مريم حيدري: أشعر بالرهبة أمام اللغة العربية


* حوار: اسكندر حبش

بين الفارسية والعربية تتنقل الشاعرة الإيرانية مريم حيدري، كتابة وترجمة. تكتب باللغتين شعرها (إذ إنها من أصول أهوازية)، كما نقلت عددا من الشعراء العرب إلى الفارسية، وترجمت عددا من الشعراء الإيرانيين إلى العربية.

ضفتان للكتابة، امتزجتا بعضهما ببعض، وكأنها بذلك تبحث عن المشترك بين الثقافتين. مؤخرا زارت بيروت، وكان هذا اللقاء. 
تكتبين الشعر بالفارسية والعربية، كيف تأتى لك ذلك؟ وإلى أيّ من اللغتين تنحازين؟
^ أعتقد أن الفارسية مرنة أكثر بالنسبة إليّ، فضلا عن أنها لغة بسيطة مقارنة بالعربية، هي اللغة التي درست بها منذ البداية، وأولى الكلمات التي تعلمت أقرأها وأكتبها كانت فارسية. وأول ما قرأت من نصوص أدبية، في طفولتي ومراهقتي، كان الموروث الأدبي والصوفي الفارسي الذي بهرني جدا، وما زال انبهاري وعشقي له قائمين، ولم أكف عن قراءة أولئك الشعراء والكتّاب الصوفيين والاستماع إلى الموسيقى الفارسية التي امتزجت بنصوصهم: الرومي وحافظ وسعدي الشيرازي وإخوتهم في الشعر. لم أجد بعد متعة يمكنني استبدالها بالمتعة التي تستشعرها روحي في نصوص هؤلاء العظام.
أولى النصوص الشعرية التي كتبتها كانت فارسية أيضا. مع أننا كنا نتحدث في البيت بالعربية الدارجة إلى أن مارست قراءة العربية وتعلّم قواعدها اللغوية والكتابة بها في مراهقتي. فبدأت أقرأ الكتب العربية وأستمع إلى الأغاني العربية، ثم كتبت الشعر بالعربية وقتئذ بتشجيع من أخي الأكبر الذي كان هو الآخر عاشقا للأدب العربي.
إلى أيّ لغة أنحاز؟! لا أعرف تحديدا. أحب اللغتين حبّا جما. أفكر بالفارسية في كثير من الأحيان. اكتب يومياتي بالفارسية، وفي الوقت عينه، لا أستطيع التخلي عن العربية، إذ لا يمضي يوم دون أن أستمع إلى أغنية عربية أو أخط بعض السطور بها أو أقرأ نصوصا بالعربية.
حين أكتب الشعر لست أنا التي أقرر لغته. تأتي الجملة الشعرية بنفسها عربية أم فارسية. ليس لأني أنصاع للّغة من دون التحكم بها، بل ربما لأن العربية والفارسية كلتاهما بالنسبة إليّ في مكانة واحدة وموضع واحد من الأهمية والقرب والإلفة. إلا أنني استخدمت في حياتي الفارسية أكثر من العربية، لذلك ما زلت أشعر أمام العربية بشيء من الرهبة أحيانا، إلا أن ذلك لم يحدث لي أمام الفارسية أبدا، فهي سهلة وطيعة ومرنة، يمكنني أن أفعل بها في النص ما شئت، لكن العربية هي التي تقرر في الأرجح.
ترجمت بعضا من الشعر العربي إلى الفارسية، كما بعض الشعراء الإيرانيين إلى العربية، هل ثمة مسافة مشتركة برأيك بين الشعرين؟
^ طبعا، لا اعتقد أن هناك فاصلا كبيرا أو بُعدا بين الشعر الفارسي والشعر العربي. فكلاهما نهل من موارد واحدة ويكاد الموروث الأدبي الفارسي أن يأتي نظيرا للعربي، وكذلك الحال بالنسبة إلى الأدب العربي. ونعرف كلنا مدى تأثير (وتأثر) كل من الأدب العربي والفارسي بعضهما في بعض. هذا عن الموروث والقديم، أما في الأدب الحديث أيضا أرى أنهما قريبان جدا، فالثقافة العربية لا تختلف كثيرا عن الثقافة الفارسية، وكذلك المجتمع والهموم وكلّ ما يتأثر به الكاتب أو النص من معطيات وخلفيات. وحتى عندما ترجمت بعضا من الشعراء العرب إلى الفارسية أو الفرس إلى العربية، لم ألاحظ أن القارئ وجد شيئا غريبا أو مختلفا جدا عند الآخر، وإن رأى شيئا جديدا لم يره من قبل.
ما عدا أسماء مثل شاملو وفرخزاد وسبهري وغيرهم القليل، يبدو الشعر الإيراني المعاصر مجهولا من قبل القرّاء العرب، برأيك لِمَ لم تُنقل النصوص بكثرة، وهل العكس صحيح أيضا، هل يعرف القارئ في إيران الشعر العربي؟
^ العكس صحيح. نعم. لا يعرف القارئ الفارسي كثيرا عن الشعر العربي أو الأدب العربي عامة. أهم ما ترجم في إيران من الأدب العربي كان لنزار قباني، وأدونيس، وغادة السمان، ومحمود درويش من الشعراء، ومن الروائيين نجيب محفوظ، ورواية واحدة لربيع جابر وأخرى لأحلام مستغانمي، بالإضافة إلى أسماء أخرى مثل أنسي الحاج ونوري الجراح وجمال جمعه. وهذا طبعا لا يكفي لإلمام القارئ الإيراني بالأدب العربي الحديث الذي فيه الكثير الكثير كمّا ونوعا. يجب أن يتعرف إليه ويقرأه جاره الذي هو أولى بمعرفته من القارئ باللغات الأخرى.
كذلك الأمر أسوأ بالنسبة إلى الأدب الفارسي، إذ لم أجد قارئا أو متتبعا للأدب الإيراني من العرب سبق له أن قرأ لشعراء أو كتاب من الأدب الإيراني سوى شاملو، وفروغ، وسبهري وأسماء محدودة أخرى، فيما هناك وجوه روائية وشعرية كثيرة في الأدب الفارسي الحديث تستحق الترجمة إلى العربية لتمنح صورة واضحة أو شبه واضحة عن الأدب الإيراني أو الفارسي بشكل عام. 
مرة أخرى أقول وأؤكد أن الأدب الفارسي والعربي ليسا بالغريبين عن بعضهما، بل إنهما يكملان بعضهما في كثير من الأحيان. العرب متقدمون جدا في الرواية، والرواية العربية حية وجدلية ومواكبة لما يحدث في مجتمعها أكثر مما هي في الفارسية لا سيما في السنوات الأخيرة. هناك أيضا روائيون إيرانيون أبدعوا في الرواية والسرد من أمثال محمود دولت آبادي، وصادق جوبك، وسيمين دانشوار، وغلام حسين ساعدي، وأحمد محمود وآخرون. في الحقيقة أن الرواية الإيرانية شهدت عصرها الذهبي خلال الخمسينيات حتى السبعينيات.
ما أبرز التيّارات الشعرية في إيران اليوم؟ وهل الانحياز اليوم هو إلى النثر أم لا تزال القصيدة الكلاسيكية مسيطرة على المشهد؟
^ ما طرأ على الشعر العربي، طرأ على الشعر الفارسي أيضا. الثورة التي قام بها «نيما يوشيج» على القصيدة الكلاسيكية الفارسية في العشرينيات والثلاثينيات من القرن المنصرم، تضاهي ثورة نازك الملائكة على القصيدة العربية. يعتبر «نيما» رائد الشعر الحديث في إيران، وهو أطلق اسم «الشعر الجديد» على ما كان يكتب، وهو معادل لبدايات شعر التفعيلة في العربي.
الجيل الرائد الذي تلا «نيما» ويعتبر وليد ثورته يضم كلا من شاملو، وفروغ، وسهراب سبهري، ومهدي أخوان ثالث الذين كانوا يكتبون شعر التفعيلة ما عدا فروغ فرخ زاد وشاملو اللذين تخليا عن الوزن تماما واكتفيا بالإيقاع الداخلي في النص الشعري.
وهناك شعراء حقيقيون كتبوا الشعر بصمت وبمنعزل عن الصراع وإحداث الفوضى، كتبوا شعرا حقيقيا صادقا في إطار قصيدة النثر وأبدعوا فيها، لا سيما في الستينيات والسبعينيات، بينما لم يأخذوا مكانتهم الجديرة في الشهرة والاهتمام من أمثال منصور أوجي، وبهرام أردبيلي، وبيجن إلهي، ثم داريوش أسدي كيارس وأسميهم أنبياء الشعر.
ظهرت حركات الشعر اللغوي أيضا في إيران بريادة الشاعر والروائي «رضا براهني» الذي كان يكتب الشعر الحر في البداية ثم أصدر كتابا أعلن فيه رفضه لجميع الأطر اللغوية السابقة أسماه «لماذا لم أعد شاعرا نيمائيا؟».
واليوم هناك من يكتب قصيدة كلاسيكية بحتة وفي الأوزان والعروض ولكن متطورة وذات صبغة حديثة وبالطبع ـ الغالبية الساحقة من الشعراء في إيران تكتب قصيدة النثر.
________
* (السفير)

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *