارئ وهو يتابع أحداث رواية “حرمة” أن مجتمعاتنا العربية مليئة بالتناقضات في مختلف أشكال حياتها، وهو ما ذهب إليه المقري حين قال: “معظم المجتمعات الإنسانية مليئة بالتناقضات”.
الرواية تدخل منطلقات سردية جديدة
وفي حديثنا عن الشعراء اليوم وهل صحيح أنهم يتجهون نحو عالم الرواية، أجابنا الروائي اليمني: “لا أعرف. ما أظنّه أن الشعراء، ربّما يجدون في الرواية فسحة أكثر للكتابة عن حيوات لا يمكن تكثيفها بالشعر”. وقد يذهب البعض إلى القول إن الرواية اليوم أدخلت منطلقات سردية جديدة فأصبح السرد الواقعي والتاريخي والتوثيقي والمتخيل تتداخل في الكتابة. حول هذا الموضوع يقول المقري: “أظن أن التجارب التي أشرتم إليها صارت من ضمن التراكم السردي لتاريخ الرواية. فهناك، كما يبدو لي، تطلعات سردية أكثر تجريبية ومغامرة من كل هذه الأشكال، بعضها صار ملازماً لفعل الكتابة الباحثة عن إمكانيات مختلفة للتحقق”.
في روايته “طعم أسود…رائحة سوداء” يخاطب المقري طبقة المهمشين أو ما سماهم بـ”الأخدام”، وصوّر مواقفهم وانتماءاتهم في الكتابة. وعن إمكانية إدخالهم ضمن دائرة الضوء للعمل الإبداعي، يجيبنا المقري بقوله: “يمتاز عالم الأخدام بأنّه عصي على التأطير والحصر ضمن هوية ثقافية أو تاريخية أو وطنية وجغرافية. هم لا حدوديون في كل شيء، يقتربون في سلوكهم اليومي من حياة الغجر، ويفوقونهم تمرداً وغبناً. ما قمت به في روايتي هو محاولة الاقتراب من هذا العالم. وعن مجال الترجمة، سألنا المقري هل أصبحت الرواية العربية قابلة للترجمة؟ فأجاب قائلا: “بالتأكيد، هناك أعمال وتجارب مهمة في الرواية العربية لا تقل مكانة عن المنجز السردي العالمي” .